الموقف السنّي من الانتخابات ينتظر عودة الحريري إلى بيروت
كتب محمد شقير في "الشرق الاوسط":
قال مصدر سياسي مواكب للأجواء التي سادت اللقاء الذي عُقد بدعوة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وحضره المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، ورئيسا الحكومة السابقان فؤاد السنيورة وتمّام سلام، عبر "الشرق الأوسط" إن من المبكر التعامل معه على أنه توصّل إلى رسم الخطوط العريضة التي يراد منها ترتيب الوضع داخل الطائفة السنّية على قاعدة عدم مقاطعة الانتخابات النيابية المقررة في 15 مايو (أيار) المقبل، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنه شكّل الانطلاقة الأولى لملء الفراغ الانتخابي الذي أحدثه قرار زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بعزوفه وتياره السياسي عن خوض الانتخابات النيابية من دون أن يدعو جمهوره ومحازبيه إلى مقاطعة الاقتراع.
ولفت المصدر إلى أن عزوف الحريري عن خوض الانتخابات لا يعني أنه قرر إخلاء الساحة الانتخابية لخصومه، وإلا لما ترك الحرية لنوابه من غير المنتمين إلى تيار «المستقبل» بالترشُّح إنما على مسؤوليتهم، وسأل إذا كان عزوف الحريري عن خوض الانتخابات سينسحب على جمهوره ومحازبيه بعدم الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع مع أنه لم يطلب منهم مقاطعتها؟
كما سأل إذا كانت دعوته لعدم مقاطعة الانتخابات ستتلازم مع دعوة محازبيه للانخراط اقتراعاً في العملية الانتخابية؟ وهذا ما تصدّر جدول أعمال اللقاء الرباعي الذي عُقد في منزل ميقاتي الذي كرّر أمام الحضور رغبته في عدم الترشح لخوض الانتخابات، وأنه سيختار الوقت المناسب ليعلن موقفه بصورة رسمية.
ورأى المصدر المواكب أن القرار النهائي متروك للحريري بدعوة جمهوره ومحازبي التيار الأزرق للإقبال على صناديق الاقتراع، وإن كان هناك من يسأل ومن خارج جدول الأعمال الذي تم تداوله في اللقاء الرباعي: كيف يوفّق بين عزوفه وبين مشاركة «المستقبل» في الانتخابات لانتخاب مجلس نيابي جديد يتولى انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للرئيس ميشال عون؟
ورأى أنه من غير الجائز أن يغيب المكوّن السنّي عن الاستحقاق الرئاسي الذي يضع لبنان أمام مرحلة سياسية جديدة غير المرحلة التي مرّ فيها طوال ولاية عون والتي أعاد فيها البلد إلى المربّع الأول بعد انحيازه لفريق دون الآخر ما أفقده الدور الوفاقي ولم يعد الحَكَم الذي يرعى الحوار بين اللبنانيين، خصوصاً أن التعهدات التي قطعها في خطاب القسم فور انتخابه رئيساً للجمهورية بقيت حبراً على ورق، وكشف أن زيارة عون للمفتي دريان بقيت في حدود رفع العتب ولم تبدّل من الأزمة القائمة بينه وبين الشارع السنّي.
وأكد أن اللقاء الرباعي، انطلاقاً من حرصه على الموقع الجامع لدار الفتوى ممثّلاً بالمفتي دريان، تدارس عدة خيارات يراد منها ترتيب الوضع السنّي بدءاً بعدم إخلاء الساحة ترشُّحاً للانتخابات، ومروراً بعدم إقحامه في فراغ قاتل، وانتهاءً ببند أساسي يتعلّق بكيفية التعاطي مع قرار المشاركين فيه بعدم مقاطعة الانتخابات، وقال إن الخيارات التي طُرحت ما زالت موضع تداول وتشاور، وأن بلورتها إلى خطوات ملموسة تبقى عالقة إلى حين عودة الحريري إلى بيروت عشية حلول الذكرى السابعة عشرة لاغتيال والده رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري للوقوف على ما يقوله في رسالته إلى اللبنانيين.
