إتفاقية الكهرباء مع الأردن حبر على ورق والغاز المصري بعيد المنال
كتبت غادة حلاوي في "نداء الوطن":
من نكد الدهر ان يتحول شتاء اللبنانيين الى مأساة فيكسو بياض ثلجه قلوب الفقراء ويستوطن فيها وهم لا حيلة لهم ولا قدرة على شراء المازوت للتدفئة ولا الكهرباء متوافرة. من مساوئ الصدف ان يوقّع لبنان وفي عز كانون وبرده القارس على اتفاقية بالكاد تؤمن له الكهرباء بمعدل ساعتين يومياً، على ان الفرحة تلك لن تكتمل قبل شهر آذار القادم هذا في حال صدقت النوايا. ومرد التشكيك هنا الى كون لبنان لم يعلن بعد التزامه بشروط البنك الدولي لتمويل المشروع والتي تتألف من جملة شروط أهمها تعيين الهيئة الناظمة ورفع تعرفة الكهرباء وتحديد الموارد التي سيتمكن لبنان من خلالها من سداد ديونه للبنك الدولي.
منذ ما يزيد على الشهرين وموضوع استجرار الكهرباء من الاردن والغاز من مصر موضع نقاش وضرب مواعيد للتوقيع. عين الاميركي الذي اطلق صفارة الانطلاق للمشروع كانت ساهرة على سير تنفيذه ولكن بخطوات بطيئة ووفق شروطه قبل اي طرف آخر. حددت أميركا دفتر الشروط والزمان والمكان، سهّلت سوريا فكان التوقيع.
لم تكن زيارة وزير الطاقة السوري غسان الزامل الى بيروت ليوقع مع نظيره وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني صالح الخرابشة واللبناني وليد فياض اتفاقية استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا إلى لبنان مجرد تفصيل صغير. كانت سوريا وحتى الامس القريب ترفض اي زيارة رسمية الى لبنان لتقاعس حكومته عن اتخاذ موقف واضح حيال العلاقة معها. مجرد تفويض منحته لأحد الوزراء لتسيير أمور البلدين لم يكن يفي بالغرض. حتى اليوم لم يحسم لبنان أمره تجاه العلاقة مع سوريا. ولولا الموقف الاميركي من استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن لما كان تجرأ على توقيع اية اتفاقية معها.
دخول العامل الاميركي على الخط سهل تقريب المسافات بين لبنان وسوريا. أعطى الاميركي الضوء الاخضر لتعاون البلدين ولا يزال حاضراً في تفاصيل الخطوات العملية لتنفيذ الاتفاق مع تعمد التأخير لغاية ما في نفسه.
كان مقرراً ان يحصل احد التوقيعين في دمشق والثاني في لبنان لولا الطلب الاميركي ان يكون في بيروت وليس في الاردن او في سوريا، اما الاتفاقية فقد كانت موضع اخذ ورد اميركي الى ان رست على الصيغة التي تم التوقيع عليها. احالها لبنان الى هيئة التشريع والاستشارات وفي كل مرة كان يشترط ادخال تعديلات معينة على بنودها، ليتوافق مع قانون قيصر الى ان تم الاتفاق على الصيغة النهائية التي تم على أساسها التوقيع على الاتفاقية. منذ بدء العمل على تجهيز خط الكهرباء بين لبنان وسوريا انطلقت حملة تشكيك اميركية بأن الجانب السوري سوف يعرقل المشروع، لكن الجواب السوري كان بتسريع إصلاح الاعطال قبل نهاية العام الماضي وإعطاء الرئيس السوري بشار الاسد توجيهاته بتسريع وتيرة العمل وإزالة العقبات ان وجدت في محاولة للرد على الشروط الاميركية.
وخلال المفاوضات على بنود الاتفاقية كان التدخل الاميركي واضحاً وقد تمثل بطلب الاطلاع مسبقاً على بنود الاتفاقية حيث كانت تخضع لتعديلات من الجانب اللبناني الى ان انتهت بالشكل الذي خرجت به. وبغياب التفاصيل المتبقية حول دور البنك الدولي والتزام لبنان بالشروط المطلوبة منه تكون الاتفاقية مجرد حبر على ورق.
ذلك أن همروجة التوقيع لا تعني ان الكهرباء ستكون متوافرة، فالجدول الزمني الاميركي حدد موعده في آذار متلازماً مع موعد الانتخابات النيابية في لبنان. واذا كان الاردن على عجلة من أمره لبيع فائض الكهرباء لتغطية مصاريف مشروع التوليد عبر الطاقة الشمسية الذي أنجزه، فإن الامور غير متيسرة بعد في ما يتعلق بخط الغاز المصري رغم طول المدة. المصريون لم يتلقوا بعد جواباً اميركيا شافياً يعفيهم من عقوبات قانون قيصر، وسوريا تشك في ان الغاز مصدره اسرائيل ولا مصلحة لها ان تكون شريكاً في المشروع مبدئيا، ولغاية اليوم لم يحدد موعد بعد لتوقيع الاتفاق الرباعي بين الدول الاربع المعنية.
اذاً التوقيع خطوة لن تجرى بلورتها عملياً الا وفق شروط من غير المعروف بعد قدرة لبنان على الالتزام بها وما اذا كانت وردت في سياق خطة التعافي والتي قيل انها لم تعد موجودة او لحظتها الموازنة.
يمكن اعتبار ان قطاع الكهرباء تحول الى كارثة فعلية في لبنان، فالتيار الذي بالكاد يؤمّن للمواطن بمعدل ساعة او ساعتين يومياً يتم تأمينه من اتفاقية النفط العراقي التي سبق وتم التوقيع عليها في حكومة الرئيس حسان دياب ووزير الطاقة ريمون غجر والتي ينتهي مفعولها في ايلول المقبل. ومن اليوم وحتى تأمين الكهرباء من الاردن والغاز من مصر ربما تكون مدة الاتفاق مع العراق انتهت. وبعدها بات موعد لبنان مع العتمة قريباً.