وداعاً لقطاع الإنترنت والاتّصالات الخاص وأهلًا وسهلًا باحتكار الدولة اللبنانية!
كتب فؤاد زمكحل في "الجمهورية": يتم التداول مؤخرا في كواليس القطاع الخاص، وتحديدا بين الشركات الخاصة لنقل المعلومات وخدمات الإنترنت، أن المرسوم الجديد للاتصالات يُنهي القطاع الخاص اللبناني، أو ما تبقّى منه... وتشير معلومات موثوقة في السياق نفسه، ان مجلس شورى الدولة لديه ملاحظات عديدة على هذا المرسوم. الا ان الشركات تتخوف اليوم من ان يتم تبنّي هذا المرسوم بصيغته الحالية، في ظلّ الفوضى المعروفة بسبب الأزمة، وعلى الرغم من ملاحظات القطاع الخاص الخطية والجوهرية عليه، والتي ابدتها الشركات المرخّصة. علينا اذًا توضيح بعض جوانب هذا المرسوم وخطورته الكبرى اذا تمّ تبنيه، ورفع الصوت نحو المعنيين في القطاعين العام والخاص للتحرك الطارئ وتفادي أزمة لبنانية اضافية.
ينصّ هذا المرسوم المقترح أولا على زيادة التعرفة، حيث تمّ ضرب كلفة القطاع الخاص بأربعة أضعاف، اما سعر المبيع فزاد ضعفين ونصف فقط، مما يجعل الكلفة أعلى من المداخيل ويؤدّي الى تردّي الخدمة أو حتى الى خطر الإقفال. الا ان الضرر الأساسي الذي قد يلحقه هذا المرسوم بالقطاع الخاص، يكمن في ما يرد في متنه عن تعديل التراخيص التي استحصل عليها عدد من الشركات الخاصة منذ التسعينيات، بموجب مراسيم صادرة عن مجلس الوزراء تتجدد سنويا الى حين تطبيق قانون الاتصالات ٤٣١، الذي يراعي كيفية التعاطي بهذه المراسيم عند تنفيذ القانون المذكور.
فخلافًا لكل الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء، كما وخلافًا للقانون 431 الذي يرعى عمل قطاع الاتصالات، يخفي هذا المرسوم عيبا اساسيا الا وهو قرار الدولة بوضع يدها على كلّ الاستثمارات والشبكات التي قام بها القطاع الخاص لسنوات. والجدير ذكره، أن قيمة هذه الاستثمارات هي عشرات ملايين الدولارات لإمدادات شبكات الالياف الضوئية أو Fiber Optics، وعكس كل منطق وتحت حجة تأمين مداخيل للخزينة، ستعمد الدولة متلطّية بهذا المرسوم الى وضع يدها على كافة هذه الاستثمارات الخاصة ومصادرتها بطريقة اقل ما يقال فيها انها غير شرعية ومنافية للمنطق. واللافت في هذا الامر ان القانون 431 ينصّ على أنّ الشركات التي قد قامت بالاستثمار، تقرر بالشراكة مع الهيئة الناظمة للقطاع كيفية استخدام هذه الاستثمارات. بناء عليه، كيف تُصادر الدولة استثمارات الشركات الخاصة بشخطة قلم؟ وأي رسالة يرسلها لبنان إلى المستثمرين الأجانب، وهو اليوم بأمسّ الحاجة إلى أي مصدر استثماري خارجي يعيد النبض الى جسد اقتصادي ميت؟ وهل من الممكن ان يستثمر احد في بلد يعرف ان استثماره فيه يُمكن ان تتمّ مصادرته في ليلة ظلماء، دون حسيب او رقيب؟ وعلى اي اساس تعمد الدولة الى تأميم قطاع ناجح يؤمن أفضل الخدمات، ووضعه تحت ادارتها المباشرة، فهل مثلا بناء على خبرة الدولة في قطاع الكهرباء؟ واين دور مجلس النواب في هذا؟ وكيف تتحول وزارة الى سلطة تشريعية؟ وهل من الممكن فتح باب للتشريع “غبّ الطلب”، دون العودة الى مجلس النواب؟
ثانيا واضافة الى النقطة الأولى، يحمل هذا المرسوم "قنبلة متفجّرة" أخرى الى القطاع الخاص، الا وهي إعطاء غطاء شرعي بالكامل لقطاع الاتصالات غير الشرعي، ومن دون ضوابط أو مراقبة أمنية. الشركات الخاصّة التي عانت لسنوات من التفلّت الذي أفضى الى الوضع القائم حاليا ووجود حوالي 800,000 مشترك في القطاع غير الشرعي، لا مشكلة لديها لا بل هي تطالب بضبط الوضع. ولكنّ السؤال هو لماذا لم يُضبط السّوق سابقا، و لِمَ العمل بهذه الطّريقة؟ اضافة الى ما تقدّم، فإنّ الدولة اللبنانية تعطي هؤلاء المحظيين الخارجين عن القانون من الآن وصاعدًا، نسبة تصل الى حدود 60% من كل المداخيل، بحجة صرفها على صيانة الشبكات لمدة 3 سنوات. مفارقة رائعة ورسالة واضحة: تُصادر الدولة استثمارات القطاع الخاص وتعفيه من مردود شرعي من جهة، وتشجّع القطاع غير الشرعي معفية اياه من ماضيه ومن جرائمه مُشرّعة مداخيله غير الشرعية من جهة اخرى… هل هذا مخطّط ممنهج مخفيّ لتدمير ما تبقّى من القطاع الخاص والمُبادرة الحرّة والريادة؟ الا تُدرك الدولة انّ القطاع الخاص، المُحترم للقوانين والدّافع للضرائب، هو العمود الفقري للاقتصاد اللبناني وللنّموّ؟
ثالثا، وفي نفس السياق، هل باستطاعة وزارة الاتصالات ان تضبط الشبكات غير الشرعية على كافة الأراضي اللبنانية؟ وهل لديها الامكانيات البشرية والفنية والتقنية والمالية لتنفيذ هكذا مهمة وتحمّل مسؤوليات اضافية في ظل ؟ واذا كان هذا الأمر ممكنا، فلماذا اذا لم تقم بذلك سابقا؟ أخيرا وفي هذه الحالة، أين الخيارات المُتاحة للمستهلك اللبناني، وأين التنافسية؟…
يُخفي هذا المرسوم بشكل قاطعٍ لا يقبل الشكّ مخاطر عديدة وكبيرة جدا. وهو يشكّل هرطقة منطقيّة وقانونيّة واقتصاديّة. وعلى كلّ حال، فإنّ القطاع الخاص لن يقف متفرّجا على هذا المُعطى الخطير، وسوف يقوم بالتأكيد اذا حصل هذا الأمر بمقاضاة الدولة اللبنانية أمام أعلى السّلطات القضائية. وهو أمر سيفضي الى خسارة حتميّة للدولة التي وللاسف تتصرّف في هذا الموضوع بطريقة فوضوية دون المرور بالمؤسسات المرعية. لذلك ندعو القيّمين والمسؤولين، رأفة بما تبقّى، الى فعل ما ينبغي بأسرع وقت ممكن، لتجنيبنا ازمة اضافية نحن بغنى كامل عنها.