لبنان في العام 2022: تعويم القرارات الدولية التي تُغضب "حزب الله"
أنهى انهيار لبنان تلك "الحكمة" الانتهازية التي اتبعتها غالبية الطبقة السياسية: "من الأفضل أن تكون على يمين الشيطان وليس في طريقه".
على مدى أعوام عدّة، حاول سياسيو لبنان تجنّب التطرق الى القرارات الدولية التي تطالب بنزع سلاح "حزب الله"، وبمنع تمرير السلاح والمقاتلين عبر المعابر غير النظامية بين سوريا ولبنان، بوجوب ترسيم الحدود اللبنانية-السورية.
لقد كان أيّ حديث عن القرارات الدولية، لا سيّما منها القراران 1559 و1680 يثير غضب "حزب الله" الذي بدأ، منذ غزوة السابع من أيّار (مايو) 2007 يحاول بسط نفوذه على صناعة القرار في لبنان، قبل أن يعود ويفرض هيمنته، بشكل حاسم، مع نجاحه في إيصال العماد ميشال عون الى القصر الجمهوري.
ويبدو، في هذه المرحلة، أنّ هاجس استرضاء "حزب الله" قد سجّل تراجعات نوعية، فبدأ عدد من المؤثّرين في الحياة السياسية اللبنانية الاهتمام بالقرارات الدولية، مطالبين المجتمع الدولي بإجراء ما يلزم من أجل تطبيقها.
ولعلّ أهم ترجمة لهذا التوجه الجديد تجسّد في الرسالة التي وقعها خمسة رؤساء جمهورية وحكومة سابقين وسلّموها الى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وهم: ميشال سليمان، أمين الجميل، فؤاد السنيورة بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن سعد الحريري وتمّام سلام.
وقد تضمّنت هذه الرسالة بوضوح أرقام القرارات الدولية المطلوب تنفيذها، إذ ورد فيها، لهذه الجهة، الآتي: "التزام لبنان بالانتماء العربي وكذلك بالإجماع العربي، وبجميع قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالشأن اللبناني، لا سيّما القرارات 1559 و1680 و1701".
ومنذ سنوات عدة، فشلت محاولات عدة تهدف إلى جمع هؤلاء الرؤساء السابقين، في إطار تنسيقي موحّد، على الرغم من أنّ الأهداف الوطنية نفسها تجمعهم.
سبب فشل هذه المحاولات لم يكن سرّاً على أحد: الخلاف على طريقة التعاطي مع "حزب الله".
بين هؤلاء الرؤساء من لم يكن يريد أن يطرح، لأسباب خاصة به أو خوفاً على مصالح المرجعية التي يرتبط بها، مواضيع من شأنها إثارة غضب هذا الحزب، وأهمّها: المطالبة بتنفيذ القرارات الدولية "المغضوب عليها" والدعوة الى الالتزام بـ"إعلان بعبدا" الذي يتمحور حول وجوب تحييد لبنان عن حروب المنطقة وصراعات محاورها.
حالياً، وفي ظلّ المآسي التي وصلت إليها أحوال لبنان وتدهور وضعيته وصورته وعلاقته مع المجتمع الدولي عموماً ومع دول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً، بات استرضاء "حزب الله" بمثابة جريمة بحق بلاد الأرز.
ولم تكن رسالة رؤساء الجمهورية والحكومة السابقين التي تسلّمها غوتيريش معزولة عن السياق الوطني، إذ إنّه قرأ رسالة مماثلة، مرفقة بآلية تنفيذية، وجّهه إليها البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي أصرّ على أنّ إنقاذ لبنان أصبح مسؤولية دولية، بحيث شدّد على وجوب عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، وتنفيذ جميع القرارات الدولية من دون استنسابية وتجزئة.
كما أنّ رسالة الرؤساء السابقين الخمسة لم تخرج عن الإطار الدولي-الإقليمي إذ إنّها تأتي، غداة، "إعلان جدّة" الذي صدر بعد لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وطالب بوجوب تنفيذ القرارات الدولية نفسها، أي 1559 و1680 و1701.
