مئوية لبنان الكبير... لا سيادة ولا وطن يُحتفل به
ماكرون يؤنب المسؤولين: التغيير او العقوبات عليكم
قمة لبنانية-فرنسية وتشديد على تشكيل سريع وحكومة اختصاص
المركزية- 1 ايلول 1920 – 1 ايلول 2020 . مئة عام مضت من عمر وطن كان يفترض ان يحتفل بها مزدهرا متألقا مزهوا بتطوره اقتصاديا واجتماعيا وامنيا، تماما كما بعض الدول العربية التي كان لبنان في زمن الستينات قبلة انظارها. في يوم كهذا، ولو كان في لبنان مسؤولون وطنيون يدينون له الولاء لاصطفّ اللبنانيون في الشوارع تهليلا وتصفيقا واحتفالا بمئوية وطن يحبون، ولعمّت الاحتفالات البلاد في كل مدينة وقرية. نزل اللبنانيون الى الشارع اليوم، صحيح، لكن ليلعنوا منظومة سياسية جعلتهم يبكون لبنانهم المنهار المفلس المُعاقب الذي حوّلوه الى "لقمة سائغة" في فم الدول التي تستثمر فيه امنيا وسياسيا وتوظفه في صراعاتها الدولية. نزلوا ليطالبوا بلبنانهم الذي لا يشبه الطبقة المتسلطة الفاسدة التي ضحّت بالوطن لحساب مصالحها وانانياتها وتسوياتها. هم الان في الشارع مخجولون لكثرة ما انبّ المسؤولون الدوليون حكامهم فيما هم لا يرف لهم جفن ويمضون في صفقاتهم على انقاض قلب الوطن الممزق وعلى جثث ابنائه الذين قضوا في زلزال حرّكت اياديهم السوداء واهمالهم في اداء واجبهم الوطني فَيالقه فانهارت بيروت على من فيها.
وفيما المسؤولون اللبنانيون "في عالمهم المحاصصتي" ينبري الدوليون الى المساعدة والانقاذ واكثر، يتوالون تباعا على زيارة لبنان من كل حدب وصوب ينصحون يؤنبون ويهددون فماذا بعد؟ قالها اليوم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في ثاني زياراته لبيروت، على ان تتبعها ثالثة في كانون الاول وعشية وصول الموفد الاميركي مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى ديفيد شينكر الى بيروت ليلا "الأشهر الثلاثة المقبلة أساسية للتغيير الحقيقي في لبنان، وإذا لم يحدث ذلك، فسأغير مساري وسنحجب خطة الإنقاذ المالية ونفرض عقوبات على الطبقة الحاكمة".
حضور فرنسي قوي: في مئوية لبنان الكبير، حضور فرنسي وجداني لكن ايضا سياسي قوي على الساحة اللبنانية. فمن غابة أرز جاج حيث غرس أرزة، انتقل الى وسط العاصمة حيث كان له لقاء مع ممثلي المجتمع المدني وجولة في المرفأ، تخللتهما مواقف لافتة متعلقة بالملفات اللبنانية كلها وعلى رأسها تشكيل الحكومة العتيدة غداة تكليف الرئيس مصطفى اديب وعشية الاستشارات التي يجريها الاخير غدا في عين التينة.
عقوبات واستعداد للدعم: ففيما قال ماكرون في حديث لـ"Politico": "الأشهر الثلاثة المقبلة أساسية للتغيير الحقيقي في لبنان، وإذا لم يحدث ذلك، فسأغير مساري وسنحجب خطة الإنقاذ المالية ونفرض عقوبات على الطبقة الحاكمة"، أبدى استعداده لتنظيم مؤتمر دعم دولي جديد للبنان الشهر المقبل بالتعاون مع الأمم المتحدة، بينما يمارس في بيروت ضغوطاً على القوى السياسية للإسراع في تشكيل حكومة بمهمة محددة. وقال ماكرون خلال حوار مع ممثلين عن المجتمع المدني والأمم المتحدة على متن حاملة المروحيات "تونّير" في مرفأ بيروت "نحن بحاجة إلى التركيز خلال الأشهر الستة المقبلة على حالة الطوارئ وأن نستمر في حشد المجتمع الدولي"، مضيفاً "أنا مستعد لننظم مجدداً، ربما بين منتصف ونهاية تشرين الأول، مؤتمر دعم دولي مع الأمم المتحدة".
