تساؤلات مشروعة على حدود قانا
تتضارب التوصيفات والتقديرات لمجريات الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل. ففيما تغلب إنسيابية إيجابية يقرأها اللبنانيون في تصريحات عدد من الدبلوماسيين الغربيين، يبدو أنّ هناك باطنية لبنانية يمارسها الرؤساء المفاوضون، بما يجعل اللبنانيون يستشعرون أنهم دون الأهليّة المطلوبة للإحاطة بما يجري أو أنّ مصارحتهم به قد تؤثر سلباً على مهارات المفاوضين وحذاقاتهم في تثبيت حقوق لبنان.
لقد ابتلع اللبنانيون التنازل عن الخط 29 أمام إعلان رئيس الجمهورية ميشال عون وقبله الرئيس نبيه بري الخط 23 مرجعاً واحداً أحداً للتفاوض، بما يعني التنازل عن 1200 كلم مربّع من المنطقة الإقتصادية الخالصة، لتبدأ «الأرانب» بعد زيارتين للوسيط الأميركي هوكشتاين بالخروج من جيوب المفاوضين. الأرنب الأول خرج من جيب نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب عندما قال أنّ هناك نقاطاً واقعة ما بين البلوكات النفطية والشاطئ اللبناني يتوجّب ترتيب وضعها، والأرنب الثاني أطلقه الرئيس ميقاتي عندما تساءل عن فصل الترسيم البحري عن الترسيم البري معيداً التذكير بالنقطة B1 أي رأس الناقورة، فربما أراد ميقاتي بذلك تسجيل موقف لفظي يتناسب مع ما أُبقي له من دور لتبرئة الذات والتنصّل من خطيئة الترسيم، وذلك أضعف الإيمان.
أما الأرنب الثالث فقد خرج بالأمس من جعبة العدو الإسرائيلي في معرض إعلان تل أبيب عن زيارة لرئيس أركان الجيش أفيف كوخافي الى باريس، حيث قالت مصادر عسكرية إنّ «هناك إرتباطاً وثيقاً بين فرنسا ولبنان فيما يتعلّق بقضية المياه من الناحية الإقتصادية، لا سيما أنّ شركة النفط والغاز الفرنسية (توتال) فازت بمناقصة استخراج الغاز في المنطقة المتنازع عليها في حقل قانا، وبحسب اتّفاق ترسيم الحدود، يجب أن تحصل إسرائيل على حصة من الأرباح في المستقبل إذا جرى استخراج الغاز منها». وتضمن تصريح المصادر إعلان شركة «إنرجيان»، عن تأخير المباشرة بالإنتاج لعدة أسابيع بسبب مشكلات لوجيستية.
ويتواكب كلّ ذلك مع تأكيد رئيس الجمهورية بالأمس أنّ الترسيم سيكون جاهزاً خلال الأسبوعين القادمين ومع تهديدات أمين عام حزب الله بأنّ الصواريخ قد وجّهت الى كاريش وأنّ انطلاقها مرهون بإقدام إسرائيل على الإستخراج قبل الإنتهاء من الترسيم.
تقودنا المعطيات المُدرجة أعلاه إلى استنتاج ما يلي:
أولاً، نضوج الظروف المؤديّة الى اتّفاق لترسيم الحدود البحرية وجاهزيّة التصوّر الأميركي النهائي الذي سيبلغه الوسيط الأميركي للرؤساء المفاوضين قُبيل نقله.
ثانياً، تأجيل الإستخراج من حقل كاريش الى ما بعد الإنتخابات الرئاسية الإسرائيلية والإنتخابات النصفيّة الأميركية، بمعنى أنّ المسؤول عن التوقيع وتداعياته هو حكومة إسرائيلية جديدة منبثقة من إنتخابات جديدة وكونغرس أميركي جديد. هذا بالإضافة أنّ المهلة إياها ستتيح إخراج التوقيع اللبناني من دائرة الإستثمار في الإستحقاق الرئاسي.
ثالثاً، تبلوّر دور لفرنسا على خط الوساطة ما بين إسرائيل وحزب الله يُضاف الى الدور المواكب لمواقف حزب الله من موضوع الترسيم، سواء عبر السفارة الفرنسية في بيروت أو عبر شركة توتال، ويسير بخطٍ موازٍ للتفاوض الرئاسي، بما يجعل شركة توتال قيّمة على تسييل الخلاف (Liquidation) من سياسي أمني إلى مالي.
تنصّ المادة 52 من الدستور: « يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالإتّفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. ... أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلّق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة بسنة، فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب».
يطرح كلّ ذلك مجموعة من التساؤلات:
لماذا لا يطلب مجلس الوزراء من رئيس الجمهورية إطلاعه بموجب الدستور على مسار التفاوض لا سيما في ما يتعلّق بالدور الذي تقوم به فرنسا وما ورد في الرواية الإسرائيلية حول حصّة إسرائيل في قانا التي ستتولاها الشركة الفرنسية توتال؟
لماذا لا يُسائل مجلس الوزراء المفاوض الرئيس عون ولماذا لا يُعلن مجلس النواب المعني دستورياً بإبرام الإتّفاقية موقفه من مسألة النقطة B1 التي يستلحق المساس بها تعديل إتّفاقية الهدنة، مما يُفقد لبنان الوثيقة الوحيدة التي تضمن حدوده وحقوقه وتكرّس قانونية الخط ٢٣ على حساب لبنان؟
وأخيراً هل تمنع الوساطة الفرنسية بين إسرائيل وحزب الله ومعها دور شركة توتال في توزيع الأرباح من حقل قانا ومنها حصة لإسرائيل، منصّة صواريخ حزب الله من الإنطلاق نحو كاريش؟
وهل هذه الصواريخ مرتبطة بحصول الترسيم قبل الإستخراج فقط؟
العميد الركن خالد حماده - اللواء