فوضى في الخارجية.. والوزير: التشكيلات قريباً
كتبت ملاك عقيل في اساس ميديا:
في الفترة الماضية باتت وزارة الخارجية عنواناً لِما يشبه أفلام الأكشن البعيدة كلّ البعد عن "الدبلوماسية". عناصر من جهاز أمن الدولة يقتحمون مبنى الخارجية للتحقيق في تسريب وثائق ومراسلات إلى الإعلام، وخلافات بين كبار سفراء وموظفي الإدارة المركزية، ودعاوى عالقة في مجلس شورى الدولة، وأخيراً "مشكل" بين الأمين العام السفير هاني شميطلّي ووزيرة الخارجية السابقة زينة عكر تخلّله تسكير و"تكسير" أبواب وضرب ودعوى وتحقيق عسكري لم يحصل مع الوزيرة، وتمّ حفظه بوساطة حزبية.
أسقط تشكيل الحكومة أخيراً حجج البعض لعدم صدور تشكيلات دبلوماسية تأخّرت منذ عام 2019 لأسباب سياسية وحسابات شخصية مرتبطة حتّى بمصالح سفراء موجودين في الخارج و"مرجعياتهم" في لبنان، لتأتي بعدها الأزمة الخطيرة في لبنان وتضع الملف في "الحفظ".
كان عدم بتّ المناقلات والترفيعات أحد أوجه هذا الارتخاء الدبلوماسي والترهّل في جسم الإدارة. طبعاً ستكون التشكيلات عبارة عن كرة نار بيد الوزير المعيّن حديثاً عبدالله بو حبيب، تُؤجّجها المعايير السياسية والطائفية والمذهبية في فرز السفراء، بالتزامن مع مرحلة انتقالية من عهد إلى آخر. لكنّ عدم إصدارها قبل نهاية العام سيؤدّي إلى مشكلة أكبر.
يقول الوزير عبدالله بو حبيب لـ"أساس": "سأسعى جهدي من ضمن جدول أولويّاتي التنظيمية والإدارية لإقرار التشكيلات الدبلوماسية قبل نهاية العام، خصوصاً أنّ هناك سفراء أصحاب حقوق بهذه المناقلات والترفيعات، وقد استمعت إليهم، ولا يجوز التأخُّر أكثر في بتّ تشكيلات يحتاج إليها الكادر الدبلوماسي بأقصى سرعة، ولا سيّما في ظل الأزمة القائمة ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية".
وعمّا إذا كان "الجوّ" السياسي سيسمح بإقرارها في غضون أشهر قليلة قبل دخول مدار الانتخابات النيابية، يوضح بو حبيب: "أنا أسلّم بأنّ هذه التشكيلات تحتاج إلى مشاورات مع كل المسؤولين، ولا أستطيع حسمها مع رئيس الحكومة فقط، وسأباشر هذه المشاورات قريباً".
آخر دفعة من التشكيلات الدبلوماسية صدرت عام 2018 تحت مظلّة التسوية بين الرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل، ومن ضمنها عُيِّن الأمين العام لوزارة الخارجية ومدير الشؤون السياسية ومدير الشؤون الإدارية.
سفارات شاغرة وسفراء يجب أن يعودوا لكن منذ نحو سنتين، ارتفع تدريجياً عدد السفارات اللبنانية الشاغرة في عواصم العالم بسبب إحالة سفراء إلى التقاعد، فبلغ 11 سفارة شاغرة على مستوى سفير، من ضمنها واشنطن والكويت وقطر، إضافة إلى انتهاء المدّة القانونية لشغل سفراء مواقعهم في الخارج، المحدّدة بعشر سنوات للفئة الأولى وسبع سنوات للفئة الثانية، وتجاوز مهلة السنتين التي يقتضي بعدها نقل سفراء ودبلوماسيين من الإدارة المركزية إلى البعثات في الخارج. وهذا ما يشكّل مخالفة للقانون وإجحافاً كبيراً بحقّ سفراء آخرين.
فوق كلّ ذلك تمدّدت انعكاسات الأزمة المالية والاقتصادية على الجسم الدبلوماسي العامل في بيروت، إذ أدّت إلى حدوث فجوة هائلة بين دبلوماسيّي الداخل والخارج قادت إلى ارتفاع عدد طالبي الاستيداع من الوظيفة والتوقّف المؤقّت عن الخدمة.
ولأسباب متعدّدة لم يتمكّن وزراء الخارجية ناصيف حتّي وشربل وهبة وزينة عكر من إقرار التشكيلات الدبلوماسية في مرحلة تخلّلتها استقالة حكومتين وأشهر من تصريف الأعمال واستفحال الخلافات السياسية بين قوى المنظومة، الأمر الذي أثّر بشكل مباشر على طبخة التشكيلات التي لا ترى النور من دون موافقة قادة الـ"لويا جيرغا".
Ads by optAd360
وعَكَسَ الإشكال الأخير في الخارجية بين شميطلّي وعكر ضرورة وضع حدّ لإحدى الحالات الشاذّة في السلك الدبلوماسي التي تمثِّل "جُرصة" فعليّة للبنان في الخارج.
