ترسيم الحدود و"تأمين العجلة بانتظار شراء المركبة"
كتب النائب غسان حاصباني في "نداء الوطن": إنّ الترسيم حاجة اسرائيلية للبدء بالاستخراج على الحدود من دون اشكاليات بعد انهاء العمل بالبنى التحتية، استفاد منها لبنان بشكل محدود وهو بتّ موضوع الحدود البحرية فقط، وهنا تنتهي القصة. حصلت "قبة الباط" الايرانية مقابل مكاسب سياسية في العراق، فاستفاد لبنان بشكل موضعي ومحدود على الهامش، وهذا يستأهل بعض الفرح الآتي.
لكن ما زال من المبكر التهليل والاحتفال وتعليق أي آمال إضافية على الاستفادة من الغاز لأن البنية التحتية الأخرى التي يحتاج إليها القطاع للتصدير أو للاستخدام الداخلي غير موجودة. فغاز "قانا" لن يكون من السهل تصديره إلّا عبر الربط مع شبكة الأنابيب الاسرائيلية القبرصية إلى أوروبا عندما تصبح جاهزة. أمّا ان تقرر استخدامه داخلياً في توليد الطاقة، فهذا الأمر يتطلب شبكات وبنى تحتية مناسبة في لبنان لن يسهل بناؤها بوقت قصير، ولا قدرة تمويلية لها.
إستخدام أنبوب النقل الى اوروبا يتطلب اتفاقاً جديداً بين لبنان واسرائيل وقبرص ومصر وعلى لبنان أن يدخل في هذا التفاهم. الأنابيب الساحلية للاستخدام الداخلي لم تبنَ وستكلف أموالاً غير متوفرة لدى الدولة ولا يوجد حتى خطة واضحة لها.
إضافة الى ذلك، فمحطات تسييل الغاز المستخرج لتسهيل نقله لم تبنَ ولا تراخيص منجزة لاستخراج الغاز في البلوكات غير الحدودية النائمة والتي لا ترتبط بموضوع ترسيم الحدود.
لذا هناك تساؤلات كثيرة ما زالت قائمة حول مصير التفاوض بين "توتال" واسرائيل بشأن حصتها في "حقل قانا" قبل البدء بالاستخراج وحول مصير التعاون المستقبلي في شبكة الامداد إلى أوروبا وقدرة لبنان على بناء شبكاته ومحطاته الداخلية للتخزين والتسييل والتصدير إضافة الى قدرة لبنان على استقطاب شركات للاستثمار.
أمّا في الشق الجيو- سياسي، فهل ستبقى ايران منفتحة على التعاون في المفاوضات المقبلة والسماح لتأمين الغاز إلى أوروبا من مصادر المتوسط بينما الطريق مقطوع عليها عبر سوريا من قبل روسيا؟ ما هو الموقف الروسي ازاء البديل المتوسطي لغازه إلى أوروبا؟ هل ستسمح روسيا بمرور أنابيب المتوسط عبر تركيا من دون أي حصة لها فيها؟
في ظل هذه العوامل والمعطيات، يمكن الاستنتاج أنّ الاستفادة من الغاز في لبنان ما زالت بعيدة المدى والاستدانة أو الصرف على هذا الأساس لتنمية الاقتصاد ما زالت غير واردة في الأمد المنظور، وهذا ما عكسته مؤسسة "موديز" في تقريرها الأخير عن لبنان الذي أبقى على التصنيف كما هو حتى بعد ترسيم الحدود، كما عكس الدولار طبيعة الحال بالارتفاع الى ما فوق عتبة الـ40 ألفاً.
تقارب قيمة حجم مخزون الغاز المقدر في البحار اللبنانية الـ180 مليار دولار بحسب الأسعار الحالية، يستخرج على مدة 30 سنة (10 سنوات تراخيص وتنقيب و 20 سنة استفادة).
حصة الدولة منها في الصندوق السيادي قد تكون بين 40% الى 50% فيبقى بالإجمال 60 ملياراً، أي نحو 2 مليار في السنة وهو أقل من المبلغ الذي يهدر سنويا على الكهرباء أو في دعم سعر الصرف أو التهرب الجمركي والضريبي.
بعد الترسيم، ارتفع شأن البلوكات 8 و9 و10 الحدودية لتصبح مثل باقي البلوكات السبعة، متاحة للاستثمار. فماذا تغيّر في سلوك السلطة اللبنانية الذي لم ينجز اي استخراج للغاز في البلوكات السبعة غير المتنازع عليها؟
ترسيم الحدود هو بمثابة تأمين العجلة بانتظار شراء المركبة.