وهي رسالة تتكامل أيضاً مع ما ورد في الفقرة الخاصة بلبنان الذي تضمّنها البيان النهائي للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي الذي انعقد، مؤخّراً، في المملكة العربية السعودية.
ولم يخلُ بيان إقليمي أو دولي تلا مؤتمراً يُعنى بإنقاذ لبنان من الدعوة الى وجوب تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة وبضرورة النأي بلبنان عن حروب المنطقة وصراعات محاورها.
وفي نقاش سابق أجريته، قبل أسبوعين، مع السفير السابق جوني عبدو الذي يُعتبر من أكبر الخبراء في الشأن اللبناني، دعا الى وجوب نقل المواجهة مع "حزب الله" من لبنانية الى دولية.
وهو يقصد بذلك، أنّ "حزب الله" مستهدف بقرارات دولية سبق أن أصدرها مجلس الأمن، وهي لا تزال تتكرّر، في كل مناسبة تعنى بالشأن اللبناني، كما هي عليه الحال مع القرارين 1559 و1680 و1701، ويجب تالياً أن تكون المواجهة مباشرة بين المجتمع الدولي من جهة و"حزب الله" من جهة أخرى، وليس بين "القوى اللبنانية السيادية" من جهة و"حزب الله" من جهة أخرى، كما هو حاصل منذ سنوات، من دون أي نتيجة إيجابية تذكر.
وهذا لا يعني، وفق عبدو، أنّ على "القوى السيادية اللبنانية" أن تُدخل تعديلات أساسية على المهمات المناطة بها، بحيث تتولّى خلق تيار قوي، في الداخل والخارج في آن، يضغط على المجتمع الدولي، من أجل أن يعمل جاهداً لتنفيذ القرارات التي سبق أن أصدرها مجلس الأمن وبقيت، من دون تنفيذ.
وبالنسبة لعبدو ثمّة خطوة واحدة لا تزال "القوى اللبنانية السيادية" تحاول تجنّبها، وهي التي يقترحها: تبنٍّ صريح وشجاع للقرارات الدولية ذات الصلة بلبنان والضغط على المجتمع الدولي ليسعى، بلا هوادة، من أجل تنفيذها.
على أيّ حال، من الواضح إنّ الغالبية اللبنانية، وبعدما وصلت أمور لبنان الى المستوى المأساوي الذي وصلت إليه، باتت مقتنعة بأنّ "المسايرة" هنا و"التواطؤ" هناك لم يعودا جزءاً من الواقعية التي تطلبها السياسة بل تحوّلا "خنجراً مسموماً" في خاصرة البلاد.
في سنوات خلت، حاول عدد من السياسيين التبرؤ من القرار 1559، بما في ذلك أثناء إدلائهم بإفاداتهم كشهود في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أمام المحكمة الخاصة في لبنان.
لكن، وفق ما يبدو فإنّ المعطيات الجديدة أدخلت تعديلات جوهرية على زمن "التبرؤ الإسترضائي"، الأمر الذي يفتح العام 2022 على تطورات مهمة بخصوص لبنان، ويعطي من يحتاج الى عناوين سياسية حقيقية للانتخابات النيابية المقبلة مادة مفيدة ومنتجة.
طبيعي أن لا يقف "حزب الله" مكتوف الأيادي، إزاء، هذه "الموجة التدويلية" الصاعدة، ولكن من الطبيعي أيضاً أن لا يصاب كثيرون، في الداخل والخارج، بالشلل من جرّاء ما يمكن أن يقدم عليه، لأنّه إذا أتيح لهذا الحزب أن يستمر في نهجه، فإنّ الباب الوحيد المتاح، راهناً، للخروج من جهنّم، سوف يُقفل إلى... الأبد.
النهار العربي - فارس خشان