رسالة الى نصرالله: تفجير التواصل بين أفراد حزبك لا يعوّضه إلا استعادة التواصل مع باقي اللبنانيين
ما حصل مع أفراد حزبك فظيع بوحشيته ويرقى إلى إرهاب الدولة، ويجب إدانته بجميع الأشكال المتاحة.
لكنه ليس التفجير الأول للتواصل بين اللبنانيين يا سيد نصرالله. اربعة تفجيرات للتواصل سبقت تفجير هواتف "بيجر". وللأسف أنت وحزبك تتحملان المسؤولية الأولى عن هذه التفجيرات. بعض هذه التفجيرات ألحق الأذى الجسدي باللبنانيين، وبعضها الآخر ألحق الأذى المعنوي والنفسي والاقتصادي والوطني.
التفجير الأول هو تفجير المرفأ وانقطاع التواصل الذي تسبب به هذا التفجير بين حزبك ومعظم اللبنانيين. فهم يعتقدون أن إسرائيل هي أيضاً من فجّر، لكنهم يكادون يجزمون بأن سلاحك ونيترات حليفك النظام السوري هما من تسبّبا بالإنفجار وبالكارثة. لكنك في حينه لم تحرك ساكناً لا بل منعت استمرار التحقيق القضائي بالتهديد المباشر للمحقق.
التفجير الثاني هو تفجير مواد الدستور كعقد يجمع بين اللبنانيين ويسمح لهم بالتواصل عبر المؤسسات والقيم المشتركة.
التفجير الثالث هو تفجير عملية انتخاب رئيس الجمهورية كرمز لوحدة البلاد وكحامٍ للدستور، وكحلقة وصل وتواصل بين المؤسسات الدستورية.
التفجير الرابع هو قرار حزبك بالحرب في الجنوب، الذي أدى إلى تفجير وحدة اللبنانيين بين مؤيد بقوة لـ"حرب الإسناد" لغزة ورافض لها بشراسة، وخلَقَ نوعاً من التواصل العدائي بين الفريقين، هو مستمر حتى الآن.
لجميع هذه الأسباب لا تستغرب يا سيد نصرالله أن يشمت البعض بالمآسي التي حلت بأفراد حزبك، مع أن الشماتة في هذه الحالة تحديداً، هي عار إنساني ووطني. لكن الشامتين كانوا لحسن الحظ أقلية بالمقارنة مع المتعاطفين من خصومك، وقد اعترفت بذلك في خطابك الأخير، عندما أشدت "بموقف الحكومة ووزارة الصحة والمستشفيات والمراكز الصحية ومؤسسات الرعاية الصحية والأطباء والممرضين، وبالتضامن الوطني الذي أبداه شعبنا اللبناني العزيز الذي عبّر عن مشاعر صادقة".
يجب ألا تفسر هذا التعاطف كتأييد لك ولحزبك ودعوتكما لمواصلة الحرب. على العكس من ذلك تماماً. فهو تعاطف مع قتلى ومصابين خارج ميدان المعركة، وليس مع محاربين على الجبهة. وهو تعاطف مع لبنانيين طالهم الإجرام ال#اسرائيلي وهم يمارسون حياتهم اليومية، تعاطف ممتزج بالغضب من العنجهية الإسرائيلية وتفوقها التكنولوجي الذي لا يقيم أي اعتبار للحياة البشرية. لا بل إن التعاطف هو تعبير عن الخوف على قسم من شعبهم لا يزال يقاتل في صفوفك رغم أنه أصبح صيداً سهلا للوحش الإسرائيلي.
حبذا لو قرأت هذا التعاطف كدعوة من معظم شعبك لمراجعة قرارك بالحرب في ظروف ليست لصالح حزبك ولا لوطنك على الاطلاق. يا ليت هذا التعاطف يجعلك تتعاطف بدورك مع بيئتك التي تدفع الثمن الغالي لهذه الحرب، فتجنبها المزيد من خلال قرار حكيم وشجاع من قبلك.
لكنك للأسف أعلنت في خطابك "باسم الشهداء والجرحى وكل الناس الصابرين والأوفياء، أنك تقول لنتنياهو وغالانت والعدوّ بأنّ جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف العدوان على غزّة أياً تكن التضحيات والعواقب والاحتمالات والأفق الذي تذهب إليه المنطقة".
المسؤول عن مصير وطن وحياة شعب لا يمكنه أن يقول ببساطة "إنني سأفعل ذلك أياً تكن التضحيات والعواقب والاحتمالات والأفق"، فمن واجب القائد المسؤول أن يدرس جيداً الاحتمالات ويرصد الأفق فيما هو يقدّر التضحيات والعواقب، قبل أن يتخذ أي قرار.
