موسكو تُحذّر… الاستقالة تفتح "باب جهنّم"
كتب ألان سركيس في نداء الوطن:
شكّلت أحداث الطيونة محطة مفصلية في مسار الصراع في لبنان، إذ إنها فتحت مرحلة جديدة من الأخذ والردّ والإستغلال السياسي، في حين أن الأزمة التي خلقها الوزير جورج قرداحي باتت تهدّد هيكل الحكومة المتصدّع أصلاً.
يحاول “حزب الله” جاهداً الإستثمار في أحداث الطيونة وعين الرمانة، فمن جهة يريد تشويه صورة خصمه حزب “القوات اللبنانية” وضربها نصرةً لحليفه “التيار الوطني الحرّ” ولشدّ عصب جمهوره، ومن جهة أخرى يرغب بأن تكون هذه الأحداث مقدّمة لضرب التحقيق في انفجار مرفأ بيروت و”قبع” المحقق العدلي طارق البيطار، واضعاً اللبنانيين أمام خيار من إثنين: إما طمس التحقيق أو الفتنة والحرب الأهلية.
وفي السياق، فإن مواقف معظم الدول الكبرى والفاعلة باتت معروفة، والقسم الأكبر منها مع دعم الدولة وعدم الإنجرار إلى الفتنة والإقتتال الداخلي، من هنا برز حرص إقليمي ودولي على تطويق تداعيات ما جرى وعدم ذهاب الوضع نحو المحظور والإنتقال من أزمة إقتصادية وإجتماعية إلى أزمة أمنية وسياسية.
وتابعت روسيا بحذر كل ما جرى ويجري على الساحة اللبنانية وآخرها أزمة القرداحي، وهي كانت تُحذّر مراراً وتكراراً من إمتداد النار الأهلية ودخول لبنان في المجهول، ويبرز هذا التحذير من حرصها على أمن لبنان واستقراره ومن تخوّفها الدائم من أن النار اللبنانية ستمتد حتماً إلى سوريا وتشكّل تهديداً لوجودها الأمني والعسكري هناك وهذا ما عبّر عنه الرئيس فلاديمير بوتين بصراحة. وتشدّد مصادر ديبلوماسية مطّلعة على موقف موسكو لـ”نداء الوطن” على أن الخوف الروسي على الوضع اللبناني لا يزال في أوجِه، والهدوء الذي يسود حالياً بعد أحداث الطيونة لا يعني أن الإستقرار قد عاد، بل إن الحالة في لبنان هي كالجمر تحت الرماد ولا يعرف أحد متى سينفجر الوضع أكثر وقد يُفجّر المنطقة بأكملها. وما الأزمة الأخيرة مع الخليج إلا الدليل على ان الخوف الروسي في مكانه.
ولا تستبعد موسكو وجود أيادٍ خارجية تستغلّ كل ما يحصل، وهي وإن كانت لا تُنكر أن حجم الإحتقان الداخلي بلغ ذروته، إلّا أنها ترى أن هناك قوى إقليمية ودولية تحاول إختراق الساحة اللبنانية واللعب على التناقضات من أجل تثبيت مواقع نفوذ لها ومن أجل توجيه رسائل سياسية في أكثر من إتجاه.
ومن جهة ثانية، فإن موسكو تُحمّل كلّاً من واشنطن وطهران المسؤولية الأكبر في رعاية الوضع اللبناني، وتعتبر أن أي نفخ في نار الصراعات سيؤججها حتماً، ولذلك فإن مسؤوليتهما أكبر بكثير من غيرهما لأنهما تملكان النفوذ الأكبر ويدور صراع بينهما على رغم جولات المفاوضات على الملف النووي وترطيب الأجواء بعض الشيء.
لا شكّ أن الروس يتابعون بتمعّن كل ما يحصل في لبنان وعينهم على سوريا في الوقت نفسه، لذلك هم كانوا أحرص الناس على تأليف حكومة من أجل لجم مسار التدهور الإقتصادي الذي سينعكس على الأمن حكماً.
وترفض روسيا بشكل كبير إستقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتعتبرها خطوة تُدخل لبنان في المجهول وتفتح باب جهنم الحقيقي على مصراعيه، وعندها لن يتمكّن أي طرف من تأليف الحكومة، وبالتالي فان هذا الأمر سيؤدّي إلى تدهور أمني وسياسي وإقتصادي، لذلك تدعو إلى حلّ الأزمة مع الخليج بالتعقّل لأن الجسم اللبناني لم يعد يحتمل أكثر.
وإذا كانت روسيا قد كثّفت الإتصالات أخيراً، إلا أنها تعتبر أن هناك مسؤولية كبرى تقع على الجانب اللبناني، خصوصاً وأن الوضع لا يحتمل صراعات أهلية ومشاكل مع الخارج، لذلك فإن الأساس يبقى صون الساحة الداخلية وحفظ أمنها واستقرارها.