رسائل مضللة تشوّش على المجتمعات المضيفة تهدد وتتوعد ...الأرض لنا وسنبني ما تدمر فوقها!
جوانا فرحات
المركزية- أن تستمر أبواق بعض "الزجالين" التي تدعي أنها تنطق بلسان المكوِّن الشيعي الذي نزح من القرى والبلدات التي تعرضت ولا تزال للغارات الإسرائيلية العنيفة بنشر أخبار مضللة وتهديدات مباشرة لأهالي المجتمعات المضيفة على رغم كلّ ما جرى ويجري يوميا من قصف ودمار، فهذه جريمة بحق ابناء المجتمعات المضيفة ، والمكوّن الشيعي خصوصا.
وما ليس واضحا بالمقابل الهدف من نشر رسائل مكتوبة وصوتية تحرّض على افتعال إشكالات وإثارة النعرات الطائفية وفقء عيون كل من يعترض خياراتهم في البقعة الجغرافية المتواجدين فيها. فهل تكون هذه الرسائل المشفرة تمهيدا لخارطة وجودهم لحظة تتوقف لغة القصف والموت الجماعي؟ هل هي دليل على رد الفعل للهزيمة والخسائر التي مني بها حزب الله وارتد ذلك نكبة على بيئته؟ ما المقصود من التطاول على المقامات الروحية المسيحية بدءا من رأس بكركي وصولا إلى كهنة الرعايا في البيئة المضيفة ورهبانيات الأديرة؟
نتكلم عن "هؤلاء الزجالين"ولا نعمّم. ففي التعميم تعمية. و"هؤلاء" قد يكونون من خارج المكون الشيعي النازح، وقد يكونون من فئة "المندسين" والمخربين والدليل ما كشفته مخابرات الجيش من هويات بعض المفتنين الذين أوقفتهم على خلفية كتابة مناشير محرضة أو القيام بأعمال تخريبية. إلا أن النتيجة تخدم مشروع الفتنة التي يصر المسؤولون على وأدها في مهدها في كل مرة يحاول "أحد هؤلاء" إشعالها.
من هذه النماذج ما استهله "أحد هؤلاء" اليوم على صفحات التواصل الإجتماعي ردا على كلام للنائب في تكتل الجمهورية القوية زياد حواط منذ يومين حيث اعتبر "الزجال" أن "الأملاك التي يبنيها ومعه عائلات من النازحين الشيعة على أوقاف تابعة للبطريركية المارونية في أفقا ورثناها عن أجدادنا التي صودرت أملاكهم عقب ثورة طانيوس شاهين"...ويضيف "ها نحن نعيش اليوم محنة نزوح، على غرار أسلافنا، ومن حقنا أن نبني بيوتاً على أراضينا، تؤوينا وتقينا برد الشتاء القارس ــ ولتضع خطين تحت عبارة أراضينا ــ فهي ما بقي من أراضي أسلافنا التي اغتصبتها البطريركية المارونية من أبناء عمومتنا آل حمادة ومن أبناء العشائر الحمادية عموماً...".
هناك بيئة صدّقت هذا الكلام، وانتشت به منذ سنوات، وتصرّفت على هذا الأساس. إلا أن الثمن كان غاليا جدّا، مما يقضي بطرح السؤال: ماذا يمهد هذا الكلام؟
الباحث في الأديان والشعوب والحضارات الدكتور جو حتّي يوضح لـ"المركزية" أن "خلفيات هذا المنشور وسواه من التسجيلات الصوتية التي تنشر أخبارا ومعلومات تاريخية مضللة، يعني أن بيئة النازحين ألغت من لاوعيها إمكانية العودة إلى المناطق الجنوبية المتاخمة للحدود مع إسرائيل، وكون هذه العودة أصبحت مستحيلة في المديين القريب والمتوسط، فهي تعتقد أنها بسرديّاتها التاريخية الوهمية لها الحق بالإستقرار في مناطق جبل لبنان ولها الأحقية في هذه الأرض مستندة بذلك إلى نزعة الإستكبار بالسلاح".
ليس هذا وحسب، يتابع حتي، " ففي بعض الرسائل الصوتية والفيديوهات إشارات واضحة للنازحين بأن يستقروا حيث هم موجودون وتعميم نموذج لاسا على كل أراضي جبل لبنان لأنهم يعتبرونها أرضهم مع إعطائهم ضمانات بالوضعية السياسية والشعبية والتاريخية".
التوقف عند ما ينشره "الزجالون" على صفحات التواصل الإجتماعي ليس من باب التعميم، "لكن الصمت لم يعد مبررا والرد يأتي من باب توضيح الحقائق التاريخية. وهذه من مسؤولية القيمين على تاريخ وإرث هذا الوطن" يقول حتّي مضيفا أن المطلوب يعتمد على ثلاثة ركائز هي: الكنيسة بحيث يفترض أن تتخذ موقفا تاريخيا للحفاظ على الأرض والشعب لا سيما وأن المرحلة خطيرة جدا وتهدد الوجود المسيحي بسبب النزف الهجروي والنزف الإستسلامي وهنا يكمن دور الرهبانيات والكنيسة .
الركيزة الثانية تتوقف على الأحزاب المسيحية والأخيرة على اللبناني بحد ذاته، بحيث يتخلى عن طمعه المادي من أجل حفنة من المال وكسب الأرباح من انتعاش الأسواق في البقعة الجغرافية التي لجأ إليها النازحون وهم غير مدركين بأنهم يتناولون السم في العسل سيما وأن أبناء هذا المجتمع غير ملمة بتاريخها وهم يكررون أخطاء السلف".
قد يبدو هذا الكلام على وقع الغارات العنيفة التي تشنها إسرائيل على بعلبك والبقاع مؤاتيا خصوصا أن حركة النزوح الكثيفة من القرى والبلدات شكلت مشهدية إنسانية وإجتماعية لافتة. لكن من الضروري القول "أن من يخسر أرضه يخسر وجوده. من هنا لا تجوز مقاربة الواقع الديموغرافي المستجد مع الحس الإنساني. ومعلوم أن إعادة إعمار القرى المدمرة والمرجح أن يصل عددها إلى الـ200 في الجنوب تتطلب ميزانية دولة .من هنا يمكن القول إن مدة إقامة النازحين في المجتمعات المضيفة ستطول، وليس خفيا أنه لكل مجتمع خلفية ثقافية مختلفة وقد يصل الأمر إلى درجة تطبيع المجتمعات المضيفة بطابع البيئة التي نزحت إليها، مما يشرع الباب أمام صراعات ثقافية وإشكالات أمنية وهي بدأت تتظهر في عدد من المناطق في الشمال وكسروان".
قد لا يقدِّم الإعتراف بالخطأ اليوم شيئا خصوصا بعد سقوط أكثر من 3000 قتيل وعشرات آلاف الجرحى والمعوقين وتدمير قرى بكاملها ومحو بعضها عن الخارطة اللبنانية وتهجير حوالى 2000 لبناني من القرى الجنوبية وبعلبك والهرمل والضاحية الجنوبية والبقاع إلى مناطق كانت حتى 27 أيلول الماضي تختلف معها في السياسة. لكن عند النكبات تسقط كل الإعتبارات والحسابات السياسية والعقائدية لتحلّ مكانها مسحة الإنسانية بشرط أن لا "يحتل" النازح مكانة وأرض صاحب البيت ويكابر ويتوعد ويهدد إذا لم تلتزم البيئة المضيفة بشروطه وعاداته... فالمعاناة طويلة.وما بعد الحرب قد يكون أكثر وجعا وحساسية مما قبلها.