الانتفاضة المقبلة بقيادة الراعي؟
كتب خالد البوّاب في "أساس ميديا":
إنها دعوة إلى ثورة ثالثة. وإلا فما هي "الانتفاضة" التي دعا إليها البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظته الأحد الماضي؟
بعد أقلّ من شهر على الانتخابات النيابية، خرج "المسيحي الأوّل دائماً"، من على منبر بكركي، ليدعو اللبنانيين إلى "انتفاضة شعبية مصحّحة" للوصول إلى "تغيير وطني وخطة تعافٍ لمصلحة البلد". على اعتبار أنّ "جميع اللبنانيين يعيشون نتائج الانهيار على كلّ الصعد، وينبغي إيجاد حلّ له والنهوض منه".
وتابع الراعي عظته قائلاً: "الحكّام اقترفوا المعصيات، وقوى الأمر الواقع انقلبت على هويّة لبنان ودستوره ورهنت الأرض والشعب والدولة بمشاريع خارجية، وقوى المعارضة استرسلت في خلافاتها اليوميّة على حساب القضايا الوطنية ولم تبادر إلى الاتفاق".
هذا ليس تفصيلاً. فيه عتب كبير على الجهات الثورية التي نجحت بالوصول إلى مجلس النواب، لكن يبدو أنّ الراعي يدعو إلى التكاتف فيما بينها وبين القوى السيادية. ويبدو أنّ ما أفرزته الانتخابات لم يكن كافياً بالنسبة إلى الراعي، لـ"إيجاد حلّ للانهيار والنهوض منه".
يتقاطع كلام الراعي مع كلام كثير من النشطاء في الثورة، في ما يتعلّق بضرورة تصحيح المسار، ولا سيّما في ظلّ وجود عتب كبير وملاحظات كثيرة على أداء بعض نواب الثورة، وسط اتصالات ولقاءات تُعقَد بين نشطاء أساسيين يعتبرون أنّه لا بدّ من مواكبة مرحلة نهاية العهد واستمرار الانهيار بتحرّكات شعبية ضاغطة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بشكل سريع ولفرض البحث عن حلول مع المجتمع الدولي للأزمة الماليّة الخانقة ولوقف مسار الانهيار.
أيّ تحرّك شعبيّ قابل للانفجار في المرحلة المقبلة سيكون هدفه الضغط على القوى التي وصفها الراعي بـ"قوى الأمر الواقع". وسيكون من شأنه فرض قواعد جديدة في اختيار الرئيس وفي وضع لبنان على سكّة الاهتمام الدولي.
ولا تزال مواقف البطريرك وثوابت بكركي على حالها. إذ تشير مصادر كنسية لـ"أساس" إلى أنّه سيكثّف من تحرّكاته من الآن حتى موعد الانتخابات الرئاسية للوصول إلى صيغة حلّ لا تقوم على مبدأ الرئيس القويّ الذي تكرَّس في انتخابات عام 2016، بل تكرِّس مفهوم أنّ الرئيس القويّ يكون قويّاً بعلاقاته مع مختلف المكوّنات الداخلية وفي علاقاته الدولية.
موقع بكركي من انتخاب الرئيس
لدى اقتراب موعد انتهاء أيّ ولاية رئاسية في لبنان، تتركّز الأنظار على مواقف البطريركية المارونية وما تشير إليه رمزياً ومعنوياً في مقاربة الاستحقاق الرئاسي المقبل.
تكتسب مواقف الراعي في هذه المرحلة أهمّيّة استثنائية نظراً إلى الظروف التي يمرّ بها لبنان، ولأنّه يتّخذ مواقف متقدّمة لم يحِد عنها منذ فترة طويلة، تتّضح فيها معارضته للسلوك الذي ينتهجه رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه في مختلف القطاعات والمؤسّسات.
انطوت مواقف الراعي على أهميّة استثنائية لدى اندلاع ثورة 17 تشرين، وبعدها. وهي مواقف تتعارض كلّها مع توجّهات عون وحزب الله، وصولاً إلى ما بعد تفجير مرفأ بيروت وطرح معادلة الحياد وعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان.
لا يبدو أنّ الراعي قد تراجع عن مواقفه أو مشروعه الواضح، إذ يستمرّ بالتمسّك بالشروط التي يراها مناسبة لخروج لبنان من أزماته، وهي تتجلّى في مجموعة نقاط:
- أوّلاً، الاستمرار بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان لحلّ مختلف الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والماليّة.
- ثانياً، تكريس مبدأ حياد لبنان باعتراف دولي ورعاية واضحة، فلا يعود ساحة تجاذب ولا محسوباً على أحد المحاور.
- ثالثاً، الحفاظ على العلاقات اللبنانية مع المجتمع الدولي والدول العربية، ولا سيّما دول الخليج العربي.
- رابعاً، الالتزام بتطبيق اتفاق الطائف كاملاً بدلاً من التطبيق المزيّف له، وبالتالي الحرص على المناصفة والتوازن.
- خامساً، رفض سياسة التشفّي والشخصانيّة التي يتّبعها رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه مع مسؤولين في غالبيّة مؤسسات الدولة، ولا سيّما في القضاء والمصرف المركزي وقيادة الجيش.
- سادساً، دعم الجيش اللبناني إلى أقصى الحدود ورفض محاولات رفع الخطوط الحمراء أمامه، ولا سيّما بعد العمليات التي قام بها لملاحقة تجّار ومهرّبي المخدّرات في البقاع.
- سابعاً، التركيز على الالتزام بالدستور لجهة تكليف شخصية برئاسة الحكومة وعدم تأجيل الاستشارات النيابية.
- ثامناً، تأكيد الراعي في أكثر من محطّة ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الموعد المحدّد حتى لا ندخل مرحلة من الفراغ، على أن يكون الرئيس الجديد متوازناً في مواقفه، قادراً على إخراج لبنان من سياسة المحاور، وأن ينجح في إعادة نسج علاقات لبنان العربية والدولية، ويسعى إلى استعادة التوازن على الساحة الوطنية.
- تاسعاً، الالتزام بمندرجات وثيقة الأخوّة الإنسانية التي وقّعها في دولة الإمارات البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب، والتي تركّز على التعايش الإسلامي المسيحي ورفض الهجرة أو التقسيم أو الفدرالية، وعلى اندماج المسيحيين في مجتمعاتهم.