عن تحدّيات نعمة افرام في كسروان "عرين الموارنة" ولبنان؟!
كتبت نادين فارس: بيّنت في مقال الأمس ماذا يمكن أن تعني كسروان "عرين الموارنة" محلّياً ووطنيّاً، لأهلها وقاطنيها من جهة وللّبنانيين عامة من جهة أخرى، ولنعمة افرام في الوجدان الماروني، في الاستحقاق الانتخابيّ المقبل. خارج هذا الوجدان المتكئ على روح الإنسان في وطن الإنسان، الروح التي تفتح الستارة على الحياة والبلاد وعلى احتمالات الضوء والقيامة، ليس من سياسة ولا سياسيين، ولا "عرين موارنة" ولا موارنة... وليس من لبنان.
أقول ذلك، من دون أن يجلد الواحد ذاته عندما يشير كيف أنّ أمجاد الدنيا قد أعمت الكثيرين، وكانت قد سبّبت في الكثير من المآسي للجماعات وللوطن على السواء. وأقول ذلك، لأنّه في ظلّ الحقيقة المشؤومة التي نعيش، لا يعود صعباً تفسير أحوال البلد وأوضاعه السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة الهزيلة، ولا الهَتك المدويّ لكرامة الإنسان فيه. كما لا يعود عَصيّاً فهم الانقلاب على المبادئ والتفريط بالوزنات، لتبقى طافحة على السطح مآثر الانبطاح والتزلّف، والمصالح والمقايضات والصفقات، وشبهات ووقائع الفضائح والسرقات.
إزاء ذلك، يدرك نعمة افرام للعديد من التحدّيات له في كسروان "عرين الموارنة" وفي لبنان ومن بينها: التحدّي الأوّل: وطنيّ طارئ آني وملح وهو تحدّي البقاء. في تمكّن مجموعة صافية صادقة وطنيّة ومحترفة تتحلّى بنظافة الكفّ والفكر النيّر، أن تقنع المعنيين بالأولوّيات الكيانيّة التي تقف أمام تحوّل لبنان إلى دولة فاشلة إذا لم يبدأ فوراً - لبنان - وفي أبعد تقدير بعد الانتخابات، بالمسار الإصلاحيّ الجوهريّ بالاتفاق مع صندوق النقد الدوليّ والبنك الدوليّ والمؤسّسات الماليّة العالميّة والدول الصديقة. أمّا التحدّي الثاني فمعنويّ ويتمثّل في كيفيّة التعايش مع الآخرين من شياطين أصحاب الكراسي والمناصب وتوزيع الحصص واعتبار الدولة غنيمة حرب، من الذين قد يصلون أو سيصلون حكماً إلى الندوة النيابيّة بعد الانتخابات. في التحدّي الثالث يكمن موضوع استعادة الواحة البرلمانيّة واحداً من دوريْن لها لا ثالث يرفد أو يرأف: أوّلهما التشريع وثانيهما مراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذيّة. وفي ظلّ ندرة مَن بقيَ هاوياً لجمهوريّة الحلم في العقل والروح والتدبير، كيف يمكن إعادة الدور للتشريع الهادف والمراقبة الفاعلة والمحاسبة الحاسمة؟ أمّا التحدّي الرابع فمحلّي وعزيز جداً ويتعلّق بالنهوض بكسروان "عرين الموارنة"، إنمائيّاً وحياتيّاً واقتصاديّاً ابتداء من الواجهة البحريّة، وامتداداً لمعالجة ملفّات المنطقة من بنى تحتيّة مهترئة، وصولاً إلى واقع المنطقة التربويّ - الجامعيّ - الثقافيّ - السياحيّ - البيئيّ - الروحيّ بامتياز، مع مؤسّساتها الرسميّة والعامّة، ومجالسها الأهليّة المنتخبة.
يدرك نعمة افرام أن ليس في الأمر من نزهة. ويؤكّد " لا شيء مستحيل وكلّ شيء ممكن إذا كنّا نملك الإيمان والعزيمة والإرادة والمشروع، وأعوّل اليوم على أمرين أساسيين: الأول هو التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي والثاني الوصول إلى انتخابات نيابيّة شفّافة تجدّد الثقة بين الشعب وممثّليه".
