الرئاسة كجزء من الإستقرار المالي والإقتصادي...لا فرصة متاحة لباسيل
لا تنزلق بعثات ديبلوماسية معتمدة في بيروت إلى أي استدراج يتصل بموضوع الرئاسة اللبنانية المقبلة في ظل تركيز أكثر إلحاحاً راهناً يتصل أولاً بإنجاز الانتخابات النيابية بشفافية ونزاهة تحت لجنة أوروبية لمراقبة الانتخابات، ومن ثم بالعمل على إنجاز ما يمكن من خطوات من أجل الإبقاء على الاستقرار في لبنان، لا الأمني فحسب بل المالي والاقتصادي، لئلا ينحدر أكثر بعد الانتخابات وزمن الإغراءات الحزبية والسياسية للناخبين. لا بل إن سريان بعض الشائعات فيما يتصل بالمرشحين المحتملين على غرار ما سرى بالنسبة إلى زيارة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لقصر الإليزيه في باريس في أثناء زيارته الاخيرة لها، لا يقع في المكان الصحيح ولا يتسم بالدقة لأن الزيارة لم تحصل.
يدرك رؤساء البعثات ان الانتخابات النيابية تضمر أيضاً الصراع والتنافس على الرئاسة الاولى كذلك في الوقت نفسه، ولكن لا خوض علنياً في هذا الموضوع باستثناء مقاربة ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها في متابعة حثيثة لاستكمال الضغط الذي أسفر وسيسفر عن إجراء الانتخابات النيابية على قاعدة أن بعض الدول المهتمة وفي مقدّمها فرنسا لن تترك لبنان وستستمر في وضع مسؤوليه أمام مسؤولياتهم. هذا الموقف يدحض ضمناً السيناريوهات المحتملة عن فرض فراغ رئاسي في تكرار لتجربة 2014 التي لم تنته إلا بعد فرض "حزب الله" مرشحه أي العماد ميشال عون أو تكرار الأخير تجربة 1989 حين رفض ترك القصر الجمهوري ما لم ينتخب هو رئيساً للجمهورية، فيما سيناريو بقائه مرتبط بمحاولته تأمين انتخاب صهره بديلاً منه.
ولكن ديبلوماسيين مراقبين لا يرون هذا السيناريو محتملاً مهما يكن المسعى الذي سيحاول عبره رئيس الجمهورية تحسين أوراق وريثه السياسي وتعزيز وضعه في العهد الجديد لا سيما في ظل إدراكه أن لا فرصة متاحة لوريثه بسبب العقوبات الاميركية المتصلة بالفساد على رغم مساعي عون لرمي تبعة الفساد على كل الآخرين خارج تياره ولكن أكثر بعدم إمكان قبوله من الداخل كما من الخارج العربي والدولي بمعزل عن العقوبات. فـ"حزب الله" حليفه الذي رمى عون كرة التعطيل في موضوع التحقيق في انفجار المرفأ في خانة الثنائي الشيعي الذي تحالف معه تياره من أجل الفوز في الانتخابات النيابية، لا يستطيع أن يسهم في انتخاب رئيس يحمله هو ولا يستطيع الدفاع عنه بدلاً من أن يغطيه الرئيس كما فعل عون المستند إلى إرث سياسي وعسكري وشعبي طويل قبل أن يتبدّد في الأعوام الأخيرة.
يقول هؤلاء الديبلوماسيون إن الهمّ الذي يثقل لجهة ضمان استقرار لبنان على الاقل في ظلّ ما وصل إليه يشكل تحدياً كبيراً في ظل المخاوف من أن عدم إنجاز إجراءات إصلاحية تتناسب ومطالب صندوق النقد الدولي، فان انزلاق لبنان قد يثقل بقوة أكبر على القوى التي ستحوز الاكثرية، بما يعني أنها على عكس ما اعتمدته في الاعوام الماضية في أثناء ممارستها السلطة فإن البلد قد يتدهور بسرعة إن لم توجّه الرسائل الصحيحة في الوقت المناسب وفي الاتجاه المناسب. وشخص رئيس الجمهورية المقبل يفترض أن يكون من ضمن ما يوحي ويضمن استقرار لبنان اقتصادياً ومالياً لا أمنياً فحسب، ويعطي أملاً بإمكان قيام البلد والحصول على ثقة الداخل والخارج.
