"شهادة" أبو الغيط: الحريري رفض نصيحة الملك عبدالله والرئيس مبارك.. فأسقطه الحزب
قبل أيام أطلق الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط من بيروت مواقف تتعلّق بلبنان والتضامن العربي معه في أزمته الراهنة، وذلك على هامش اللقاء التشاوري الثالث لوزراء الخارجية العرب استعداداً للقمّة العربية المقرّرة في الجزائر في تشرين الثاني المقبل.
لكنّ أبو الغيط يكشف في كتابه "شهادتي"، الذي يتناول السياسة الخارجية المصرية بين عامَيْ 2004 و2011، أي الأعوام السبعة التي كان فيها المؤلّف وزيراً لخارجية مصر، الكثير من المعلومات والمعطيات المرتبطة بلبنان في تلك الأعوام... ومن بينها معلومات تُنشر للمرّة الأولى عن اجتياح "حزب الله" لبيروت في 8 أيار 2008، ثمّ انعقاد مؤتمر الدوحة لتسوية الأزمة اللبنانية، وبعد ذلك الانتخابات النيابية في لبنان عام 2009، وصولاً إلى إقصاء الرئيس سعد الحريري عن السلطة عام 2011.
يحفل كتاب "شهادتي"، الذي أصدرت "دار نهضة مصر" حتى الآن طبعته الحادية عشرة، بالمعلومات التي وضعها رئيس الدبلوماسية المصرية بين ثناياه عن تلك الأعوام المهمّة من تاريخ المنطقة والعالم.
في ما يلي أبرز ما له علاقة بلبنان في هذا الكتاب:
"تأزّم الموقف في لبنان في بداية أيار 2008. وفجأة يقوم حزب الله بتظاهرة عسكرية فعّالة تكشف سيطرته المطلقة العسكرية على المسرح اللبناني. وتتوارد إلينا في مصر أنباء عمليات عسكرية تهدّد السُنّة وزعاماتها في لبنان. وأستشعر أنّ الأمر قد يخرج عن يد الجميع، وهو ما يؤدّي إلى خطر سقوط الدولة اللبنانية في فوضى عارمة، أو إلى تدخّل إسرائيلي سافر في الشأن اللبناني. وأرى أنّ المخرج هو السعي من أجل التدخّل الفوري للجامعة العربية للسيطرة على الموقف، ووضع حدّ للمزيد من التدهور، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه. وأجري اتّصالاً مبكّراً مع وزير خارجية السعودية (الأمير سعود الفيصل) صباح اليوم التالي لانفجار الموقف في بيروت، وأخبره أنّنا سنطلب الآن انعقاد مجلس الجامعة، وعمّا إذا كانت السعودية ستتحرّك معنا، وأوضحت اقتناعي بخطورة الموقف الداخلي، وأنّ الأسلوب الهجوميّ العسكري الذي تنتشر به قوات حزب الله يهدّد التوازن الحسّاس بلبنان. ويوافقني الأمير سعود الرأي. وتأتي موافقات الدول العربية، وتعبّر سوريا عن عدم حماستها، وتتلفّت حولها قطر بقلق، ونعدّ مشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار وإدانة العمليات الهجومية وضرورة انسحاب أفراد الحزب من المناطق التي دخلوها، وندخل في مواجهة ممتدّة تستمرّ لأسابيع وشهور مع سوريا المدعومة من قطر والسودان.
كان تقديري أنّه سيكون مطلوباً من الجامعة أن تدعو الأطراف الداخلية في لبنان إلى اجتماعات فيما بينها للتفاوض على تسوية خلافاتها بالوسائل السلميّة، ومن دون التهديد باستخدام القوّة. وتحدّثت مع الرئيس (حسني مبارك) صباح يوم 10 أيار 2008، مقترحاً أن تقوم مصر بدعوة الأطراف إلى الحضور إلى القاهرة للتفاوض فيما بينها تحت إشراف لجنة عربية أو من خلال جهد مصريّ خالص، ولا يوافق الرئيس على الفكرة، بل يقول إنّه يعرف اللبنانيين جيّداً، إذ إنّ مثل هذه الوساطة ولكي تتوصّل إلى تسوية، فإنّ تكلفتها المالية ستكون باهظة. وكنت أعتقد أنّه يشير إلى ما تحمّلته السعودية في تحقيق اتفاق الطائف في عام 1989، ولم أجادل.
في المساء، اقترح وزير خارجية قطر استضافة الدوحة للاجتماعات اللبنانية التي طالبت بها الجامعة العربية وتحت الإشراف العربي. وتبذل قطر جهداً جادّاً، وتحقّق اتّفاقاً يوفّر لحزب الله وسوريا كلّ طلباتهما تجاه لبنان. ويعبّر الرئيس (مبارك) عن استغرابه قبول بقيّة الأطياف اللبنانية هذا الاتفاق وبنفس العناصر التي كانت ترفضها سابقاً. ونعلم أنّ قطر أنفقت مبالغ طائلة لإقناع كلّ القوى الداخلية بالقبول. ويتردّد أنّ السعودية ضغطت على سعد الحريري للموافقة على الاتفاق على الرغم من احتدام الجدال السعودي السوري حول لبنان، وبخاصّة أثناء انعقاد سلسلة الاجتماعات الوزارية العربية التي عُقدت على مدى الأزمة اللبنانية وارتباطها بموضوعات المحكمة الجنائية الدولية بخصوص اغتيال الحريري.
