فيينا.. المفاوضون في مكان والمفاوضات في مكان آخر
كتب مصطفى فحص في "الحرة":
نظريا تجتمع فرق التفاوض الدولية في فيينا من أجل البحث في إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد أو إحياء القديم بين إيران ومجموعة دول 5+1.
ولكن بعد أسبوع من مفاوضات ماراثونية وتصريحات متناقضة من كل الأطراف المشاركة المتفائلة منها والحذرة، يبدو فعليا أن المفاوضات تجري خارج مدينة فيينا، وهذا لا يعني أنها انتقلت بشكل سري إلى عاصمة أو مدينة ما، بل أنها تجري وبشكل علني في مدن متعددة دون الإعلان الرسمي عن اختيارها أماكن للتفاوض، وهي تأخذ طابعا مختلفا عما كان يجري في فيينا طوال سنوات، وما كان يرافقها من مفاوضات سرية في أماكن مختلفة، ففي هذه الجولة من المفاوضات الإيرانية الغربية أغلب الملفات مكشوفة ومن دون بنود سرية، تجري بأماكن مختلفة، بعضها خشن في اللهجة أو التصرفات أو الاحتمالات، كأنها مفاوضات متعددة المسارات والأطراف، تختلف بأسلوبها وأهدافها، بين فريق مفاوض وآخر، وبين مكان تفاوضي وآخر.
فعليا بالتوازي مع مفاوضات نووية جديدة في فيينا، وصفت بالفرصة الأخيرة، وهي طبعا لن تكون الأخيرة، حتى لو لم يتوصل المعنيون إلى اتفاق في هذه الجولة، تجري أحداث عالمية وإقليمية ومحلية إيرانية لا يمكن فصلها عن مسار مفاوضات فيينا، بل أنها تزيدها تعقيدا وضغوطا، وتؤثر عليها مباشرة سلبا وإيجابا، لذلك فإن ما يجري عالميا بالتوازي مع فيينا له بعدان متناقضان، قد يفسره البعض أنه مقصود من أجل عرقلة المفاوضات، أو العكس تماما.
وفي هذا الإطار يمكن وضع علامات استفهام بشأن التوقيت الذي اختارته واشنطن للكشف عن محاولات الحرس الثوري اغتيال شخصيتين أساسيتين في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وفي الحزب الجمهوري، هما وزير الخارجية السابق بومبيو ومستشار الأمن القومي الأسبق جون بولتون، والتي يمكن تفسيرها بأنها أقرب إلى عملية ضغط باتجاهين الأول على إيران كي تخفف من مستوى مطالبها، والثاني على الإدارة الأميركية الحالية لكي تخفف من ميوعتها التفاوضية، أما ما لا يمكن فهمه تفاوضيا ومن الصعب اعتبار ان توقيته كان مدروسا، ويمكن ان يكون مصادفة، إلى ان تُستكمل التحقيقات مع الجاني، فإن حادثة الاعتداء التي تعرض لها الروائي العالمي سلمان رشدي على يد لبناني مؤيد لحزب الله قام بتنفيذ فتوى القتل التي أطلقها مؤسس النظام الإيراني آية الله الخميني بحق رشدي سنة 1989، قد تستخدم كمبرر لتعقيد المفاوضات أو فرض مزيد من التصلب الأميركي، وهذا ما لا تتمناه طهران في هذه المرحلة.
تفاوض طهران في فيينا، كما تفاوض في عواصم أخرى أهمها بيروت وبغداد، في الأولى العيون متجهة نحو الحدود البحرية وما سينقله المبعوث الأميركي هوكشتيان، وفي الحقيقة فإن طبيعة الرد اللبناني على مقترحاته سترتبط بمناخ مفاوضات فيينا، فإذا فشلت فيينا سلميا فإن احتمال انتقالها إلى مفاوضات بالنار على الحدود البحرية اللبنانية وارد جدا، أما في بغداد فإن كل الحضور الإيراني منذ 2003 في مواجهة مصيرية مع الصدر من جهة ومع الأغلبية الشيعية من جهة أخرى، وفي حال انتكست المفاوضات أو نجحت في فيينا، فإن طهران بحاجة إلى استعادة زمام المبادرة في بغداد وهذا صعب ومكلف، فلا هي بنفس مستوى التأثير بعد قاسم سليماني ولا الموالون لها، فكل الخيارات أمامها صعبة، خصوصا أن التصالح مع الصدر متعب والتصادم معه مكلف، لذلك يمكن القول إن ما يجري في العراق حاليا يمثل جزءا من حالة إقليمية، يجري التفاوض عليها بالتزامن ما بين بغداد وفيينا.
فيما يبقى الداخل الإيراني بيت القصيد، حيث الأفضل لفرق التفاوض الإيرانية، أكانت في فيينا أو أي عاصمة أو مدينة حول العالم، أن تعود إلى طهران وفي جعبتها ما يطمئن الشارع الإيراني، الذي يبدو أنه اقترب من لحظة الانفجار.
وفي النهاية يمكن القول إنه لمعرفة ما يجري في فيينا، علينا معرفة ما يجري خارج فيينا .