بعد القمّة الصينية - السعودية أي حوار في لبنان؟
تتوّج القمّم الثلاث التي احتضنتها الرياض مساراً دبلوماسياً هادفاً ومنفتحاً بين الصين والمملكة العربية السعودية إنطلق في العام 2016 بزيارة الرئيس الصيني «شي جين بينغ» إلى المملكة وتخلّله زيارة الى جمهورية الصين الشعبة لكلّ من الملك سلمان بن عبد العزيز في العام 2017 وزيارة للأمير محمد بن سلمان في العام 2019. تكشف فقرات البيان الختامي لإعلان الرياض وضوح الرؤية لدى الدولتين وشموليّة الأهداف التي ستغطي جوانب التعاون المتاحة بينهما، ليس على مستوى الشراكات الإقتصادية والتكنولوجية بكافة أشكالها فحسب، بل بما يحاكي هواجس كلّ منهما.
إلتزامان أساسيان قدّمتهما المملكة سيشكلان نقطتيّ إرتكاز استراتيجيتين لبناء واستمرار الثقة بين الدولتين، أولهما الموقف السعودي من الصين الواحدة والذي كان واضحاً في البيان، وثانيهما التأكيد على إلتزام المملكة بإستقرار الطاقة من خلال دورها كمصدر موثوق للبترول الخام الى الصين. يقابل هاتان النقطتان إلتزام صيني واضح بأمن وإستقرار المملكة ورفض إستهداف المصالح السعودية والمنشآت المدنيّة، وتأكيد على سلميّة البرنامج النووي الإيراني واحترام مبدأ سلامة وسيادة الدول على أراضيها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وصوْن السلم والأمن الدوليين. هذه الإلتزامات الصينية التي يبدو وكأنها وُضعت على قدَم المساواة مع الإلتزامات السعودية ستشكّل بدورها نقاط الإرتكاز الاستراتيجية التي ستستند إليها المملكة وهامش الأمان المطلوب للهواجس الخليجية بشكل عام والسعودية بشكل خاص، كما ستحدد ضوابط العلاقات الصينية مع طهران وربما شرطاً لبناء علاقات مستقرة مع المملكة.
الإهتمامات العديدة المشتركة التي أعلن عنها الطرفان تلاقي رؤية المملكة 2030 كما تلاقي البيان الصادر عن المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي عُقد في 22 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم والذي يرسم مسار تطوير الصين حتى منتصف القرن الحالي. هذا ما يضيف إلى إعلان الرياض بُعديْن أحدهما أيديولوجي والآخر استراتيجي تلتزمهما الصين في سياق مرحلة أولى تمتد حتى العام 2035 لبناء دولة إشتراكية حديثة قوية، يندرج خلالها بناء الصين الآمنة ومواصلة رفع مكانتها وتأثيرها الدولي والدفع قِدَماً بالإنفتاح العالي المستوى على الخارج. يلاقي إعلان الرياض كذلك ما أكّده المؤتمر لجهة إلتزام الصين سياسة خارجية سلمية ومستقلة ومنفتحة على العالم الخارجي وهادفة لصوْن السلام العالمي .
وفي ما هو أبعد من مضمون ما ورد في البيان الختامي، فإنّ الحضور الصيني في الرياض يختصر قدرة الدولتين على اتّخاذ خيارات استراتيجية في مرحلة حرجة يمرّ بها العالم بأسره. بكين عازمة على المضي قِدماً في مسارها الإقتصادي وانفتاحها وكسْر حدّة الأحاديّة الأميركية ومقارعة واشنطن لدى حلفائها، وبدورها الرياض تذهب الى أبعد حدود الممكن في تأكيد حضورها الإقتصادي والدبلوماسي وخوض غمار التجربة في الجمع بين ثوابتها مع الولايات المتّحدة وتأكيد أولويّة مصالحها الوطنية وحرية خياراتها.
لم يكن لدى لبنان، المدعو بأزماته المتنوّعة وشحوب حضوره العربي والدولي لحضور القمّة العربية الصينية، ما يقوله من قَبيل مقاربة أي من الميادين المتشعبة التي قد يوفرها حضور العملاق الإقتصادي الصيني، أو خلال اللقاء القصير الذي جمع الرئيس نجيب ميقاتي بسمو الأمير محمد بن سلمان، فالقمّة بدورها ليست منصّة لمساعدة الدول المتعثّرة وتقديم القروض والمساعدات. ما أكّده البيان الختامي من «حرص على أمن واستقرار ووحدة الأراضي اللبنانية، وأهمية إجراء الإصلاحات اللازمة والحوار والتشاور بما يضمن تجاوز لبنان لأزمته تفادياً لأن يكون منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية أو مصدراً أو معبراً لتهريب المخدرات»، يختصر كلّ المواصفات «التفاضلية» لما يسمى بالدولة اللبنانية. كذلك فإنّ العبارات التي أدرجها البيان هي النسخة الرائجة عن «السيرة الذاتية للبنان» والمعتمدة لدى المنظّمات الدولية ولدى الدول الوازنة على حدٍّ سواء، والتي لا يمكن أن تشكّل جواز مرور للبنان الدولة الى رؤية 2030 أو ليكون محطة على طريق الحرير الجديدة.
إنّ الحوار الذي دعا إليه البيان الختامي للقمّة والمقرون بضرورة إجراء الإصلاحات وبلوثة التنظيمات المسلّحة والأعمال الإرهابية وتهريب المخدرات والذي إشرأبت أعناق السياسيين اللبنانيين لمباشرة الإستثمار به، لا يلاقي بأي شكل من الأشكال الحوار «بالمواصفات اللبنانية المعروفة» الذي يدعو إليه رئيس المجلس النيابي وتتشاور الكتل النيابية حول إجرائه.
الحوار الذي يريد المجتمع الدولي مواكبته كمقدّمة لمساعدة لبنان هو ليس ما يُفضي الى تسويّة زبائنية على الطريقة اللبنانية تسمح بإعادة تجديد المشهد السياسي المستهلك بفساده وفشله المعهودًيْن. كذلك فإنّ الإعتقاد بأنّ تجديد معادلة السلطة المعهودة هو شرط موجب لإستقرار المنطقة هو اعتقاد تجاوزه الزمن في ظلّ معادلة الثبات والإستقرار الإقتصادي والأمني الذي أثبتته دول الخليج وجمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، والتغيير الكبير في نظرة الغرب للصراعات في المنطقة وفي مقدّمها التدخّل الإيراني. إنّ الإنهيار الأمني أو الإقتصادي الذي يتمّ التهويل به في لبنان لن يتعدى تأثيره حجم زوبعة في الفنجان اللبناني.
فهل يستطيع الرئيس بري تحويل الحوار المزعوم من محاولة التنقيب واستخراج مرشح للرئاسة من جعبة حزب الله إلى حوار حول جدول أعمال يلاقي العناوين الخلافيّة المعروفة وفي مقدّمتها بسط سيادة الدولة ومسك الحدود وسلاح حزب الله وتطبيق الدستور بكامل مندرجاته، جدول أعمال يلتزمه المرشح أو المرشحون للرئاسة كمقدّمة لعقد جلسة دستورية حقيقية وفقاً للمادة 49 تنتهي بإنتخاب أحدهم وليس بتعيينه أو بالتوافق عليه، رئيساً للجمهورية؟
العميد الركن خالد حماده - اللواء