الجلسة الخامسة من "مفاوضات بغداد" كانت للبنان والسادسة لليمن
كتب جورج شاهين في الجمهورية: ادّى انشغال اللبنانيين بالانتخابات النيابية الى إغفال ما يجري في المنطقة ورصد التطورات، ولا سيما منها المتصلة بالجلسة الخامسة من المفاوضات الإيرانية ـ السعودية التي استؤنفت في بغداد. ولكن، مصادر ديبلوماسية تابعت هذه الجولة، أكّدت انّ ملف لبنان كان حاضراً فيها، بانتظار ان يحضر الملف اليمني في الجلسة المقبلة، استباقاً لمرحلة استعادة التمثيل الديبلوماسي بينهما. وعليه، ما هي المعلومات التي توحي بهذه التطورات الإيجابية؟
على عكس المعلومات التي تسرّبت عن وقائع الجولة الخامسة من المفاوضات الايرانية ـ السعودية التي عُقدت في بغداد السبت الماضي، فقد تحدثت تقارير ديبلوماسية وردت الى بيروت، عن انّ الملف اللبناني كان حاضراً بقوة في متنها، وهي التي جرت على مستوى المسؤولين الكبار في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ورئيس وكالة الاستخبارات السعودية. فالجولة التي نجح رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، ومعه الديبلوماسية العمانية، في تحديد موعدها الأخير، جاءت بعد استحالة عقدها كما تمّ الإتفاق سابقاً بين الجانبين السبت في 12 آذار الماضي، وعلّقت ايران مشاركتها فيها لتزامنها مع الإعلان عن تنفيذ حكم الإعدام في المملكة العربية السعودية بحق 81 محكوماً بتهمة الإخلال بالأمن العام والتسبب بمقتل مواطنين سعوديين في اكثر من منطقة، ومن بينهم نحو 42 شيعياً من بينهم حوثيون يمنيون ومن جنسيات سعودية وخليجية مختلفة.
وعليه، كانت الحاجة ماسّة الى تحديد الموعد البديل بعد استيعاب ردّات الفعل التي أعقبت «استحقاق السبت» الذي اشعل ردّات فعل مختلفة في لبنان والسعودية والبحرين واليمن عدا عن طهران، وكان لا بدّ من تجديد المساعي التي بذلها مسؤولون عراقيون كلّفهم الكاظمي ترتيب موعد الجلسة الخامسة بعدما طال انتظارها منذ الجلسة الرابعة التي انعقدت في بغداد في 20 أيلول الماضي. وقد شكّل تحديد موعدها انجازاً عراقياً إضافياً أعقب نتائج القمة التي استضافتها بغداد في نهاية تموز الماضي في حضور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وممثلين على مستوى رؤساء حكومات ووزراء الخارجية من دول الجوار العراقي ومن بينها من يمثل السعودية وايران.
وعليه، وعلى الرغم من مجموعة المعوقات التي حالت دون استمرار المفاوضات بنحو دوري ومنتظم، فقد تعدّدت الاختبارات التي خضع لها الطرفان. فالهجمات المتتالية التي أعقبت الهجوم الأول لمنشآت شركة «أرامكو» النفطية في منطقة ابقيق في 19 أيلول العام 2019 بالطائرات المسيّرة والصواريخ المجنحة الإيرانية، كما تلك التي تسببت بها صواريخ مطار أبوظبي في 18 كانون الثاني مطلع العام الجاري، والتي لم تكن متوقعة إلّا بعد سقوط الخطط التي قادها الحوثيون للسيطرة على مأرب في اليمن والتي بدأت في تموز العام 2021 بهدف السيطرة على ما تحويه من المنشآت النفطية والصناعية فيها. وتُضاف اليها العمليات العسكرية التي قادت الى «تحرير» محيط مدينة الحديدة ومينائها الذي يُعتبر الشريان الوحيد للحوثيين على البحر الأحمر، من القوات التي تدعم السلطة اليمنية الشرعية في عدن. وعلى الرغم من ضخامة هذه الأحداث، فقد نجح الكاظمي ومعه مسؤولون من سلطنة عمان والاردن، في ترتيب اكثر من لقاء على مستوى الخبراء والمسؤولين الأمنيين الكبار في مسقط وعمان، قبل ان يرتقي تمثيل الدولتين الى المستوى المخابراتي القيادي في اللقاء الأخير السبت الماضي.
