"حزب الله" لا يشبه لبنان.. ولا شيعته
كتب الدكتور حارث سليمان:
الشيعة كجماعة اهلية، هي احدى مكونات لبنان... حزب الله ليس مكونا لبنانيا، رغم ان عناصره لبنانيون، الاَّ أنّه ببُنيتِه، وثقافتِه، وخَياراتِه، والتزاماتِه وانخراطِه ضمن المشروع الامبراطوري الإيراني، لا يشبه لبنان ولا يشبه شيعة لبنان، حتى لو نجح بأَسْر ِفضائهم العام لمرحلة ما...
فشعب لبنان يُحِبُ فيروز ويطرب لموسيقى الرحباني، التي ترافق صباحاته وركاوى قهوته، فيما يمنع حزب الله أغاني فيروز في مُجَمّع الحدث في الجامعة اللبنانية، بل يحرم الغناء كل الغناء ما لم يكن أناشيد دينية او مدائح بالأئمة والمقاومة، وهو يتحفظ على سماع أغنيات القدس ويحرم زهرة المدائن، رغم انه جزء من فيلق ايراني، يتكنى بالقدس، وهو يُحَرِّم الموسيقى سواء كانت غربية او شرقية، وقد يتسامح متأففا ببعض من الموسيقى الكلاسيكية...
لا يقبل حزب الله الدبكة اللبنانية، التي كرّستها أجيالٌ مُتواليةٌ، منذ مئات السنين، في كل قرى لبنان ومنها قرى بعلبك والجنوب، ولا تحاكي الهوارة والدلعونا اي نزوع فلكلوري في الذائقة الفنية لعناصر حزب الله، حتى لو كانت اشهر فرقتي رقص شعبيتين لبنانيتن، بقيادة مبدعين شيعة من عبد الحليم كركلا الى فهد العبدالله، ولا يتقبل اي مسرح غنائي أو أوبريت لبنانية، حتى ولو كان مؤلفوها شعراء شيعة كطلال حيدر وشوقي بزيع وحسن العبدالله وغيرهم، أو كان مطربوها شعراء التزموا بالقضية الوطنية كمارسيل خليفة او حتى جوليا بطرس، اما المسرح ففي عالم غير عالمه، حتى لو كانت المسرحيات تروي صمود الجنوب وبطولات أهله، وكانت من ريادة رفيق علي أحمد أو روجيه عساف...
منذ ما قبل ولادة حزب الله كان الزجل اللبناني وكان الشاعر زين شعيب أحد فرسانه اضافة الى اسعد سعيد وايراهيم شحرور وغيرهم من الشيعة، الى جانب شعراء لبنانيين من طوائف اخرى، وكانت سهرات القرى واعراسها ومنتدياتها عامرة بحفلات الزجل وصخب القوالين في كل مناسبة، لكن مع حزب الله وتحت سطوته تراجع هذا الفضاء حتى الغياب، فالحزب الذي تنكر لهؤلاء، يريد ان يقتلع من وجدان الشيعة في لبنان كل جميل ومبدع...
اغنية فيروز الرائعة؛ أنا يا عصفورة الشجن مثل عينيك بلا وطن" هي من شعر معمم شيعي، خريج النجف الأشرف، وإسمه السيد علي بدر الدين وجد مقتولا في خراج قريته في جنوب لبنان، لا يقبل حزب الله العرس اللبناني التقليدي بكل اشكاله، ويقاطعه حيث يستطيع، وفي اوقات سابقة حاول تخريب اي عرس اعتادت الناس عبر تاريخها على احيائه ... لا يسمح ب زغلوطة الام لابنها العريس، في يوم فرحه، كما يمنع بدعوى التحريم والمخافة من ايذاء الميت في عتمة قبره، الأمهات والأخوات الثكالى، من البكاء على أحبابهم، ويدعوهم الى البكاء الحلال فقط على الإمام الحسين...
لا يشبه تدين حزب الله وطقوس عباداته، تدَيُّنَ وطقوس عبادات الشيعه اللبنانيين، منذ ما قبل سبعينات القرن الماضي، فمراسم إحياء ذكرى عاشوراء، كانت قديما تنتهي في صبيحة اليوم العاشر من محرم، ويتردد المثل الشعبي الشيعي بالنسبة لأيام الحزن على الحسين بالقول " خلصوا مصرعكم وإجلوا عرايسكم ( اي ينتهي الحزن في ذكرى مصرع الحسين قبل ظهيرة يوم العاشر من محرم وتقام افراح وزفة الاعراس انطلاقا من بعد الظهيرة)، أما طقوس حزب الله فتستمر أربعين يوما وليست عشرة، وعليه وجب تغيير إسم المناسبة من عاشوراء (عشرة ايام) الى أربعينية، ولعل ذلك قد لا يكفيه، لأنه رفع شعاره "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء" بحيث يجعل من تسجيلات قراء العزاء في المجالس الحسينية، مؤونة و زادة صوتية يومية، لكل مُلتزمٍ في حزب الله، سواءَ كان في سيارته او عمله او أمكنة تسليته، وعلى مدار الايام من كامل السنة...
زمن حزب الله لطم مستمر، ونحيب لا ينقطع، فهل يشبه هكذا زمن، الزمن اللبناني!
