قصص لبنانية صادمة من مالطا!
على وقع تلاحق موجات الهجرة غبر الشرعية من لبنان، إنعقد في مالطا قبل أيام، مؤتمر حول الهجرة، بمشاركة رسمية من الدولة اللبنانية. لكن ما حصل خارج نطاق المؤتمر كان لافتاً ومؤثراً.. فماذا جرى؟
خلال الاجتماعات الجانبية التي عُقدت مع مسؤولي وزارتي الداخلية والخارجية في مالطا، تبيّن وفي سابقة هي الأولى من نوعها، وجود نحو 31 مهاجراً لبنانياً غير شرعي، موقوفين في هذا البلد.
وكشف مصدر ديبلوماسي لبناني تلقّى تقريراً مفصّلاً عن المؤتمر والاجتماعات، انّ الوفد الرسمي طلب ان يلتقي باللبنانيين المحتجزين للإطلاع على اوضاعهم وظروفهم. وقبل يوم واحد من المغادرة، تبلّغ انّ باستطاعته زيارتهم في مركزين يتوزعون عليهما، إلى جانب مهاجرين من جنسيات أخرى، الاول أقرب إلى سجن، ويضمّ الأشخاص الذين هم فوق 18 عاماً، والثاني اشبه بمقر إيواء ويضمّ العائلات والمرضى إضافة إلى من هم تحت 18 عاماً.
وتبعاً للتقرير، فقد روى اللبنانيون الموقوفون خلال اللقاء قصتهم الموجعة، شارحين المراحل الصعبة التي مرّوا فيها، انطلاقاً من شاطئ العبدة في الشمال وصولاً إلى تحطّم الأحلام على صخرة التوقيف في مالطا، بعدما كانت وجهتهم المفترضة هي ايطاليا.
وعقب الارتطام بالواقع المرير، طلب 12 لبنانياً مساعدتهم في العودة إلى الوطن، فتمّ التجاوب معهم، وأخذت الخارجية اللبنانية على عاتقها تأمين الترتيبات اللازمة لتسهيل الأمر بالتنسيق مع جهاز الأمن العام، فيما رفض آخرون كلياً هذا الخيار، وأصرّوا على البقاء في مالطا على رغم المستقبل الغامض الذي ينتظرهم هناك.
أما اللافت، فكان اشتراط عائلة مكونة من زوج وزوجته منحها مبلغ 50 الف دولار حتى تقبل بالعودة، وعندما سُئل الزوج عمّا يمكن أن يفعله بمثل هذا المبلغ إذا تلقّاه، أجاب بأنّه سيستخدمه في لبنان لتأمين متطلبات الهجرة مجدداً وهذه المرة إلى الولايات المتحدة.
كذلك رفضت عائلة أخرى مقابلة الوفد اللبناني خشية من ان يكون هدف اللقاء إجبارها على المغادرة إلى لبنان، علماً انّ أعضاءه حاولوا إقناع المصرّين على البقاء بالرجوع إلى بلدهم، لأنّ من الصعب قبولهم كلاجئين في مالطا ومن الأصعب نيلهم جنسيتها، بسبب الشروط المتشدّدة التي تضعها في مجالي الهجرة والتجنيس، الّا انّ هؤلاء رفضوا العرض وتمسّكوا بالاستمرار في المغامرة المالطية.
وأظهرت روايات المحتجزين الواردة في التقرير الديبلوماسي، قسوة المعاناة التي تعرّضوا لها خلال الرحلة البحرية التي كانت محفوفة بالمخاطر والأهوال، حيث أفادوا انّهم انطلقوا منذ نحو شهر من شاطئ العبدة الرابعة فجراً، على متن مركب يُفترض انّ سعته لا تتجاوز 67 مهاجراً، ليتبين لاحقاً انّه كان يحوي اكثر من 100 راكب توزعوا بين لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وعراقي واحد. وعندما اعترض البعض لدى القبطان على التلاعب بالعدد، طمأنهم الى أن لا مبرر للقلق، وانّ المركب يتسع لكل من عليه.
الصدمة الأخرى التي باغتت المهاجرين تمثلت في اكتشافهم بأنّ العفن أصاب الطعام الذي جرى تخزينه في ظروف غير صحية قبل أيام من الإبحار، الأمر الذي تسبب في مجاعة مبكرة على متن المركب.
وتوالت المصائب، وفق ما رواه المهاجرون المحتجزون، إذ تعمّد القبطان ان يزيد من سرعة المركب إلى الحدّ الأقصى، حتى تتعطّل المحركات ويجد مبرراً للمغادرة قبل الوصول إلى السواحل الاوروبية. وبعد التوقف في وسط البحر، استقلّ القبطان قارباً صغيراً للفرار، زاعماً انّه ذاهب للتفتيش عن طعام وشراب، تاركاً الركاب يواجهون مصيرهم المجهول.
على الأثر، أصيب عدد من الركاب بنوبات عصبية وسط حالة من الجوع والعطش والتوتر والانفعال، قبل أن تظهر بعد أيام سفينة تركية امتنعت عن استقبال المهاجرين على متنها، لكن بحارتها القوا لهم بكمية من الطعام، وكان جزء منه يقع في البحر، ما اضطر بعض الركاب إلى القفز في المياه لالتقاطه، فيما كان قبطان السفينة التركية يبكي تأثراً.
طالت فترة الانتظار المضني في خضم المجهول، الى ان لاحت بارقة أمل بعد تجاوب سفينتين، واحدة إيطالية واخرى اميركية، مع نداءات استغاثة أطلقها راكب، هو الوحيد الذي يجيد الإنكليزية واستخدام الجهاز الموجود في المركب.
وقد أقلّت السفينتان المهاجرين وقدّمت المساعدات الفورية لهم. ثم وصل مركب يحمل العلم المالطي الذي يجهله الركاب، وطُلب منهم الصعود اليه من دون أن يعرفوا لا هويته ولا وجهته، ليتفاجأوا بعد حين بأنّهم وصلوا الى مالطا التي لم تكن مقصدهم.
وهناك خضع المهاجرون إلى تحقيق صارم من قِبل الاجهزة الأمنية، بعد مصادرة كل ما كانوا يحملونه، ثم تمّ عزلهم لفترة بحجة الوقاية من كورونا، وبعد ذلك نُقلوا إلى مركزي احتجاز، حيث لقوا معاملة جيدة عموماً وسُمح لهم باستعمال هواتفهم احياناً.
والمفارقة انّ احد المهاجرين اللبنانيين تلقّى في مركز الاعتقال اتصالاً من المهرّب، الذي طالبه بأن يتدخّل لدى أقاربه ليستكملوا تسديد الدفعة المتبقية من المبلغ المتوجب عليه.
ويختصر المصدر الديبلوماسي انطباعاته بعد الاطلاع على وضع المحتجزين اللبنانيين، بأنّ الهجرة غبر الشرعية هي مغامرة خاسرة، وانّ المهرّب غالباً ما يلجأ إلى تجميل صورة تلك الهجرة ليتمكن من استقطاب الزبائن وتحقيق الأرباح. اما الواقع، فهو مغاير لما يأمله الهاربون من قعر الهاوية إلى قعر المجهول.
عماد مرمل - الجمهورية