فشميطلّي الآتي نتاج توافق بين باسيل والحريري، قد راكَمَ الكثير من "الحنبلية" على الرغم من تسليم كثيرين بخبرته الإدارية. وهو بالطبع من الذين ستشملهم التشكيلات بعد أربع سنوات قضاها في موقعه "وجّعت رأس" الجميع. ومن المفترض أن يُعيَّن سفيراً في دولة بارزة "محسوبة" من ضمن الحصّة السنّيّة.
وتعيين شميطلّي أميناً عامّاً بحدّ ذاته (من دورة 1998، ولم يكن قد عُيّن سفيراً في أيّ دولة) كان استثناءً، إذ قفز فوق مَن هم أحقّ منه بالرتبة، ثمّ انتهج مساراً حادّاً وجادّاً في العمل باستحداثه أمانة عامّة ذات استقلالية كاملة. وكان يشغل هذا الموقعَ تاريخيّاً سفراءُ "عتاق" من الوزن الثقيل في السلك أمثال ظافر الحسن وزهير حمدان (شغلا موقع سفراء في الخارج لأكثر من عشر سنوات) وهشام دمشقية...
قطيعة بين الفريق في الوزارة
واليوم تسود قطيعة كاملة ودعاوى جزائية بين شميطلّي ومدير الشؤون السياسية غدي خوري ومدير الشؤون المالية والإدارية كنج الحجل. مع العلم أنّ هؤلاء الثلاثة هم نواة اللجنة الإدارية المولجة تقويم عمل الدبلوماسيين، وتقديم اقتراحات بالتشكيلات الدبلوماسية والترفيعات، ورفع توصيات إلى وزير الخارجية.
وفيما وضع وزير الخارجية بو حبيب، سفير لبنان السابق في واشنطن والخبير في دهاليز العالم الدبلوماسي، بند التشكيلات على رأس الأولويّات، يحتاج الأمر قبل أيّ شيء آخر إلى توافق سياسي وفق منطق المحاصصة وتقاسم "النفوذ" الدبلوماسي بناءً على الأحجام، وكالعادة في غياب المعايير الموحّدة.
يقول دبلوماسي بارز لـ"أساس": "يحتاج الوزير الجديد إلى تشكيل فريق عمله، وهذه الخطوة مرتبطة بالتشكيلات. فهناك سفراء في الإدارة المركزية ينبغي أن "يُشكّلوا" إلى البعثات في الخارج، وسفراء أمضوا المدّة القانونية وتنبغي عودتهم إلى "الإدارة المركزية" لتسلُّم مواقع في بيروت، وهذا أمرٌ ضروريّ وملحّ لإعادة تجديد الدم في السلك الدبلوماسي. والأهمّ وضع حدّ لكمّ من المشاكل والعداوات التي تؤثّر بشكل مباشر على نمط العمل الذي يعكس صورة لبنان الحقيقية في الخارج".
وتؤكّد مصادر مطّلعة على الملف الدبلوماسي أنّ "هناك حاجة ملحّة إلى إصدار تشكيلات سريعة ومُصغّرة قبل نهاية العام تؤدّي إلى ملء الشغور في السفارات، وإرسال مَن هم في الإدارة المركزية إلى الخارج، وعودة سفراء تجاوزوا المهلة القصوى لتمثيل لبنان في الخارج إلى "المركزية" وتسلُّم مواقع هنا".
ويبدو أنّ التشكيلات ستمرّ بقطوع حاسم. ففي حال عدم صدورها قبل نهاية العام، فإنّ ذلك سيعني تأجيلاً حتى بداية العام الجديد الذي سيكون مكرّساً وفق أجندة الاهتمامات السياسية للانتخابات النيابية في أيار، التي يُفترض أن يشارك فيها المغتربون اقتراعاً (إذا لم يُطيَّر بند اقتراع المغتربين من قانون الانتخاب)، ويصعب حينذاك تغيير السفراء، ثمّ يحين أوان الانتخابات الرئاسية في تشرين الأول.
وقد درجت العادة أن لا تصدر تشكيلات تحمل توقيع رئيس الجمهورية في آخر عهده تُلزِم الرئيس الذي سيُنتخب من بعده. وهذا يعني أيضاً تأجيل التشكيلات الدبلوماسية حتى عام 2023، أي إلى ما بعد انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة، هذا إذا انتُخب رئيس جديد.
وفي هذه الحال، يقول مطّلعون: "يُصبِح لزاماً إجراء تشكيلات دبلوماسية موسّعة، بحيث يتضخّم كادر التشكيلات، فيصبح مثلاً مَن تجب عودتهم من الخارج أكثر من 60 سفيراً، ويكون مَن هم في الإدارة المركزية قد بقوا نحو خمس سنوات في مواقعهم خلافاً للقانون، إضافة إلى سفراء "شلّشوا" في الخارج أربع سنوات "زيادة" عن مدّة العشر سنوات المسموح بها. وقد لا يوجد عددٌ كافٍ من الدبلوماسيين لترقيتهم من مستشارين إلى سفراء في السفارات في الخارج، وستكون المشكلة كبيرة، إذ قد يبقون في مواقعهم لأنّه لا بديل عنهم".