لماذا أعلن "السيّد" الحرب على الجيش؟
كتب قاسم يوسف في "اساس ميديا":
ليس في الأمر التباسٌ أو تخمينٌ أو مواربة. وليس فيه أيضاً أيّ حدّ من حدود المسؤولية الوطنية. هذا هو الانطباع الناجز حول آخر إطلالات الأمين العامّ لحزب الله، وهذه هي خلاصة الاستنتاجات كلّها، سطحيّة كانت أم عميقة، لأيّ قارئ أو ناظر أو متابع أو مخبول أو أرعن. فالصورة واضحة وضوح الشمس. وهي تكتنز في شكلها كلّ حيثيّات الاستفزاز بتفاصليه وتضاريسه القصوى. وتنطوي في مضامينها على ما يفوق التمايز أو الخلاف أو الاشتباك، وتتخطّاه إلى الاعتداء الموصوف، ليس على دول أو شعوب أو كرامات فحسب، بل حتى على وعينا وفهمنا وإدراكنا، في واحدة من أفظع محاولات الاستغباء والتدجين.
في الشكل: بدا الرجل ضيفاً في حضرة صورة عملاقة، وقد تمادى المشرفون في عملقتها حتى استحالت مناصفة بين من اعتاد أن يوزّع الاتّهامات بالتبعيّة والعمالة، وبين من يتّخذ منهم قادة وقدوة وولاية، وقد أخبرنا ذات مرّة، بل مرّات، أنّه وصحبه وحزبه يكابدون ويتشرّفون، ليس في إقامة علاقة أو شراكة أو تحالف، بل في كونهم جنوداً صغاراً تحت مظلّة الوليّ الفقيه.
إذا ابتُليتم فاستتروا. أو اصمتوا خجلاً. أو اعترفوا بأنّكم وغيركم في كبوتكم أو صحوتكم سواء. لكن إيّاكم أن تتجاسروا. أن تتحاذقوا. أن تتحاملوا على من يشاطركم التبعيّة أو الالتحاق أو الارتهان. هذا مستنقع لا مقامات فيه. ولا عفّة لأحد ولا طهارة ولا مال نظيف. كلّ من دخله صار مساوياً تماماً لقعره السحيق. واستحال بحضوره وأفكاره ومشاريعه مجرّد فجيعة جديدة تضاف إلى الفجائع التي مُني بها هذا البلد المحكوم بلعنة التاريخ ولعنة الجغرافيا وبجُلجُلة لا تنتهي من المرارات والعذابات.
ليس ثمّة تفاضل في العمالة. مهما ارتفع صوت أحدهم أو خفت. ومهما بلغ في بديعه وبيانه وحُسن لكنته ولدغته وفنّ خطابته. الأمر لا يستوي وهذه السذاجة. والحكاية ليست في القدرة على ذرّ الرماد في العيون. وعلى افتعال العواصف أو زوابع الغبار. هي زخّة مطر. زخّة مطر لا أكثر. تُشرق بعدها الشمس. ويعود الغبار إلى حيث يجب أن يكون.
لكن الأنكى والأفظع والأخطر من هذا كلّه أن يعمد الأمين العامّ لحزب الله على نحو مباشر وغير مسبوق إلى اتّهام الجيش وضبّاطه بالعمالة. تلك المؤسّسة الوحيدة التي لا تزال قادرة على احتواء الحدّ الأدنى من نواة الدولة. وتلك البقيّة الباقية بعدما هوت البلاد برمّتها في أتون الخراب الكبير. ماذا بعد؟ ماذا يريد حزب الله؟ وأيّ لبنان هو ذاك الذي سيبقى بعد شيطنة الجيش وتخريبه والتحريض عليه، بعدما فقدنا جُلّ مقوّماتنا التاريخية، وصولاً إلى ما يشبه السحق الممنهج للهويّة الوطنية، وللحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وصرنا نعيش عزلة عربية ودولية غير مسبوقة على الإطلاق؟
حزب الله فجّر علاقات لبنان بالعالم. أسّس للفراق الكبير مع العرب. ساهم على نحو ممنهج وعميق في قطع الشعرة التي طالما كانت بين الدولة وسواها، حتى صار وجهها الأوحد، وصارت مجرّد عنوان من عناوينه. ثمّ توثّب نحو الاستفزاز المدروس لدول وشعوب صديقة وشقيقة. ما لنا مثلاً وما يجري في اليمن؟ قد يتفهّم واحدنا أو يبرّر، وأنا لست منهم حتماً وقطعاً، دوره الإجرامي في سوريا، استناداً إلى الالتصاق والحدود والجغرافيا والتاريخ. لكن ما لنا واليمن؟ ولماذا هذا الإصرار الدوريّ والدائم على استفزاز دول الخليج وتهديدها، فيما نحن بأمسّ الحاجة إلى علاقات سويّة وطبيعية وطيّبة.
ودّعنا القطاع المصرفي بعد مئويّة من نجاح منقطع النظير. نودّع يوماً تلو آخر مختلف القطاعات الحيويّة التي طبعت وجه لبنان في المنطقة والعالم. وها هو الحزب يستكمل مشروعه باستهداف الجيش وشيطنته، وبالإيغال في استهداف العرب واستفزازهم والعبث بأمنهم، ثمّ يأتي ليوزّع علينا شهادات بالوطنيّة أو إدانات بالعمالة، فيما هو غارق حتى نخاعه بتفريغ لبنان وسحقه وعزله ورهنه وتركيعه خدمة لمشروع إيران الجهنّميّ.