واشنطن بين خسارة الحلفاء وتقييد إيران
كتب العميد الركن خالد حماده في "اللواء":
لا تشبه ظروف زيارة الرئيس جو بايدن للمملكة العربية السعودية أيّاً من الزيارات التي سبقتها لأي رئيس أميركي للمنطقة. بايدن الذي تجاهل بشكل غير مسبوق منذ انتخابه التهديدات والإعتداءات التي تعرّضت لها أكثر من دولة عربية وخلجية، وجاهر بعدائيته للمملكة ووصفها بـ «المنبوذة» وبأنها «بلا قيمة إجتماعية» متّهماً ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان بالوقوف وراء مقتل جمال خاشقجي، يعرض نفسه اليوم زائراً للمملكة. وفيما يبدو أنّ الآمال المعلّقة على الزيارة غير مشجعة فإنّ الحراك الدبلوماسي النشط الذي عرفته العواصم الوازنة في المنطقة والقمم المتتالية التي جمعت قادتها، عبّرت بشكل واضح عن تدني منسوب الثقة بالإدارة الأميركية، كما أظهرت تبلوّر تقاطعات عديدة ومصالح مشتركة بين دولها بما لا يسمح بالتنازل عنها أو تمييعها.
نجحت اللقاءات السعودية المصرية الأردنية في تأكيد وحدة الرؤيا نحو المصالح والتهديدات المشتركة، كما حملت كلّ من زيارة ولي العهد السعودي الى تركيا واجتماعه بالرئيس أردوغان، ودعوة العاهل الأردني لإقامة ناتو شرق أوسطي - وتوصيفه الدور الإيراني بأنّه يطرح أكثر من علامة استفهام - دلالات على بزوغ مفهوم جديد للأمن في الشرق الأوسط يتجاوز كلّ التقييدات المعروفة. بدا أنّ حلفاء الولايات المتّحدة في المنطقة مصممون على الخروج من القمقم الأميركي.
مقابل هذا الحشد الذي رُفع في وجه زيارة الرئيس بايدن برزت دبلوماسية الإنحناء أمام العاصفة التي تمثّلت بإعلان طهران إستعدادها لاستئناف المفاوضات النووية بعد لقاء جمع وزير الخارجية حسين عبد الأمير اللهيان بمسؤول الخارجية في الإتّحاد الأوروبي جوزيف بوريل، على أن تستضيف قطر المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتّحدة لإنهاء تعثّر المفاوضات. ويمكن أن يضاف الى هذا الترويج الموقف الذي أعلنه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بعد لقائه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، حول عدم جدوى الحرب في اليمن وضرورة إنجاح وقف إطلاق النار وإطلاق الحوار بين المكوّنات اليمنية.
وفيما تحاول دبلوماسية الإنحناء تسهيل المهمة أمام الرئيس الأميركي، لا تزال الإدارة الأميركية متأخرة في تقديم أيّة إجابات واضحة حول استمرار هجمات إيران الصاروخية والطائرات بدون طيار، في حالة نجاح الإتّفاق ورفع العقوبات. هذا بالإضافة أنّ التصاريح الأميركية التي تسوّق لأهداف الزيارة لم تخرج من السرديات السابقة التي تبرر العجز الأميركي أمام التهديدات الإيرانية ومحدودية الإجراءات المتمثّلة بمواصلة الضغط الإقتصادي وتكثيف العقوبات. وفي هذا الإطار يقول أحد أعضاء الكونغرس المطّلع على المداولات: «يشعر الكثير من شركائنا بقوة أنّ سياسة الولايات المتّحدة تجاه إيران تجعلهم أقل أمانًا». «وعندما نربط هذه السياسة بالإنسحاب من أفغانستان، ومبيعات الأسلحة المقيّدة، والإعتناق الفاتر لاتّفاقات أبراهام، والمحور المعلن عنه في المحيطيّن الهندي والهادئ – سيفضل العديد من الشركاء تولّي زمام الأمور بأيديهم وربما يبدأون البحث عن شركاء آخرين كالصين لمواجهة التهديد الإيراني..»
لا توحي المواقف الصادرة عن جهات أمنية ودبلوماسية أميركية أنّ الإدارة قد استوعبت حجم التحوّلات التي حصلت في المنطقة لا سيما في دول الخليج ومصر والأردن، وكذلك في تركيا. لقد حول الإضطراب - الذي أحدثه التدخّل الأميركي العشوائي - المنطقة إلى أرض متحركّة عصيّة على سيطرة واشنطن، في حين اكتسبت دول المنطقة القدرة على التعامل مع التّحديات والتأقلم معها. الدروس والخبرات المتراكمة التي استقتها دول الخليج من الحرب اليمنية سواء في الميدان ومن خلال الإعتداءات المتكررة على جنوب المملكة ودولة الإمارات أو جراء الإنحياز الدولي الواضح لصالح حلفاء طهران قد غدت عاملاً أساسياً تبنى عليه منهجية التعامل مع واشنطن ومع المجتمع الدولي.
لا شك أنّ إرث بايدن السيء في التعامل مع الملفات الإقليمية سيقيّد مناورته خلال الإجتماعات المرتقبة وسيضعه في موقع المواجهة. لن تُجدي محاولات بايدن في دفع الإجتماعات نحو مناقشة تحالف إقليمي ضد إيران وحث دول الخليج على دمج جميع أنظمة دفاعها الجوي والصاروخي ضد الهجمات الإيرانية، وتزيين ذلك بموافقة المشرعين الأمريكيين من كليّ الحزبين على هذه الخطوة . لقد أعرب نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان خلال زيارة لواشنطن في وقت سابق من هذا الشهر عن مخاوفه من أنّ الولايات المتّحدة لم تضع حتى الآن استراتيجية شاملة للتعامل مع الطموحات النووية الإيرانية وترسانة الصواريخ الباليستية ودعم الجماعات الإقليمية المتشدّدة، كما أنّ الإدارة الأميركية لم تُطلع حلفاءها على «الخطة ب» المحتملة إذا فشلت المحادثات النووية.
تريد دول الخليج أن تشعر بأنّ واشنطن تقف إلى جانبها، وقد تتعدّد المقاربات الأميركية خلال الإجتماع بدول مجلس التعاون الخليجي للخروج بنتائج تُضفي بعض النجاح على القمّة المرتقبة. ولكن استعادة واشنطن لحلفائها تتوقف على قدرتها في التوصّل إلى خطة قابلة للتطبيق في موضوع واحد سيهيمن على النقاش مع بايدن وهو «تقييد إيران».