هل يعز عليك التراجع عن قرارك؟ ولي الفقيه الايراني أفتى لك منذ نحو أسبوع "إن لا ضير في التراجع التكتيكي الدبلوماسي والعسكري أمام العدو". ألم تصرّح أنك جندي عند الولي الفقيه، فمما تخشى يا سيد نصرالله؟ أم أن على شعبنا أن يخاطر بحياته ووطنه على عكس إيران التي تحرص عليهما وتحميهما من همجية إسرائيل؟
لقد حاولت يا سيد نصرالله دعم غزة من خلال "حرب الإسناد" لكن عليك أن تعترف بعد مرور نحو سنة، أن ذلك لم يمنع إسرائيل من الاستمرار في حرب الإبادة وفي استكمال تدمير غزة، لا بل إنها وسّعت عدوانها إلى الضفة الغربية، وها هي الآن تهدد بتدمير لبنان.
رغم القيمة الأخلاقية العالية لقرار ربط حرب لبنان بحرب غزة، إلا أن هذا القرار كان خطأً استراتيجيأً على المستوى العسكري، إذ إنه ربط حرب لبنان بإرادة نتنياهو الذي يربط استمرار الحرب بمصيره السياسي. فهل نبقى أسرى لطموحات وهواجس مجرم يمسك بيده كل أدوات القتل والتدمير المتطورة؟
أنت لا تشك بالتأكيد بثبات القرار الإيراني في دعم لبنان، لكن دعني أتساءل ألم يكن كلام خامنئي عن التراجع التكتيكي هو رسالة إلى الاميركيين أن إيران لن تتدخل في حال هاجمت إسرائيل لبنان، مما حمل أميركا على سحب حاملة الطائرات روزفلت بعد أيام قليلة من تصريح خامنئي. والمخيف هنا هو أن تصريح خامنئي جاء بالتوازي مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية للبنان.
أمام هذه المخاطر العسكرية، التي يتسبب بها اللاتوازن المرعب في ميزان القوى، التكنولوجي خاصة، بين إسرائيل وخصومها، دعنا لا نهمل بعض الإنجازات الدبلوماسية لـ"طوفان الأقصى". فإذا كانت حماس هدفت من وراء هذه العملية إلى قطع الطريق على التطبيع بين السعودية وإسرائيل، فها هو ولي العهد السعودي يصرح منذ أيام قليلة أن لا تطبيع مع إسرائيل إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية. أما إذا كان هدف العملية هو إعادة الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية بعد أفوله لسنوات، فها هي الجمعية العمومية للأمم المتحدة تطالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة في مدة أقصاها سنة، بعد أسبوع من حصول دولة فلسطين على مقعدها الكامل الصلاحيات في الجمعية العمومية.
هذه ليست إنجازات دبلوماسية بسيطة، رغم الشكوك المشروعة بالعدالة الدولية وبمؤسساتها. وهي إنجازات ساهم فيها دون شك، وإن لم تكن وحدها، صمود غزة من جهة، و"حرب الإسناد" من جهة ثانية، فضلاً عن تدخلات محور الممانعة المتنوعة.
لماذا لا تبرز أهمية هذه الإنجازات الدبلوماسية يا سيد نصرالله في سياق استراتيجية للتراجع عن ربط حرب لبنان بحرب غزة، بالتوازي مع إعتبارات عسكرية وعقائدية قدمهما لك السيد خامنئي؟
انا لا أطلب منك الإقدام على التراجع من خلال مبادرة شخصية، بل في إطار مبادرة وطنية جامعة تصدر عن المؤسسات الدستورية، الحكومية أو البرلمانية. وليس أفضل من حليفيك المخلصين بري وميقاتي للقيام بذلك، في سياق المطالبة بتطبيق القرار 1701. يمكن التمهيد لذلك بشكوى ضد إسرائيل على ما قامت به ضد المدنيين عن طريق تفجير هواتفهم، ما يساهم ربما في لجم الوحشية الإسرائيلية من جهة، وإعطائكم هامشاً للانتقال إلى العملية الدبلوماسية من جهة ثانية.
أدعوك للنظر إلى قرار وقف الحرب في الجنوب من خلال تطبيق القرار 1701، ليس كتراجع عن قرار سابق، بل كخطوة شجاعة تسحب من يد نتنياهو قراره بتدمير المقاومة ولبنان، فجميع المؤشرات العسكرية والسياسية تدل على قدرته على القيام بذلك رغم إمكان تكبده بعض الخسائر. 90 بالمئة من اللبنانيين يطالبونك بذلك وبإلحاح يا سيد نصرالله.
إعادة التواصل بين حزبك والأكثرية الساحقة من اللبنانيين هو ما يعوّض خسائر الحزب الفادحة من تفجير الهواتف، ويحمي المقاومة ولبنان من خسائر أفظع تلوح في الأفق.
المصدر: غسان صليبي - "النهار"