لتشكيل سريع: وفي حديث لمحطة فرنسية، قال من المرفأ: لا أعرف الرجل الذي تمّ تكليفه إثر الاستشارات وأتى نتيجة المشاورات ونأمل بأن يتحلّى بالكفاءة المطلوبة ولا بدّ من تشكيل الحكومة بسرعة وإصلاح قطاع الكهرباء ومكافحة الفساد وإصلاح معايير التعاقد الحكومي والنظام المصرفي . واضاف "إقترحت آلية متابعة للأشهر القليلة المقبلة لأنّنا لن نحرّر أموال سيدر طالما لم يتمّ تنفيذ الإصلاحات". وتابع "لا أتساهل مع هذه الطبقة السياسية في لبنان ولا أستطيع أن أطرح نفسي كبديل عنها والانتخابات الجديدة هي المساحة التي سيعبّر من خلالها الشعب عن غضبه وعليه أن يفرز مسوؤلين جددا". واعتبر ماكرون ان "حزب الله" هو حزب يمثّل جزءاً من الشعب اللبناني وإذا لم نُرد أن ينزلق لبنان إلى نموذج يسيطر فيه الإرهاب على حساب أمور أخرى يجب توعية "حزب الله" وغيره من الأحزاب على مسؤولياتها".
قمة في بعبدا: ولاحقا، عقدت قمة لبنانية- فرنسية بين الرئيسين ميشال عون وايمانويل ماكرون في القصر الجمهوري في بعبدا، قرابة الثالثة والنصف بعد ان وصل الاخير الى القصر حيث اقيم له استقبال رسمي. وانضم رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الخلوة الثنائية بين الرئيسين. وخلال غداء اقامه على شرف نظيره القى الرئيس عون كلمة اكد فيها "ان املنا اليوم يرتكز على تشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على اطلاق ورشة الإصلاحات الضرورية، من اجل الخروج بالبلد من الأزمة الحالية. والامل يكمن أيضا في جعل آلامنا حافزا يدفعنا الى ان نغدو دولة مدنية، حيث الكفاءة هي المعيار والقانون هو الضامن للمساواة في الحقوق. وانني تحقيقا لهذه الغاية، التزمت الدعوة الى حوار وطني لكيما نبلغ الى صيغة تكون مقبولة من الجميع. فليكن الأول من ايلول 2020، محطة انطلاق للبنان جديد، حيث المواطن هو الملك وليس زعماء الطوائف: دولة حديثة تستجيب لانتظارات الشعب وتطلعات شبيبتنا الذين هم مستقبل البلد.
وفي سياق متصل، اشارت الـLBCI الى ان الرئيس الفرنسي أبدى لرئيس الجمهورية خلال اللقاء الذي جمعهما أمس في المطار ارتياحه لطرح اقامة الدولة المدنية في لبنان. كما جرى بحث الملف الحكومي وتكرار للموقف الفرنسي المشجع على الاصلاحات لحصول لبنان على دعم المجتمع الدولي.
مؤتمر صحافي: ويعقد بعد الظهر، لقاء بين الرئيس ماكرون والبطريرك الماروني بشاره بطرس الراعي، في قصر الصنوبر، فلقاء مع المسؤولين السياسيين اللبنانيين. وينهي زيارته بمؤتمر صحافي في قصر الصنوبر.
وعلمت "المركزية" ان ماكرون لن يغادر بيروت كما كان مقررا، بعدما تأخرت مواعيده على ان يغادر غدا الى العراق.