وأضاف المصدر السياسي أن أركان اللقاء الرباعي يتواصلون باستمرار مع الحريري وهم يترقّبون ما سيقوله في خطابه، وقال: «يخطئ من يراهن على أن هدف اللقاء تطويق الحريري أو حشره في الزاوية، لأنه ليس في وارد التفريط بتحالفه معه». وتابع أن اللقاء يتطلّع بالتفاهم مع الحريري إلى إنتاج مقاربة سياسية شاملة للتعاطي مع الاستحقاق النيابي، ولاحقاً الرئاسي، اللذين يشكّلان محطة لإعادة تكوين السلطة في لبنان، وأكد أنه ليس في وارد أخذ الطائفة السنّية إلى الإحباط وصولاً إلى تهميش دورها الأساسي في المعادلة السياسية التي تشكّل مظلة رئيسية لإدارة شؤون البلد. وقال إن الطائفة السنّية كانت ولا تزال تشكّل العمود الفقري للوقوف في وجه التطرُّف ترسيخاً لدورها في الحفاظ على الاعتدال وترسيخه كخيار لا بد منه لإنقاذ مشروع الدولة وتعزيزه كبند أساسي على جدول اللقاء الرباعي.
وإذ استبعد أن تكون مهمة اللقاء الرباعي الإشراف على تشكيل اللوائح الانتخابية، وعزا السبب إلى حرص أعضائه على رعاية الجهود المبذولة لملء الفراغ المترتّب على عزوف الحريري عن خوض الانتخابات، قال في المقابل إنه لن يُقحم نفسه في لعبة المفاضلة بين هذه اللائحة أو تلك، وبين مرشّح وآخر، لأنه يُفقده دوره الجامع، وهذا ما لا يريده المفتي دريان ورؤساء الحكومات السابقون.
وأكد أن اللقاء الرباعي يناقش حالياً عدة خيارات، واضعاً نصب عينيه الاحتمالات سلباً أو إيجاباً للخيار الذي يُفترض أن يستقر عليه بعد التشاور مع الحريري، وشدّد على أن الخيار الذي سيتخذه يأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على الدور المعنوي لدار الإفتاء، خصوصاً أن البلد يمر حالياً بمرحلة سياسية عصيبة غير مسبوقة، وبالتالي فهي تبقى في غنى عن إقحامها في لعبة تركيب اللوائح.
لذلك فإن الغموض لا يزال يكتنف تركيب اللوائح الانتخابية حتى داخل الحلف الواحد باستثناء التفاهم القائم بين حزبي «التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية» مع انطلاق الحوار بين سمير جعجع والنائبين أكرم شهيب ووائل أبو فاعور لترجمة إعلان النيات بالتحالف إلى خطوات ملموسة، وإن كان عزوف الحريري عن خوض الانتخابات يقلقهما ويحاولان إيجاد البدائل لتعاونهما بشكل أساسي في دائرة الشوف – عاليه، مع أنهما يفضّلان التريُّث في تركيب اللائحة المشتركة إلى ما بعد تظهير الموقف النهائي للحريري ومعه أركان اللقاء الرباعي للوقوف على ما سيقرّره أنصار «المستقبل» في هذه الدائرة.
فالغموض الانتخابي يكتنف أيضاً ما تبقّى من قوى «8 آذار» سابقاً بعد خروج رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وتموضعه في الوسط، رغم أن «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» يبديان رغبة في تمديد تحالفهما الانتخابي، وأنّ تبادل الحملات وتحديداً من فريق الصقور في التيار الذي يرعاه النائب جبران باسيل لا يعدو كونه مناورة لن تأخذ طريقها إلى إعلان الطلاق السياسي بينهما ويراهن باسيل من خلالها على إعادة ترميم وضعه في الشارع المسيحي.
وعليه، فإن عامل الوقت يحشر جميع الأطراف المعنية بالانتخابات النيابية التي ستكون مضطرة حتى إشعار آخر إلى التريُّث، وتتعامل مع الموقف الذي سيعلنه الحريري من زاوية أن موقفه يضيء الطريق أمام صوغ التحالفات الانتخابية من جهة، ويُخرج جمهور التيار الأزرق من الإرباك المسيطر عليه بتحديده الموقف النهائي ما إذا كان عدم مقاطعته للانتخابات سيُترجم بدعوته للإقبال على صناديق الاقتراع، لأنه بموقفه سيؤثر سلباً أو إيجاباً على إعادة خلط الأوراق من خلال تشتيت صوت الناخب السنّي، لأن توزيعه بشكل غير مدروس سيؤدي إلى حصول مفاجآت في إيصال نواب إلى البرلمان، خصوصاً إذا انكفأ تيار «المستقبل» عن المشاركة، وهذا يؤدي للإخلال بالتوازن في البرلمان العتيد.