تصحيح البوصلة
كتب الدكتور توفيق الهندي:
أحداث الطيونة أنتجت فقدان الرؤية عند عدد من القوى السيادية والثورية. لذا، يتوجب تصحيح البوصلة حول توصيف الوضع الخطير الذي يعيشه لبنان وصولا" إلى العودة إلى خريطة الطريق التي توصله إلى شاطئ الأمان.
في توصيف الوضع
1) لا شك أن حزب الله إتخذ المبادرة في مواجهة القاضي بيطار لإقتلاعه من مركزه كقاضي تحقيق في قضية تفجير المرفأ ولا شك أنه خطط لمسيرة الطيونة عن سابق تصور وتصميم بهدف واضح هو طمس حقيقة الإحتلال الإيراني للبنان وتصويره على أنه صراع طائفي بين الشيعة والمسيحيين.
2) مخطئ من يعتبر أن حزب الله بحالة ضعف وتخبط ولذا، أدّى به الأمر إلى ما أدّى إليه من قتلى وجرحى. فالضعف والتخبط لا يقاس بوجع الجماهير الشيعية نتيجة الأوضاع المعيشية المتدهوة ولا يقاس بما يعتبره حزب الله محاصرة "المقاومة" من قبل أعدائها الدوليين والإقليميين وحلفائهم في الداخل اللبناني.
3) بالمقابل، يقيس حزب الله قوته بما سوف تفضي إليه مفاوضات فيينا. وبات من المرجح أن تفضي هذه المفاوضات إلى إتفاق مع إيران حول الموضوع النووي حصرا" بحدود زمنية لا تتعدى بضعة أشهر قليلة تكون نتيجتها الإفراج عن عشرات ميليارات الدولارات الإيرانية المحتجزة في النظام المصرفي العالمي وبتدفق مالي من خلال بيع النفط والغاز الإيراني. إن هذه الأموال سوف تستخدم جزئيا" لتفعيل فيلق القدس ومحور المقاومة الذي يشكل حزب الله مكونه الرئيسي والذي يرأسه عمليا" السيد حسن نصر الله بعد موت الجنرال قاسم سليماني.
4) هدف حزب الله من هجومه على عين الرمانة إلى طمس طبيعة المشكلة الوجودية الخطيرة التي يعاني منها لبنان المتمثلة بالإحتلال الإيراني بوجهه اللبناني والطبقة السياسية المارقة القاتلة بمكوناتها كافة ولإستبدالها بحرب طائفية سخيفة بين مسلمين شيعة معتدين ومسيحيين يدافعون عن "مناطقهم". كما هدف إلى وضع جريمة المرفأ المروعة التي تكشف خطورة الإحتلال ومافيا السلطة مقابل جريمة الطيونة المفتعلة.
5) وهم التغيير من خلال المسالك الدستورية (إنتخابات نيابية ورئاسية وتشكيل حكومة). لا يوجد دولة لبنانية بل سلطة في يد حزب الله تعاونه القوى التابعة مباشرة له وتغطيه قوى "معارضة" بمشاركتها في الحكومة أو في البرلمان. وقد أكّدت في مقالات ومداخلات سابقة أن الإنتخابات النيابية لن تحصل وأن حزب الله هو المستفيد من إيهام اللبنانيين من حصول هذه الإنتخابات حيث تصبح الأولوية لكسب الإنتخابات وليس للتصدي الفعلي للمخاطر الوطنية.
في خريطة الطريق لخلاص لبنان
هنا يبرز دور بكركي المحوري في مسيرة التدويل الإنقاذية لملأ الخواء الوطني الذي أحدثته الطبقة السياسية المارقة. فبكركي تدعم ثورة الشعب اللبناني وتطالب بتحقيق الحياد الناشط والإيجابي وبمؤتمر دولي، إستنادا" على المرجعيات التالية:
1. المرجعيات اللبنانية: وهي الدستور، ووثيقة الوفاق الوطني (إتفاق الطائف 1989)، وإعلان بعبدا (2012) المعتمد كوثيقة رسمية من قبل الأمم المتحدة.
2. المرجعيات العربية: ينتمي لبنان إلى العالم العربي وهوعضو مؤسس لجامعة الدول العربية ويلتزم ميثاقها ومقررات قممها.
3. المرجعيات الدولية: وهي شرعة الأمم المتحدة، والشرعة العالمية لحقوق الإنسان، وقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بلبنان لا سيما القرارات 1559 و 1680 و 1701، وإتفاقية الهدنة مع إسرائيل الموقعة في آذار 1949.
ولكن، ما هي خريطة الطريق التنفيذية من أجل تحقيق هذا التدويل ؟
تشكيل تجمع واسع من القوى والشخصيات السيادية والثورية تعمل على تنفيذ خارطة الطريق التنفيذية التالية:
مفتاح الحل يكمن بالعمل الديبلوماسي الجاد لإقناع أصحاب القرار الدولي بأن مصلحتهم هم، هي بخلاص لبنان وليس بإندثاره وأن تقدم لهم خارطة طريق قابلة التحقيق مرتكزة على تدويل الوضع اللبناني بمعنى إتخاذ مجلس الأمن قرارا" يضع قرارات مجلس الأمن 1559 و 1680 و 1701 تحت الفصل السابع ويوسع مهام القوات الدولية (Finul) ويتخذ قرار بوضع لبنان تحت الإنتداب الدولي وفقا" للفصل الثاني عشر والثالث عشر من شرعة الأمم المتحدة، وذلك لأن لبنان بلد مخطوف ليس بمقدوره أن يحرر نفسه ولأن اللبنانيين باتوا غير قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم ولأن لبنان محتل ولأن الدولة اللبنانية باتت في خبر كان وبالتالي فقدت عضويتها حكما" في الأمم المتحدة ولأن لبنان أسير قضية إنسانية غير قابلة للمعالجة لبنانيا" في ظل سلطة مجرمة، والأهم أن لبنان بات قنبلة موقوطة للأمن والإستقرار والسلام في المنطقة.
في إطار الوصاية الدولية الآنفة الذكر، يجب تشكيل سلطة مؤقت عسكرية-مدنية على شاكلة ما حدث في السودان، مشكلة من نخبة عسكرية ونخبة مدنية، تعلق الدستور وتعمل تحت الرقابة الدولية على تنظيف مؤسسات الدولة كافة من آثار المحاصصات والفساد بهدف العودة في مرحلة لاحقة إلى تنفيذ الدستور. فتجرى حينذاك إنتخابات نيابية وفق قانون جديد ثم إنتخابات رئاسية وتشكيل حكومة، مما يشكل تمهيدا" لرفع الوصاية الدولية وتعافي لبنان السريع في كل المجالات، ولا سيما في المجالين الإقتصادي والمالي، على قاعدة إعادة ثقة الشعب وثقة المجتمع الدولي والعربي والإنتشار اللبناني بالدولة اللبنانية.
عندها، تصبح الطريق معبدة داخليا" وخارجيا" لإستحصال لبنان على حياده الناشط والإيجابي، صونا" لكيانه ودولته وشعبه على المدى الإستراتيجي.
ويبقى كل الأمل في أن شبيبة الثورة سوف تعرف كيف تحافظ على لبنان وتمنع إعادة إنتاج طبقة سياسية مارقة بعد قيام السلطة المؤقت بإقتلاع آثارها في مؤسسات الدولة كافة.