دريان – اديب: وسط هذه الاجواء، استقبل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى، الرئيس المكلف مصطفى أديب الذي قال بعد اللقاء: "تشرفت بلقاء سماحته وبزيارة هذه الدار المباركة لأخذ بركته والاستنارة بآرائه، التي تتمثل دائما بالموضوعية والاعتدال والوسطية، ادع لنا بالتوفيق وان شاء الله نسعى في أسرع وقت ممكن إلى تشكيل الحكومة الجديدة". وردا على سؤال قال: "الوقت اليوم ليس للكلام بل للعمل، وبهمة الأوادم وبدعم الجميع نتوصل إلى تشكيل الحكومة". وهنأ المفتي دريان الرئيس أديب "بتكليفه تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة وبالثقة التي أولاه إياها النواب، وتمنى له التوفيق في تشكيل حكومة وطنية، والنجاح في المهام الملقاة على عاتقه".
التحقيق المالي: وسط هذه الاجواء، وقّع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني وفقاً لقرار مجلس الوزراء بتاريخ 28/7/2020 ، ثلاثة عقود تتعلّق بالتدقيق الجنائي مع شركة Alvarez & Marsal والتدقيق المالي والحسابي مع شركتي Oliver Wyman و KPMG. ولاحقاً، غرّد رئيس الجمهورية على حسابه عبر "تويتر" قائلاً: "تمّ اليوم توقيع عقد التدقيق المالي الجنائي، الخطوة المفصلية المنتظرة على طريق الاصلاح ومكافحة الفساد. وكما سبق وتعهّدت بمتابعتي له حتى يأخذ مجراه الى التوقيع، اجدّد التعهد الان بمتابعتي له حتى يأخذ مجراه في التنفيذ".
سلامة: ماليا ايضا، أكّد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنّ "زيادة رؤوس المال إلزامي للمصارف، ومَن لن يلتزم سيكون خارج السوق اللبنانية بعد شباط"، لافتاً إلى أن "أحدث قرارات بشأن متطلبات البنوك ستساهم في استقرار سعر صرف الليرة". وشدّد في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، على "وجوب إعادة نحو 30% من الأموال التي خرجت من البنوك اللبنانية"، موضحًا أنّ "حجم السوق السوداء لا يؤثر على أسعار العملة". وقال: الاحتياطات النقدية بلغت 19.5 مليار دولار عدا احتياطات الذهب، ولن نستخدم الاحتياطي النقدي الإلزامي. وأعلن التواصل مع البنك المركزي الفرنسي، قائلاً: "دفاترنا مفتوحة للجميع". وأمل سلامة في أن "تنفذ الحكومة المقبلة إصلاحات سريعة"، متمنياً التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي واستمرار المفاوضات.
مزيد من الهدر: وفي السياق، سألت مصادر مطّلعة على الشأن المالي عن جدوى هدر ملايين الدولارات التي يحتاج لبنان الى كل فلس منها على شركات تدقيق دولية، ما دامت في لبنان هيئات مختصة تُصرف عليها ايضا اموال الدولة سائلة عن الهدف من استمرار وجود هذه الهيئات اذا كانت الثقة منعدمة بها. وقالت لـ"المركزية" لمن فاته العلم، فإن اموال اللبنانيين ليست في المصرف المركزي الذي كلفت شركة عالمية التدقيق في حساباته بل في المصارف، علما ان ثمة شركتين تراقبان عمل "المركزي" وتدققان فيه. واضافت ان توقيع العقود الثلاثة مع الشركات اليوم، والتي يتغنى المسؤولون بأنها بداية الاصلاح، ليست سوى مزيد من الهدر في دولة مفلسة منهارة والاجدى بالمسؤولين عوض صرف ملايين الدولارات لمؤسسات اجنبية لقاء التدقيق في حسابات مؤسسات لبنانية ان يبدأوا مسيرة الاصلاح من مؤسسات الرقابة وهيئات التفتيش لتضطلع بعملها الذي تتقاضى لقاءه بدلات مادية من دون ان تعمل.