ويجزم هؤلاء بأن الكلام عن فتح بازار مع إيران يتناول لبنان ليس في محله ويندرج في خانة الحروب السياسية في لبنان أكثر من أي أمر آخر على غرار ما سرى لجهة "بيع" فرنسا لبنان لإيران على أثر التواصل الذي أجراه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الوفود المشاركة في قمة بغداد للأمن الاقليمي التي كان ماكرون الرئيس الغربي الوحيد فيها، إذ إن إيران كانت ولا تزال تدور همومها حول الملف النووي بعيداً عن أي اهتمام عملاني بالموضوع اللبناني الذي كان في المقابل موضوع أحاديث جانبية مع الدول الخليجية والعربية. ولذلك انتقل الكلام إلى "بيع" ماكرون لبنان للمملكة السعودية كما لو أن الرئيس الفرنسي يملك لبنان لبيعه في هذا الاتجاه أو ذاك، فيما يتفق كثر على أن عدم ممارسة السلطة سلطتها وفرض سيادتها يجعلها أقرب إلى الاستسلام أو التسليم بأن يكون لبنان ورقة للبيع أو الشراء أو المساومة في سوق التداول الاقليمي المفتوح راهناً على جبهات متعدّدة من بينها الحوار القائم بين المملكة السعودية وإيران.
والقدرة على إبقاء لبنان متماسكاً بالحد الأدنى بمعنى تنفيذه إجراءات تسمح له بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي كان الاتفاق معه سابقاً أسهل بكثير على اللبنانيين من الوقت الحالي أو لاحقاً، إذ إن الصندوق كان قد فرض خفضاً حتمياً للعملة المحلية على مصر بنسبة 35 في المئة فيما خسر اللبنانيون أكثر من 90 في المئة من عملتهم ومن دون إجراءات الصندوق، تتصل حكماً بانتخاب رئيس للجمهورية في الدرجة الاولى لأن الانهيار نتيجة الفراغ سيتحمّله من يمنع ذلك ولا يمكن لأي دولة القبول بذلك في تكرار للسيناريوهات السابقة مهما تكن. ومن ثم انتخاب رئيس يحظى بقبول اللبنانيين وثقتهم بعيداً ممّا ستفرزه الانتخابات النيابية التي بات الجميع يقر بأنها لن تأتي بجديد مهم نظراً لقانون انتخابي مفصّل على قياس الأحزاب والقوى السياسية التي صاغته.
فحتى الان وإن لم يكن لبنان جزءاً أو أولوية من اهتمام عربي أو غربي في أي شكل من الاشكال نظراً لتزاحم الاولويات والمشاغل الدولية، فإن انتخابات الرئاسة توازي إجراءات الإصلاح لئلا يتحمّل أي فريق مسؤولية سعر لصرف العملة يتخطى الخيال ولا يقف عند الحدود التي وصل إليها قبل أشهر قليلة، ولا كل تداعيات ذلك التي ستكون خطيرة جداً على الجميع. وفي هذا الإطار يعتقد هؤلاء الديبلوماسيون أن "حزب الله" ليس انتحارياً ويتمتع بالذكاء الكافي لتقدير ما يجب القيام به وما الذي يستطيع المساومة عليه وما لا يستطيعه. وهذا عدا عن أن تجربة الابتزاز بين 2014 و2016 لن تتكرر إذ سيترك للحزب تحمّل مسؤولية ما يدفع إليه لبنان وستتهاوى أسهم مرشحين إلى درجة غير مسبوقة.
النهار - روزانا بومنصف