"الخارجية" لسفارات لبنان: سنفرض إجراءات تقشفية
كتبت غادة حلاوي في "نداء الوطن":
كان صعباً ان تنجو البعثات الديبلوماسية من تداعيات الازمة الاقتصادية وآثارها التي اصابت كل القطاعات والمرافق العامة فكيف تستثنى سفارات منتشرة في دول العالم بميزانيات بعضها لم يعد للدولة قدرة على تسديدها فكان النداء الاخير بضروة شد الأحزمة والبداية من خفض بدلات الايجارات قابله رفع الرسوم التي لم ترفع منذ عشرين عاماً تقريباً.
خلال اجتماع عبر تقنية زووم ناقشت وزيرة الخارجية والمغتربين بالوكالة زينة عكر مع سفراء لبنان المعتمدين في الخارج وعددهم 85 سفيراً وبعثة وقنصلية كيفية خفض النفقات تماشياً مع الازمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان اذ لا يمكن لبلد يستنجد بالعالم لمساعدته على سد احتياجاته الطبية والحياتية الا ان يقلص نفقات بعثاته الديبلوماسية الموجودة في الخارج ويعيد النظر في كثير من الاوضاع سلباً او ايجاباً بما يتوافق وأزمته ولا يؤثر على حضور لبنان الديبلوماسي ويضر بمصالح رعاياه في الخارج ويعيق شؤونهم في الاغتراب. ناقشت عكر الاوضاع السائدة وحجم النفقات تماشياً مع الظروف المعنية لكل بلد واين يمكن تخفيض الموازنة، وابلغتهم ان الوزارة بصدد اتخاذ سلسلة اجراءات في ظل انعدام الامكانيات بما يجعل ابقاء الميزانيات على حالها امراً غير ممكن في الظروف الراهنة. وقد اتخذ القرار فعلاً بتخفيض بدل ايجار مقر اقامة السفير او البعثة الديبلوماسية في مقر اقامتها والحد من المصاريف غير الضرورية والتي تسدد بالعملة الصعبة حكماً ما يرتب اعباء عالية على خزينة الدولة.
تتراوح إيجارات المنازل بين 6 و10 آلاف دولار شهرياً وقد تزيد او تنقص نسبة للبلد وهذا يتوقف على سعر العقار، فضلاً عن مصاريف اخرى تتعلق بالراتب وبدل خدمات اخرى مختلفة وشاملة من بينها مثلاً الطباخ وعامل الحديقة وما الى هناك. علماً ان هناك عقارات مملوكة من الدولة او تملكتها الجاليات اللبنانية وقدمتها للدولة وهذه موجودة خصوصاً في دول الخليج ونادراً ما تتكفل الدولة حتى بأعمال صيانتها. لكن عموماً هناك نفقات مرتفعة تستوجب اعادة النظر بها ولو بصورة موقتة الى حين جلاء الازمة. رغم حساسية الموضوع وتعقيداته ومحاذيره غير ان السفراء والبعثات الديبلوماسية المشاركة بالاجتماع أبدت تفهمها واعتبرت ان الكثير من الافكار المطروحة عرضة للنقاش بما لا يتعارض وصورة لبنان في الخارج وحاجته لتعزيز حضوره وليس الحد منه.
غير ان خطوة كهذه تستلزم وقتاً قبل ان تظهر انعكاساتها على خزينة الدولة خصوصاً وان هناك عقوداً مبرمة تتصمن بنوداً جزائية في حال تم فضها قبل موعدها، اما تلك التي انتهت فسيصار حكماً الى عدم تمديدها والبحث عن بدائل اقل كلفة على مستوى الايجار والخدمات المرفقة. والسفراء والبعثات الديبلوماسية باتوا يتعاطون على هذا الاساس وكانت البداية من سفارة لبنان في اليونان حيث انتهى عقد الايجار ولم يتم تجديده الى حين تعيين سفير جديد.
في المقابل سيصار الى اصدار قرارات من شأنها تحسين الموارد المادية للسفارت من خلال اعادة النظر في الرسوم المفروضة على معاملات اللبنانيين المغتربين وغيرها من الخطوات. يوجد ثلاثة انواع من السفارات التي تمثل لبنان في الخارج: واحدة تدخل اموالاً للدولة واخرى لا تحمّلها اعباء وتغطي مصاريفها الى حد ما وثالثة تحتاج الى ميزانية وعليها مصاريف وعاجزة عن تغطية مصاريفها. ولذا اتخذت عكر قراراً برفع بدل الرسوم والمعاملات في السفارات اللبنانية. وخلال دراسة مفصلة تبين ان الرسوم التي تتقاضاها السفارات لا تزال هي ذاتها ولم يطرأ عليها اي تغيير منذ عشرين عاماً ما يستوجب رفع بدل اجراء معاملات الزواج والولادة وغيرها من الامور المتعلقة بتسوية الاوضاع الشخصية للبنانيين المقيمين في الخارج.
وبالنظر الى زيادة عدد اللبنانيين المتواجدين في الخارج والذي تزايد اضعافاً مضاعفة خلال العامين الماضيين صار تسهيل امورهم ضرورة وتقديم الخدمات لهم بجودة عالية وبصورة سريعة خاصة وان هؤلاء يشكلون عصب الحياة للبنانيين المقيمين في لبنان. ما يستلزم تعزيز التمثيل الديبلوماسي في الخارج ليكون السند الذي يتكئ عليه لبنان في مواجهة ازماته خصوصاً اذا كنا امام بعثات ديبلوماسية وسفراء ناشطين موجودين حالياً ولهم دورهم سواء في الكويت او غيرها من الدول العربية والاجنبية يؤمنون مشاريع دعم لبلادهم ويبحثون في توسيع افق الاستثمار في مجالات تجارية ومشاريع مختلفة يمكنها ان تغطي مصاريف السفارة على امتداد عام.
موضوع آخر قيد البحث والتشاور بين الوزيرة والبعثات الديبلوماسية يتعلق بدور الملحقين الاقتصاديين في السفارات وأهميته في وقت تبدو الحاجة ماسة الى الحد من النفقات، وثمة من اعتبر ان اي قرار بإلغاء عمل هؤلاء وعددهم نحو 18 ملحقاً اقتصادياً يستوجب الوقوف على رأي الهيئات الاقتصادية لا سيما في المحنة التي يمر بها لبنان وحاجته الى فتح ابواب اقتصادية جديدة امام المستثمرين اللبنانيين.
لاقت خطوة عكر تفهماً في الاوساط الديبلوماسية التي تمنت لو يصار الى اعادة النظر بخريطة التمثيل الديبلوماسي للبنان بما يتناسب وأزمته فيتم التوجه نحو الدول الاسكندنافية كالنروج والدانمارك التي ترصد موازنات هائلة على سبيل المساعدات. لتؤكد حاجة لبنان الى الانفتاح على الخارج بما يسعفه في معالجة اوضاعه خصوصاً وان كلفة التمثيل الديبلوماسي لا توازي بدل كلفة باخرتي نفط مدعومتين!
بين المس بتمثيل لبنان في دول الاغتراب هو في امس الحاجة اليه، وشد الاحزمة خيط رفيع يستوجب التعاطي بحذر وديبلوماسية فائقة لان في الخارجية والبعثات الديبلوماسية الممثلة في الخارج ما يجعل السير على خطى معالجتها كالسير في حقل الغام سياسي وطائفي.ِ