الأسد عندما كان مستعدا لـ"يبيع" نصرالله لإسرائيل!
كتب احمد عياش في "النهار":
عندما يكون هناك كتاب يوثّق مواقف الرئيس السوري بشار الأسد من عقد إتفاق سلام مع إسرائيل، لا بد من الرد عليه ، بمثله ، أي كتاب موثق. وإلا، فإن كل كلام آخر لا يمكن الوثوق به. هذا هو الحال اليوم، مع الكتاب الذي أصدره أخيرا "المعهد الأميركي للسلام" في واشنطن، وحمل عنوان "بلوغ المرتفعات: قصة محاولة سرية لعقد سلام سوري – إسرائيلي" ، للمبعوث الأميركي السابق فريد هوف.
صحيح ان الكتاب يتناول مرحلة تمتد بين نيسان 2009 ومنتصف آذار 2011، أبان عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إلا ان ما ورد بين دفتيّه يعطي فكرة واضحة كيف تعامل رئيس النظام السوري مع محاولة أميركية لإبرام معاهدة سلام مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو .
ومما ورد في الكتاب الذي نشرت بعضه صحيفة "الشرق الأوسط ،" في 27 شباط 2011، وصل هوف إلى دمشق للقاء الأسد، حيث تحدث المبعوث الأميركي عن اهتمامه بتحقيق "سلام سوري - إسرائيلي وبناء علاقة رسمية ودية بين دمشق وواشنطن، يتجلى من خلالها دفء علاقات الصداقة التي تربط بين الشعبين". وقد رد الأسد بشكل إيجابي...تحول انتباه الأسد بعد ذلك نحو اللغة الخاصة بـ"حزب الله"، حيث أشار إلى أن "الجميع سيفاجأون بالسرعة التي سوف يلتزم بها حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، بالقواعد بمجرد إعلان كل من سوريا وإسرائيل التوصل إلى اتفاق سلام"، حسب هوف. وزاد :"أجبته بقولي إنني سأكون من بين الأشخاص الأكثر تفاجؤاً، وسألت الرئيس كيف ستكون لديه تلك القناعة بالنظر إلى ولاء نصر الله لإيران و(للثورة الإسلامية) الإيرانية. بدأ الأسد بإيضاح أن نصر الله عربي لا فارسي، وأشار إلى ضرورة أن تكون سوريا ولبنان ضمن مسار عملية السلام العربي – الإسرائيلي؛ إذ يعتمد المسار اللبناني على سوريا، وقد أخبر ميشال سليمان، الرئيس اللبناني، بضرورة تجهيز فريق مفاوض مع اعتزام سوريا المضي قدماً في حال تعاون إسرائيل. لقد أكّد لي أنه في حال توصل سوريا إلى سلام مع إسرائيل، لن يتمكن نصر الله من الحفاظ على منصبه الحالي كزعيم للمقاومة. كما وصف الأسد حزب الله ، بأنه الحزب السياسي اللبناني الوحيد الحقيقي، مشيراً إلى أنه ممثل أكبر جماعة طائفية في لبنان وهي الشيعة، وهي مؤسسة قدرها هو الاضطلاع بدور قيادي في السياسة اللبنانية الداخلية".
هذا بعض ما ورد في الكتاب، الذي يوثق أيضا إعلان الأسد ان مزارع شبعا تعود لسوريا وليس للبنان. لكن يبقي الأهم ، هو ان الأسد تعامل "حزب الله" وزعيمه نصرالله كورقة قابلة للبيع والشراء عندما يحين أوان المقايضة مع إسرائيل. وتشاء الصدف، وقبل نشر ما ورد في كتاب هوف، ان مسؤولا لبنانيا سابقا، كان يروي قصة بدء العلاقة بين نصرالله وبين دمشق أيام الرئيس السابق حافظ الأسد. يقول هذا المسؤول انه إستقبل مبعوثا من الأمين العام الجديد ل"حزب الله" الذي حل مكان الأمين العام السابق السيد عباس الموسوي الذي إغتالته إسرائيل في 16 شباط 1992، كي يرتب له موعدا في دمشق كي يبدأ علاقة مباشرة بينه وبين القيادة السورية. والأمين العام الجديد للحزب ، كان ولا يزال منذ عام 1992 ، هو نصرالله. وخلال التمهيد للقاء الأول بين وبين احد المسؤولين السوريين ، عرض المسؤول اللبناني على مبعوث الأمين العام مقترحا ان يلتقي الأخير احدا من المسؤولين السوريين الأربعة ، وهم: اللواء حكمت الشهابي، نائب الرئيس عبد الحليم خدام، اللواء غازي كنعان واللواء علي دوبا. وعاد مبعوث نصرالله بقرار اللقاء مع الشهابي ، وهذا ما حصل عام 1992، ومن بعد اللقاء مع الشهابي ، إستقبل الأسد الاب نصرالله.
أين نحن اليوم؟ من المؤكد ان سوريا لم تعد سوريا التي كتب عنها المبعوث الأميركي السابق هوف. كما ان الأسد قبل 11 عاما ، لم يعد هو نفسه اليوم، والذي صار حاكما على جزء من سوريا بفضل الترسانة الروسية والدعم الإيراني . لكن نصرالله ، يحاول رواية التاريخ، خارج سياق ما ورد في كتاب هوف وغيرها من الكتب المهمة ، وفي مقدمها كتاب عبد الحليم خدام "التحالف السوري الإيراني والمنطقة." وفي آخر إطلالة للامين العام للحزب ، سأل نصرالله:"من الذي فتح الباب وأدار حرب كونية على بلد عربي أسمه سوريا؟ أو الذي وقف إلى جانب سوريا في مواجهة هذه الحرب الكونية؟" وغمز في سياق الكلام من قناة السعودية ودول عربية أخرى.
أغلب الظن، أن نصرالله، يعلم ان البيع والشراء لا يتوقف في سوريا، بدليل التفاهم بين إسرائيل وروسيا على مشروعية الغارات الإسرائيلية على مواقع الحرس الثوري الإيراني والحزب في سوريا. ومن المفيد، ان يقرأ الكتاب الأميركي الجديد، كي تكون هناك عبرة ، إذا كانت هناك إرادة للاعتبار.