الطائفيّة والتعصّب الطائفيّ
كتب انطوان نجم في موقع mtv: "الطائفة" في لبنان، وفي الشرق كلّه، لا ينحصر مدلولها في أنّها جماعة دينيّة بحت. إنّها جسم مجتمعيّ ثقافيّ تاريخيّ سياسيّ متلاحم، متجذّر في الزمان، له تطلّعاته وآفاقه وكينونته. تداخلت فيه وتشابكت، بفعل جدليّ، مواقف ومفاهيم دينيّة بمواقف وخيارات سياسيّة. وقد تبلور هذا الجسم، عبر الأجيال، بكلّ ما مرّ من أحداث وظروف، على الأصعدة المختلفة، ممّا أفرز واقعًا مجتمعيًّا، وماديًّا، ومعنويًّا، وروحيًّا، وطقسيًّا، وثقافيًّا، وسياسيًّا، عُرفت وتُعرف به الطّائفة. وهي "هويّة مجتمعيّة".
ويعي الإنسان هويّته هذه في حسّ الانتماء، في الشعور الداخليّ العفويّبالارتباط العضويّ بجماعة محدّدةٍ معيّنةٍ في المكان والزمان.
نستشفّ حقيقةَ الطائفة الملموسة، بسهولة وبساطة، بمقاربةٍ واقعيّة مُدرَكَة بالوعي المباشَر والملموس لوجودها. وما من شيء يُعيق، في دولة لبنان، أن تتلاقى هذه الطوائف بتآلف وتضامن وتكافل، شرط احترام ثقافةِ كلٍّ منها، وتحقيق المساواة الكاملة في الحقوقِ والواجباتِ وتكافؤِ الفُرَصِ بين المواطنين جميعِهم من غير أيّ استثناء.
ما هي الطائفيّة؟ خلَط الحديث والتداول السياسيّان في لبنان بين "الطائفيّة" و"النظام الطائفيّ السياسيّ" و"الطائفيّة السياسيّة" وجعَلها مترادفة. وكان "اتّفاق الطائف" في 22/10/1989 قد ذكر "الطائفيّة السياسيّة" بمعنى "النظام الطائفيّ السياسيّ".
عبارة "الطائفيّة السياسيّة" غير دقيقة، ولا تدلّ على عمق المقصود منها. بينما "النظام الطائفيّ السياسيّ" يفترض الناحية الإداريّة والتنظيميّة والقضائيّة في الدولة، فضلًا عن الناحية السياسيّة. وقد يقتصر مدلول "الطائفيّة السياسيّة" على الشأن السياسيّ فحسب. وهذا يتناقض مع الواقع المعنيّ.
الطائفيّة في لبنان، في فهم واقعيّ-تاريخيّ موضوعيّ، هي حال انتمائيّة ثقافيّة دينيّة كيانيّة مجتمعيّة سياسيّة. وهي قائمة في العمق في الوجدان الفرديّ والجماعيّ. وهي نتيجة للواقع الدينيّ-المجتمعيّ-الثقافيّ-السياسيّ في هذا الشرق.
هذا التعريف بالطائفيّة يختلف عن المدلولات الكريهة والمؤذيةالتي أُلصقت بهذه اللفظة في التداول التقليديّ، حيث تُنعت بالبغيضة والخبيثة. هذه المدلولات تعود إلى التعصّب الطائفيّ.
ما هي الطائفيّة السياسيّة في لبنان؟
هي "النظام الطائفيّ السياسيّ". وهو مجموعة النصوص التشريعيّة والإجرائيّة ومجموع الأعراف التي توزّع الحقوق والمسؤوليّات الرسميّة القياديّة والوظيفيّة في الدولة اللبنانيّة بين أبناء جميع الطوائف المعترف بها، بغية مشاركة اللبنانيّين في إدارة دفّة البلاد وبقصد العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. ولكن، في الحقيقة، هناك حرمان عمليّ واقع على بعض الطوائف .
ما هو التعصّب الطائفيّ؟
التعصّب الطائفي يعني: رفض الآخَرين والاستعلاء عليهم. أو الاقتصار في الولاء الوطنيّ على الولاء للطائفة فحسب. أو تقييم الشؤون العامّة من زاوية مصلحة الطائفة، على نحو حصريّ وأنانيّ وانعزاليّ وعدائي. أو بعض ذلك، أو كلّه.
مدلولات التعصّب الطائفي ليست من الطائفيّة، في جوهرها المجتمعيّ، ولا من حقيقتها. وهي تختلف اختلافًا جوهريًّا عنها. مثل "التعصّب الوطنيّ" الذي ليس من "الوطنيّة" بشيء.
هذه المدلولات السلبيّة ليس لها وجود قانونيّ. وكما لم تنشِئْها إرادة أو نصّ، لا تلغيها لا إرادة ولا نصّ، ولا تضمحل إلّا بالتربيةوبانتفاء الأسباب التي كوّنتها.
هذا هو المقصود بـ"الطائفيّة" في معناها الأنانيّ والانطوائيّ والاستعلائيّ والرفضيّ.