"رضى" دولي وتحذير أوروبي... العقوبات على الطاولة
كتب أديب أبي عقل:
المركزية- الرضى الدولي عن مسار الأوضاع في لبنان بعد تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لا يزال حتى الساعة في إطار الموقف من دون تسجيل أية خطوة عملية ملموسة على صعيد الإفراج عن المساعدات الموعودة للشعب اللبناني، في انتظار مبادرة السلطة إلى البدء بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي، من خلال المفاوضات مع صندوق النقد الذي يشكل المفتاح لإطلاق هذه المساعدات.
فخريطة الطريق واضحة، وتنطلق من سلسلة خطوات اصلاحية، تترجم صدقية أهل السلطة بما يعيد الثقة الدولية، من خلال الاتحاد الأوروبي وتحديداً فرنسا، التي تتصدّر واجهة التحرك نحو حضّ المسؤولين على إنقاذ ما تبقى من مقومات الوطن، وما تبقى من رصيد للعهد صُرف معظمه على سياسات كيدية وانتقامية وحسابات انتخابية ورئاسية، ارتكزت إلى إلغاء أو تهشيم صورة أي مرشح إنقاذي مطروح، وفي طليعة هؤلاء قائد الجيش العماد جوزف عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
ذلك ان تذاكي المسؤولين اللبنانيين عبر إعلان التعاون مع المجتمع الدولي ومطالبته بالمساعدة، في وقت لا تزال البوصلة السياسية تشير إلى الاتجاه شرقاً، قوبل بإبقاء سيف العقوبات مسلّطاً في انتظار موعد الإعلان الرسمي الأوروبي عنه، بعد تأمين الإجماع الذي يوفره أداء الحكومة اللبنانية في المرحلة المقبلة.
وهذا الأداء تترجمه الخطوات المرتقبة على مستوى الإصلاح في مجالات عدة، في طليعتها ملف الطاقة واستجرار المحروقات والغاز، والتعيينات الأساسية لحسن سير العمل في بعض المرافق ذات الصِّلة بتحسين الوضع المعيشي والحياتي اليومي المزري للبنانيين، فضلاً عن احترام مواعيد الاستحقاقات الدستورية، التي تشكّل محطة أساسية يعبّر فيها اللبنانيون عن إرادتهم في اختيار ممثليهم في مراكز القرار.
وما عبّر عنه وزير الدولة للشؤون الخارجية الألماني في زيارته الأخيرة لبيروت، وفي لقاءات غير رسمية بعيدة من الإعلام، يعكس الرأي الأوروبي الذي تقوده فرنسا حيال الأوضاع في لبنان، مشدداً على أهمية ان ينأى لبنان بنفسه عن التورط، أو توريطه، في محاور لا يرغب له المجتمع الدولي في الانتماء اليها إرادياً أو قسراً، لأن ذلك يعيده حتماً إلى الوضعية التي كان فيها قبل تأليف الحكومة.
ويعوّل الأوروبيون على أن يستطيع الرئيس ميقاتي إحداث خرق في الجدار العربي والدولي المنصوب في وجه لبنان، والمؤشر العملي هو الموقف السعودي الذي سعت فرنسا إلى تليينه عبر الرئيس إيمانويل ماكرون مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أو من خلال ايفاد وزير خارجيته جان ايف لودريان إلى المملكة، من غير نتيجة إيجابية لغاية الآن.
يضاف إلى ذلك موضوع التحقيق في جريمة المرفأ، حيث يستغرب الفرنسيون بنوع خاص، تلطي المستدعين إلى التحقيق بالحصانات وتمسّكهم بأهداب القانون، وغالبيتهم داسوه وقفزوا فوق مواده عندما كانوا في السلطة التنفيذية، ويتهرّبون اليوم من المثول امام المحقق لسماع ما لديهم من معلومات ومعطيات من شأنها أن تنير التحقيق للتوصل إلى الحقيقة في ثالث تفجير بهذا الحجم بعد قنبلتي هيروشيما وناغازاكي النوويتين.
فالرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي مثل امام القضاء الفرنسي وامتثل للحكم الذي صدر وقضى بسجنه سنة. كذلك، مثل والرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون أمام محقق مستقل وكان ذلك أثناء وجوده في السلطة، فيما المستدعون اللبنانيون إلى التحقيق يتذاكون ويتحايلون على القضاء، في وقت يُفترض فيهم أن يضعوا أنفسهم تلقائياً في تصرف التحقيق، في جريمة أودت بأكثر من مئتي ضحية وآلاف الجرحى والمعوقين ودمَّرت ثلث العاصمة.
لذلك، تبدو المرحلة المقبلة غير مريحة لأهل السلطة في لبنان، حيث الثقة الداخلية بها لا تزال معدومة، والثقة الخارجية تنتظر الخطوات الإصلاحية، التي قد لا تبصر النور في ظل عدم انسجام بدأ يطفو على سطح الساحة بفعل ممارسات حصلت أخيراً، وستكون لها تداعياتها السلبية في المستقبل القريب، لأنها أظهرت ان "العراضات" والتصرفات الاستعراضية الإملائية التي حصلت وتحصل، وسط صمت مطبق من المسؤولين، تعزز الموقف الدولي نحو تطبيق تحذيراته بفرض العقوبات التي يرى فيها المعاقَبون قوة لهم ولمواقفهم السياسية، فيما هي في الوقع عزلة لهم ستظهر مفاعيلها عند الاستحقاقات النيابية والرئاسية المقبلة ... ولكن بعد فوات الاوان.