طوفان الأقصى وحرب الإسناد وحدود المغامرة الإيرانية
بعد عام على إطلاق عملية طوفان الأقصى في غزة وحرب الإسناد من جنوب لبنان تحضرنا المقارنة بين ما كانت عليه حركة حماس قبل السابع من أكتوبر وما كان عليه حزب لله قبل حرب المساندة وما أصبحا عليه اليوم. المقارنه ههنا ليست لتعديل الموقف المبدئي من العدو الإسرائيلي بل للتساؤل بمسؤولية عن الظروف الموضوعية التي أملت قرار المواجهة وقرار الإسناد الذي اتّخذته حركة حماس وحزب لله بشكل منفرد دون تقييم فرص النجاح المتاحة أمام الخلل الكبير في ميزان القوى لصالح العدو الإسرائيلي، وقراءة التقييدات التي فرضتها المرجعية الإيرانية على تلك القرارات لجهة التوقيت ومستوى المواجهة المتاح ونجاح التفاوض فيما بعد.
يستدعي الأمر إجراء قراءة نقدية للظروف المحيطة بأطول وأعنف جولات الصراع مع العدو الإسرائيلي على جبهتيّ لبنان وغزة اللتين تفردت طهران بالسيطرة الكاملة عليهما تنظيماً وتسليحاً وتمويلاً فوق إرادة السلطة الشرعية في كلّ من رام لله وبيروت. القراءة المنشودة لما حصل خلال العام المنصرم ليست لتقييم الإجراءات والأداء الميداني لمقاتلي حماس وحزب لله التي تستجيب لسياق تعبوي دأبت عليه القيادتان حيال مقاتليهما، بل للوقوف على مسؤولية القيادتين في إتخاذ القرار لا سيما بعد ما أسفرت عنه الحرب في كل من غزة ولبنان من تدمير وقتل وتهجير فاق كل ما عرفته المنطقة على امتداد أكثر من سبعة عقود من الصراع مع إسرائيل. وقد يكون في تعذر بل إستحالة تلمس أي إمكانية للخروج من جحيم العنف المستمر الدليل القاطع على قصور في تقييم المخاطر المرتقبة أو الإمتثال وغياب القدرة على التمرد على قرار اتخذته طهران.
ليس متأخراً التساؤل عن أسباب تخلي إيران عن وحدة الساحات وعدم دفع حزب لإطلاق عملية ممائلة لطوفان الأقصى من جنوب لبنان لإرباك الجيش الإسرائيلي وإفقاده القدرة على استعادة المبادرة، وتكرار ذلك من اليمن والعراق؟ وليس متأخراً التساؤل عن أسباب إصرار طهران على عدم توسعة الحرب واكتفاء حزب لله بعملية إسناد مقيدة بصواريخ تقليدية لم تتمكن من تحقيق أي توازن مع العدو الإسرائيلي وتحويل المشهد على الحدود الجنوبية إلى مبارزة غير متكافئة أغرقت لبنان في المزيد من الدمار !!!!؟ فهل تعمدت طهران تمكين إسرائيل من التفرد بحركة حماس التي أطلقت عمليتها العسكرية دون موافقتها؟ وهل أتى خيار طهران بدفع حزب لله الى حرب إسناد لا طائل منها كمحاولة يائسة للعودة الى دائرة الإهتمام الأميركي من خلال الجبهة الشمالية لإسرائيل بصرف النظر عن درجة المخاطرة المرتفعة وجسامة الخسائر؟
لقد اتّسقت طهران مع الإملاءات الأميركية التي حذّرت دول الإقليم من التدخل في الحرب سواء في لبنان وفي غزة، وقد عبرّت طهران أكثر من مرة عن رغبة غير مبررة بعدم توسعة الحرب. وفي هذا الإطار اندرجت الردود الصاروخية على إسرائيل ــــــــ المعلبة أميركياً ــــــــ رداً على اغتيال قاسم سليماني وتدمير القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال أمين عام حزب لله حسن نصرلله وقافلة من قادة الحزب واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنيّة في قلب طهران برعاية أجهزة الأمن الإيرانية وتحت أنظارها.
وبالرغم من ذلك استشعرت طهران أنها مستثناة من المشاركة في مفاوضات وقف إطلاق النار التي تديرها الولايات المتحدة وجمهورية مصر العربية ودولة قطر، مما يعتبر سابقة في تاريخ العلاقات الأميركية الإيرانية في الشرق الأوسط ومما يعني إعادة التسوية حول القضية الفلسطينية الى محيطه العربي؟ فهل أتى إغتيال اسماعيل هنية في سياق التحذير من الإستمرار في استبعاد طهران عن محادثات التسوية، وهل توقفت المفاوضات بفعل تقاطع مصالح بنيامين نتنياهو الرافض لوقف إطلاق النار مع مصالح طهران؟ وهل يعني اغتيال هنيّة بمثابة تحذير ليحيى السنوار أو سواه من عواقب الذهاب الى تسوية دون موافقة طهران؟
لم ترقَ الحرب المحدودة والمقيّدة التي دفع إليها حزب لله الى مستوى استعادة إيران لموقعها في المعادلة التي ولدت مع القرار 1701 بفعل ظروف إقليمية اعتبرتها طهران من الثوابت في السياسة الإقليمية لواشنطن. وقد يكون في سوء التقدير الإيراني للمستجدات في المنطقة ما دفع الولايات المتحدة لتزويد إسرائيل بما يلزم لكسر التوازن الذي كان قائماً مع طهران، وربما هذا ما يفسر ما قامت به إسرائيل من ضربات قاتلة لحزب لله واغتيال قادته لإقصائه بشكل نهائي عن دوره.
يبدو أن طهران لم تتمكن من التعايش مع الواقع المستجد في المنطقة وقد يكون في زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الى بيروت وفي تصريحاته السافرة التي تجاوزت الإرادة اللبنانية وإصراره على ربط جبهة لبنان بغزة ما يوحي بأن طهران ماضية في المغامرة الى أبعد الحدود.
العميد الركن خالد حماده - اللواء