كانت العلاقات بين الرئيسين السوري والمصري في تدهور، خاصة وقد استشعر الرئيس مبارك الأذى الشديد لعدم قيام الرئيس السوري بتعزيته في وفاة حفيده. كان يقول: "لم يعزّني شخصيّاً، على الرغم من أنّني شاركت شخصيّاً في جنازة شقيقه. فقط قرينته اتّصلت بزوجتي بعد عشرة أيام للتعبير عن تعازيها في الحفيد".
سوريا النووية
وتقوم القوات الأميركية في العراق بتصعيد الموقف، بالقيام بعملية عسكرية بالقوات الخاصة، للقبض على عناصر جهادية عربية أو عراقية داخل الأراضي السورية على الحدود مع العراق. وتقوم إسرائيل بإغارة جويّة على منشأة سوريّة في شمال غرب سوريا. ويتردّد أنّ القاذفات المقاتلة الإسرائيلية طارت داخل المجال الجوّي التركي لكي تصل إلى أهدافها داخل سوريا بالقرب من الحدود التركية. ويتجاهل السوريون أمر تركيا. وتكشف الأسابيع التالية للغارة أنّها كانت تستهدف منشأة نووية تقيمها سوريا بالتعاون مع كوريا الشمالية. ويقوم الأميركيون بإطلاعنا على كلّ التفاصيل بمبادرة منهم.
في خضمّ هذا الموقف، يطرح الرئيس اليمني (علي عبد الله صالح) اقتراحاً ينقله إلينا بناءً على طلب من الرئيس (بشّار) الأسد، بأهميّة مدّ الجسور بين مصر وسوريا، وأن يلتقي وزيرا خارجية البلدين أو رؤساء المخابرات للبحث في كيفيّة إنهاء الخلافات، ولا يتحمّس الرئيس (مبارك).
وتُعقد القمّة الاقتصادية العربية في الكويت في شباط 2010، وفجأة يطرح الملك عبدالله بن عبد العزيز مبادرته في مصالحة سوريا، ونسيان الخلافات حماية للموقف العربي ونتيجة للهجوم الإسرائيلي على غزّة... ويضطرّ (مبارك) إلى أن يقول في حديث له معي إنّه اضطرّ إلى أن يقف مع السعودية أثناء توابع أزمة الهجوم الإسرائيلي على لبنان (2006)، لأنّه كان يرصد عمق مشاعر الضيق الشديد لدى الملك السعودي (عبد الله بن عبد العزيز) تجاه الرئيس السوري (بشار الأسد)، الذي وصفه بهذا "الشاب الأرعن"...
يستشعر الرئيس مبارك الرضا الشديد لنتائج الانتخابات النيابية في العام 2009 ونجاح ائتلاف سعد الحريري لكسب الأغلبية، وينصحه بعدم السعي إلى الحصول على منصب رئيس الحكومة، وأن يترك السنيورة في مكانه مع كون الشيخ سعد هو الشخصيّة القابضة على الموقف. ويتّفق معنا السعوديون. ومع ذلك يمضي سعد الحريري في طريقه للحصول على المنصب، ويخسر في النهاية في مواجهة التيارات المؤيَّدة من قبل سوريا وحزب الله وقطر.
وبانعقاد القمّة العربية في ليبيا في آذار 2010، تزداد الأمور تعقيداً بين مصر وسوريا، حيث يطلب الرئيس السوري مجاملة الرئيس (مبارك) بالحضور إلى شرم الشيخ قادماً من سرت مع انتهاء القمّة للسؤال عن صحّته بعد عملية جراحية كبيرة أجراها في شباط 2010. ونطلب من السوريين إعطاء فرصة له لكي يستعيد صحّته، ثمّ نقترح عليهم موعداً محدّداً باليوم والساعة للحضور إلى القاهرة، ويغضب السوريون ويعتبرون الأمر وكأنّه استدعاء ولا تتمّ المصالحة، وتبقى الأمور بين مصر وسوريا دون تطوّر حتى يغادر الرئيس مبارك السلطة.
بقيت أفكّر مليّاً في هذه العلاقة المعقّدة بين الرئيسين، التي كان لها انعكاساتها السلبية للغاية على علاقات البلدين لفترة ثلاث سنوات أو أكثر، عملت خلالها على إبقاء صلات التواصل مع السوريين في المسائل المتعلّقة بالتسوية الفلسطينية، وإقناعهم بحضور اجتماع أنابوليس المعنيّ بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وتقديم الكثير من النصائح لهم في علاقاتهم مع القوى الغربية.
واليوم، أقول إنّه لا شكّ أنّ مصر وسوريا تتبنّيان سياسات متعارضة في علاقاتهما بإيران أو بالولايات المتحدة. لكنّ احتدام التنافس في الشرق الأوسط في هذا التوقيت، وارتباط الأمر بظهور الانتشار الإيراني القويّ على المسرح اللبناني والإسلامي، والشدّ والجذب بين إيران والقوى الغربية بخصوص الملف النووي الإيراني، كانت لها تأثيراتها المباشرة على توجّهات الرئيسين المصري والسوري. ومع ذلك، يجدر القول إنّه ينبغي أن يُبقيا على الحدّ الأدنى من العلاقات الشخصية والعمل المشترك المصري-السوري حفاظاً على مصالح عربية لها أهميّتها. وهكذا يُلاحَظ ذلك الأثر الهائل للعلاقات والحساسيّات الشخصية بين القادة العرب في التأثير على مجريات الأحداث، وذلك بالطبع من دون إغفال الاختلافات في تقدير المصالح الوطنية لكلّ دولة وكلّ نظام حكم، وتباين الارتباطات الإقليمية والدولية الحاكمة لهذه المواقف".
أحمد عياش - أساس