قياسا لمفاهيم حزب الله التي يحاول جعلها عقيدة الشيعة الجديدة، نستنتج أنَّ أجدادَنا وجَداتَنا قد ماتوا ميتة جاهلية، لأنهم لم يعرفوا المذهب الجعفري الجديد التي تشكل ولاية الفقيه ركيزته ومحوره!!
نعم هذا الحزب، لا يشبه شيعة لبنان ولا طريقة عيشهم التي يتشاركون بها مع باقي المكونات، ويدعو عناصره لعدم الشراء من اي حانوت لا يلتزم بتعليماته وتحريماته.
لا يطبق حزب الله القانون اللبناني الوضعي لحل النزاعات في مناطق سطوته، وللقيام بالتسويات والتحكيم بين المتنازعين واجراء المصالحات فيما بينهم، بل يلجأ الى تطبيق الشريعة الاسلامية حتى في خلافات الايجارات او تعويض الضحايا في حوادث السيارات!
والحقيقة ان اكبر ممانعة لسيطرة الحزب هي طريقة عيش اللبنانيين التي تكونَت منذ تَكوُّن لبنان الحديث..
لا يقبل حزب الله سباحة الفتيات في البحر والاختلاط بالرجال ويتحفظ عن الانخراط في عالم الازياء والموضة والتبرج، ويحصر استعمالها من قبل الزوجات لازواجهن فقط داخل بيوتهن، وعلى الرغم من اشتراكه في تقييد لباس المرأة مع مذاهب اسلامية اخرى، فإن المرأة خارج بيتها بعرفه، زي اسود تلبس شادورا، من راسها حتى قدميها، فهل هذا شكل المرأة اللبنانية منذ مائة سنة وحتى تاريخه، امرأة حزب الله ايضا في الخارج الاجتماعي لا تشبه المرأة اللبنانية ولا تشبه امهاتنا وجداتنا الشيعة منهن او من غيرهن..
قد يقول قائل ان هذه عقيدة دينية تدخل في حرية المعتقد والضمير، ولا بأس من التساكن معها، وهو أمر يمكن ان يكون متاحا، لولا أن حاملي هذه الخيارات، ينتسبون لحزب سياسي يسعى لبناء سلطته على كامل شعب لبنان، ويمتلك ترسانة عسكرية لم يتوانى عن استعمالها في منعطفات سياسية متعددة.
فالاحزاب كيانات عابرة وليست مكونات ثابتة، لو كان كل حزب حاز شعبية في طائفته او شارعه اصبح مكونا للوطن، لكانت النجادة مكونا ل لبنان، ولكان حزب الكتائب مكونا ل لبنان، ولكان التيار العوني مكونا ل لبنان وهو الآن على شفير نهايته، ولكانت حركة المرابطون مكونا ل لبنان، ولكانت الحركة الوطنية مكونا ل لبنان، وكل هؤلاء زالوا او تهمشوا وبقي لبنان، فالعونية مرت علينا وهي في طريقها للانكماش، وستمر الخمينية في لبنان وتزول، كما زالت غيرها من طفرات سياسية لأن احتساب المتحول ثابتا هو وهم لا يعول عليه، وحزب الله متحول غير ثابت.
حتى ولو نال اي حزب تمثيل جماعة ما، ولو كانت عملية انتخابه لا تشوبها اي شائبة من شوائب قانون الانتخاب والديموقراطية البرلمانية، من مثل ممارسة العنف اللفظي او الفعلي، او التلويح باستعمال القوة، بقصد الترهيب والاخضاع، او استعمال المال السياسي، واقامة هيكليات زبائنية موسمية او دائمة، أو استناده الى دعم دولة أجنبية، أو إستغلال الدين والمقدس وايمان العامة لتحويلهما الى اصوات اقتراع لكتل شعبية صماء، واعتبار الاقتراع لصالح الحزب تكليف ديني وأمر الاهي، حتى لو نال تمثيله النيابي دون اي شائبة مما سبق، فهو أمر مؤقت ولولاية منقطعة، تنتهي بانقضاء مهلتها.
الترداد المتكرر ان حزب الله مكوِّن لبناني لا يستند لأي دليل، وهو محاولة لتأبيد المؤقت السياسي الظرفي، وجعله معطى اجتماعي تاريخي وثابت، هذا الهراء يردده العونيون بكل أصنافهم، ووزير الخارجية عبدالله أبو حبيب كان آخرهم : ل "حزب اللّه" امتداد عسكري إقليمي لا يستخدمه في لبنان، ولا نستطيع تقديم رأسه للسعودية"!
نعم، هذا نموذج من كلام وزير خارجية لبنان في زمن النفاق و التفاهة. النفاق بالادعاء ان حزب الله لايستعمل قوته في الداخل لفرض خياراته السياسية والثقافية، بعد مرور ايام على اقتحام عين الرمانة، وفي وقت يستعمله ايضا لتعميم ثقافته ونمط عيشه اللذان اظهرتهما سابقا، واما التفاهة فتتوضح حين يضيف ويقر امام نفسه والعرب والعالم بدور " الحزب وسلاحه وب"استخدامه إقليمياً"، أي ضدّ العرب.
وهل تبقى صورة لدولة محترمة يقول فيها وزير خارجيتها: إنّ الحزب مكوّن لبناني لا نستطيع منعه من الاعتداء عليكِم ولا سلطة لنا عليه!؟