مهمة هوكشتاين بلغت مرحلة حساسة فطلب تدخّلاً رئاسياً عاجلاً
كشفت تقارير ديبلوماسية وصلت إلى بيروت، انّ مهمة الوسيط الاميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية عاموس هوكشتاين بلغت مرحلة دقيقة وحساسة، اضطر خلالها إلى طلب الدعم المباشر من البيت الابيض لتجاوزها إلى ما يليها. فبعدما أنجز الأمور التقنية المتعلقة بالترسيم والحقول والخطوط، انتقل إلى مرحلة الضمانات لحمايتها وضمان تنفيذها. وعليه، فهل من أسباب أخرى تبرّر الظروف التي دفعته إلى طلب هذا الدعم؟
ما من شك يدور في رؤوس المسؤولين اللبنانيين وفي خلفية العقول، انّ هوكشتاين يبذل جهداً استثنائياً لإتمام مهمته، مع حرصه التام على التزام نسبة عالية من الصمت. فقد باتت الظروف الدولية والاقليمية على قاب قوسين او أدنى من إعلان النفير لتأمين المشتقات النفطية للدول الصديقة للولايات المتحدة الاميركية، وخصوصاً تلك الحليفة التي تخوض المواجهة إلى جانبها مع روسيا والصين وايران، ليس على الأرض الأوكرانية فحسب، انما في أكثر من دولة ومنطقة تشهد مثل هذه المواجهة اياً كانت السقوف المسموح بالوصول إليها قبل الكشف المحظور عن كثير من الحقائق المتصلة بها.
وفي اعتراف الديبلوماسية العالمية، فإنّ أزمة الطاقة الدولية قد اقتربت اكثر من اي وقت مضى من ملامسة الخطوط الحمر التي تنذر بكثير من العواقب. فالتعقيدات الدولية الناجمة عن حظر الغاز الروسي والعقوبات المفروضة على قطاع الطاقة بلغت الذروة، وما هو آتٍ اصعب مما عبر حتى اليوم، وأنّه لا بدّ من إنجاز يبقي الإدارة الأميركية مرجعاً دولياً في هذا الملف اياً كانت الكلفة المقدّرة عليها وعلى حلفائها.
ويعترف العارفون من المسؤولين اللبنانيين المكلّفين الملف، انّه لا يمكنهم البوح بكل ما لديهم من معلومات وما يخطر في بالهم من هواجس، ولذلك فإنّهم يقاربون الأمور بكثير من الترقّب والحذر، في انتظار ما سيسمعونه من فم هوكشتاين مباشرة وفي موعد ليس ببعيد، بعد ان يكون قد أنجز ما تعهّد به من تأمين الضمانات التي طالب بها لبنان كما العدو الاسرائيلي. فوصيته كانت وما زالت إقفال الآذان على أي «ثرثرة» اعلامية او سياسية او حزبية يمكن ان تأتي من الداخل او الخارج، فسيان بالنسبة اليه. مع اشارته إلى انّه تلمس بما لا يرقى اليه من شك، موجات التصعيد والمزايدات التي لا تقف عند حدود الساحة السياسية اللبنانية فحسب، وإن كانت هي الأقل تفاعلاً مع ما يجري.
فإلى لهجة «حزب الله» المتصاعدة التي انطلقت منذ فترة، واكبت عودته الى المنطقة أواخر حزيران الماضي، ودخول باخرة الإنتاج «اينيرجين باور» الى حقل «كاريش»، وتزامناً مع موقف لبنان الرسمي الموحّد، فهو يرصد بأهمية اكبر بكثير، ما يجري على الساحة الداخلية في اسرائيل التي تستعد للانتخابات النيابية المبكرة، كما في بعض العواصم الاوروبية التي تتفاعل ونتائج الغزو الروسي لاوكرانيا وتداعياته، وتلك التي تعاني من أزمة الطاقة والغذاء، بنحو انعكس على مختلف وجوه حياة مواطنيها. ولا يقف الأمر عند هذه المعطيات، فالأسواق الاميركية تعاني نقصاً واضحاً في المشتقات النفطية ومن أسعارها المرتفعة، والتي قد تفرض عليها مدّ اليد إلى المخزون الاستراتيجي النفطي.