واستناداً الى هذه التطورات، وما تعنيه من نجاحات وإخفاقات متفاوتة بالنسبة الى طرفي المفاوضات ورعاتها، فقد كشفت تقارير ديبلوماسية رُفعت في الايام القليلة الماضية الى المسؤولين اللبنانيين، انّ الجلسة الخامسة كانت من أهم الجلسات التي عُقدت حتى اليوم بالنسبة الى لبنان، ويمكن البناء عليها على أكثر من مستوى، لاستئناف البحث في ملفات شائكة، بمعزل عمّا فرمل المفاوضات الجارية في فيينا حول الملف النووي الإيراني حتى اليوم. وبات في إمكان البلدين التفاهم على كثير من النقاط التي تؤدي الى التخفيف من حدة التوتر بينهما في أكثر من منطقة، وخصوصاً في اليمن ودول الخليج كما في لبنان.
واستندت هذه التقارير الى سلة معطيات إيجابية بدأ الجانبان بترجمتها قبل اللقاء الاخير، بحيث شكّلت امتحاناً ايجابياً مسبقاً لنيات الطرفين، انعكس على أجواء الاجتماع وسمح ببناء مزيد من خطوات «إحياء الثقة» بينهما في المستقبل. فالتفاهم على وقف النار الثابت في اليمن منذ 5 نيسان الجاري شكّل أول الغيث وأبرز الإنجازات تحضيراً لبدء الخطوات الضرورية التي تسمح بالحوار بين الشمال اليمني وجنوبه، أي بين النظام اليمني والحوثيين، على قاعدة التفاهمات التي طرحتها الرياض في وقت سابق من العام الماضي لإعادة تكوين السلطة. وعلى ضوء الضمانات الايرانية للاتفاق، ردّت الرياض من عدن بعد يومين بتشكيل «المجلس القيادي الرئاسي» في السابع من الشهر الجاري، الذي نقلت إليه في ساعات قليلة وبطريقة «مسلوقة» سلطات الرئيس عبد الهادي منصور الذي استقال لتسهيل المفاوضات بين الجانبين. وكانت لافتة المشاركة الديبلوماسية العربية والغربية في ذلك الاحتفال المختصر من دون اعلان مسبق، وهو ما ادّى الى إلغاء الاحتفالات الكبرى التي كانت تحضّر لها الرياض في عدن في اليوم التالي من عملية التسليم والتسلّم.
وبالعودة الى ما جرى في الجولة الخامسة، فقد ذكرت التقارير الديبلوماسية، انّ ملف لبنان كان حاضراً بقوة فيها واحتل مساحة واسعة، استعرض خلالها رئيسا الوفدين، الجديد في مجريات الأزمة اللبنانية بكثير من التفاصيل، في اعتبار انّ ملف لبنان كان من صلب مهمّات رئيس الوفد السعودي. وقد استغل رئيس الوفد الايراني المناسبة ليشيد بالخطوة السعودية والخليجية التي أحيت حضورهم الديبلوماسي في لبنان، وبالمبادرة التي اتُخذت لإطلاق برامج المساعدات الفرنسية ـ السعودية. لافتاً الى انّ لبنان يستحق رعاية الطرفين في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها.
كما تمّ التفاهم في اللقاء على انّ تُخصّص الجلسة السادسة من هذه المفاوضات للملف اليمني، على ان يُحدّد موعدها فور اكتمال استعدادات الطرفين وجهوزيتهما للمفاوضات المباشرة. وستكون مناسبة لتقويم نتائج الجهود المشتركة، بعدما تعهّدت ايران للمرة الاولى بأن تلعب دوراً في تهيئة الساحة الحوثية للتفاهمات المقبلة مع السلطة اليمنية، وهو أمر لم تُقدم عليه طهران يوماً منذ اندلاع الحرب في اليمن.
وبعيداً مما قد تأتي به التطورات المقبلة، لا بدّ من الإشارة الى انّ التفاهم تمّ على رفع مستوى المفاوضات في الجلسة المقبلة، لتكون على مستوى وزيري الخارجية الايرانية والسعودية، والإستعداد لدى الطرفين لتحديد موعد إحياء العلاقات الديبلوماسية بينهما، لتعود قنوات التواصل مكتملة بينهما. وإلى تلك اللحظة، ما على اللبنانيين سوى رصد ترددات هذا التفاهم على الساحة اللبنانية، وأداء «حزب الله» تجاه دول الخليج، خصوصاً قبل توقّع ما يمكن ان يعكسه الاتفاق النهائي بينهما من انفراجات متوقعة قد تبدأ بالظهور بعد الانتخابات النيابية وتكريسها في العهد الرئاسي الجديد.