يضيف:" القارب يغرق فينا جميعاً والهدف الأساسي هو إنقاذ لبنان واللبنانيين. وبعيداً عمّا تنتظره الدول من لبنان، السؤال هو ما الذي نريده نحن في لبنان من لبنان. وشخصيّاً، أجد أن الانتخابات النيابية المقبلة هي باب وفرصة ومسار للتغيير نحو الأمام في خطوات متلاحقة من المفترض أن تكون متسارعة. والأهم في الانتخابات أنّها استفتاء يختار خلاله اللبنانيون إذا كانوا يريدون العيش في القرن الواحد والعشرين مع الأسرة الدوليّة أو في مكان وزمان آخرين من التاريخ والحاضر المظلم. وهنا لا بدّ أن تستعدّ قوى التغيير جيّداً للانتخابات وتوحّد صفوفها وبرامجها وتحدّد الأولويات، وكلّنا مدعوّون إلى فهم عميق لطبيعة المواجهة السياسيّة المطلوبة وأهميّة التحضير لها، من أجل أفقٍ تغييري حقيقي في لبنان".
ويختم:" نعم ما هو مطروح هي تحدّيات أمامي بالفعل، وتحدّيات أمام كلّ المخلصين، وأوّلاً واخيراً أمام الشعب. أنا لست بمحبط، بل مقاتل ومقاوم وقد قرّرت المواجهة وعدم الاستسلام. الانهيار نوقفه سويّة كما نبني معاً، ولا أراهن على أحد سوى على شعبي وإنسان لبنان. فلنثق ببعضنا البعض وبالشرفاء وبالمشروع، وهو يحمل كافة الأجوبة على كلّ التحدّيات المطروحة في كل مفصل وتفصيل".
بالفعل إنّها تحدّيات أمام إنسان لبنان، وهو وحده يملك مفتاح تبديدها. القرار قراره، هو الذي شهِد على مدار السنين الماضية موتاً بطيئاً له. لقد أذلّ وأهين وتشرّد وجاع. إنّه يُقتل. وهم يفعلون بدمّ بارد. بهمجيّة. بمجون. بسفالة. وبلا ذرّة ضمير.
لهذا الانسان جمهوريّة يستحقّها، سعادته فيها هدف أساسيّ، ضمن دولة حديثة ومنتجة، أركانُها الاستقامة وتكريس المواطنة حقوقاً وواجبات. جمهوريّة تتطلّع إلى عيش مشترك يتخطّى مستوى التساكن بين المجموعات اللبنانيّة، ليصبِح نمط عيش منتجاً ومنسّقاً، يقوم على خلقِ القيمة المضافة، وتحقيقِ ملء الذات، واحترام الغنى في التنوّع. ويؤَهّل الوطن ليكون نموذجاً حضاريّاً في صون كرامة الفرد والجماعات، حيث لا يجوز لأحد بطبيعة الحال رَهن الوطن وإنسانه بانتماء سياسيّ أو توجّه إيديولوجيّ أو ارتباط بفِقه دينيّ أو مذهبيّ خاص. وعمليّاً، ليس من مشروعٍ وطنيٍّ آخر يوائم فكرة لبنان ومعنى لبنان وجوهر لبنان، خارج الدولة الحديثة واللامركزيّة الموسّعة وتحييد الوطن عن الصراعات بين المحاور الإقليميّة والدوليّة. إنّها الإدارة الفضلى المتكاملة للتنوّع في الوحدة، على أرض لا يسمح باستعمالها مقرّاً أو ممرّاً أو منطلقاً لأيّ عمل من شأنه أن يورّط الوطن في الصراعات أو في أزمات تتنافى وخصوصيّته. وهذه تستدعي حتماً التوصّل إلى بناء مفهوم الأمن القومي اللبناني، ومن تفرّعاته الاستراتيجية الدفاعيّة الوطنيّة المنشودة عبر حصر السلاح اللبنانيّ بالقوى الشرعيّة المسلّحة، وتوفير الدعم لها وتجهيزها.
لا تنتظر يا إنسان لبنان الترياق من أحد، فالذي لم يرهبه الدرك المذلّ الذي وصلت إليه الجمهوريّة ولا خطورة التحدّيات الوجوديّة والحضاريّة فيه، لن يتوانى عن مزيد من الغرق الأعمى في هذه التراجيديا الوطنيّة. إنّها مسؤوليّة تاريخيّة ملقاة على عاتقك. فكرة لبنان ومعنى لبنان على المحكّ. أمّا رسالته فواحدة من الأزل إلى الأبد. من أوّل الدني تتخلص الدني. وهي في ذاته، ولذاته، قبل أن تكون لشعبه، ولأهل هذا الشرق المتألّم، وقبل أن تكون للعالم أجمع.