وانطلاقاً من هذه المؤشرات، فقد توقفت المراجع المعنية أمام الحركة الديبلوماسية الأخيرة التي انخرطت فيها الادارة الاميركية على مستوى رئيسها جو بايدن، الذي فتح خطوطه الهاتفية لمساعدة موفده إلى المنطقة، انطلاقاً من معطيات سبق له ان زوده ايّاها، طالباً التدخّل الفوري لعبور المرحلة الدقيقة التي وصل إليها. فقد كان هوكشتاين واضحاً في نهاية جولاته الاخيرة على بيروت وتل ابيب والعواصم الاوروبية التي زارها من أثينا الى باريس وروما وبرلين، عقب الجولة التي رافق فيها بايدن إلى الشرق الاوسط، لتطويق الذيول التي تركتها العقوبات على النفط الروسي وما يمكن ان يزيدها حدّة إن أقدمت موسكو على قطع إمداداتها عن الدول التي ما زالت مستثناة من برامجها حتى اليوم، ومواجهة الحاجة المتزايدة لمصادر الطاقة من المناطق الأقرب إليها كما منطقة الشرق الأوسط.
وفي التفاصيل، فقد انتهى هوكشتاين مبدئياً من مسألة رسم الخطوط على الحدود الجنوبية، بعدما اقتنع الجانبان المعنيان بها، بأنّ الثروة تحت الأرض، ولا ترتبط بخطوط مباشرة في ما بينها. وبدأ البحث عن الضمانات المتبادلة بين الطرفين، ولا سيما الجانب اللبناني الذي يصرّ على ضمان حقه بتوافر الحرية للشركات الدولية لتبدأ مراحل الاستكشاف في البلوكات اللبنانية ولا سيما البلوكين 9 و8، مقابل قبوله بأن تبدأ اسرائيل في استخراج نفطها من حقل «كاريش». وهي خطوة لا يمكن البدء بها في ظلّ أي فيتو لبناني يوازي الفيتو القبرصي الذي يجمّد العمل في حقل «افروديت» الواقع في عمق المنطقة الاقتصادية لها تجاه الحدود القبرصية البحرية.
وكما انّ على هوكشتاين ان يضمن توفير ما يطالب به لبنان لتسهيل مهمته، فإنّه يعرف انّ معظم ما يطالب به لا يتصل بالجانب الاسرائيلي مباشرة. فاستئناف عمليات الاستكشاف يحتاج إلى قرار تتخذه شركة «توتال» الفرنسية بضمانات اميركية قبل غيرها، كما يحتاج إلى مسعى لترميم ما أصاب الكونسورتيوم الثلاثي مع ايطاليا وروسيا بعد انسحاب الشركة الروسية «نوفاتيك» منه أياً كانت نتائج هذه الخطوة. فهي تمتلك ما يزيد على 20 % من الشركة الروسية ومعها «إيني» الايطالية بنسبة اقل، وهما يمكنهما ان تمثلا مصالحها في ظل العقوبات التي شلّت عملها في أكثر من منطقة، عدا عن انسحابها من حقول شرق المتوسط قبل أيام قليلة.
وبناءً على ما تقدّم، فقد سجّل البيت الابيض موقفاً متقدّماً من مهمة هوكشتاين داعماً خطواته لـ «تقريب وجهات النظر بين الطرفين» ومشيداً باستعداداتهما للتفاوض في إيحاء واضح بدعم المواقف الرسمية ورفضها ما تقوم به المعارضة الاسرائيلية، كما وما تقود اليه مواقف «حزب الله» التي تهدّد الموقف الرسمي للطرفين. وربما قد تؤثر على ما تحقق من إيجابيات عند ما انتهى اليه الرجل من تفاهمات مبدئية. وكل ذلك من اجل ما يؤمّن «الاستقرار الأمني والنهوض الاقتصادي للبلدين».
ولم يكتف البيت الأبيض في بيانه، فقد شكّل استباقاً ايجابياً للإعلان عن الاتصال الهاتفي مع رئيس الحكومة الاسرائيلية يائير لابيد، الذي خصّص جزءاً منه لتأكيد دعم واشنطن للموقف الاسرائيلي الرسمي في مواجهة معارضيها، وحماية مسار المفاوضات غير المباشرة مع لبنان بوساطة أميركية. ونقل عن بايدن تأكيده «أهمية إنهاء المفاوضات في الأسابيع المقبلة».
عند هذه المعطيات تتوقف الأهداف التي يرغب هوكشتاين بتحقيقها، وإن نجح في توفير الضمانات المطلوبة، فلن يبقى بعيداً من ارض لبنان واسرائيل، وسيعود إليها لبرمجة المرحلة المقبلة، وما يمكن ان تشكّله من إنجاز على طريق معالجة أزمة الطاقة الدولية التي تتجاوز ملف الترسيم بين بلدين.
جورج شاهين - الجمهورية