مواقف بو حبيب: تفرد ديبلوماسي أم انحراف عن سياسة الحكومة؟
لا ينفك وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب يفاجئ الأوساط السياسية بتصريحاته، ولا سيما تلك المتصلة بموقف الديبلوماسية اللبنانية التي يمثلها، ويفترض أن تعكس الموقف الرسمي للحكومة.
بعد اجتماع السفراء والقائمين بأعمال الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي الذي ترأسه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية للبحث في الوضع جنوبا، بمشاركة بوحبيب، كانت لافتة دعوته إثر اللقاء إلى استصدار قرار جديد عن مجلس الأمن لوقف النار، وإذا تعذر ذلك فلمنع استهداف المدنيين، لأن “أي قرار سيصدر بوقف النار سيكون قراراً جديداً وليس نسخة معدلة من القرار ١٧٠١”، وفق تعبيره. ويضيف رداً على سؤال عن موقف “حزب الله”: “الحزب ليس دولة ليقول نعم أو لا. فإذا كان هناك نوع من قرار جيد، تقبل به الدولة، وسنحاول إقناع الحزب، وهذه مسؤولية الدولة. فالحزب ليس عضواً في الأمم المتحدة، بل هو معنا من هذه الناحية”.
تثير هذه المواقف مجموعة من الأسئلة تحتاج إلى أجوبة واضحة من الحكومة التي يمثلها بوحبيب، من أجل تلافي أي إشكاليات أو تأويلات في هذا الشأن، ولا سيما أنه لم يكن واضحاً مدى تناغم الحكومة مع تلك المواقف، وهل تعبر عنها أم أنها زلة لسان من رأس الديبلوماسية اللبنانية، أم هي مقصودة وتمثل رسالة إلى الخارج والداخل حيال موقف الحزب من تنفيذ القرار الدولي الصادر عن مجلس الامن غداة عدوان تموز ٢٠٠٦؟
أول تلك الأسئلة: هل الحكومة تسعى إلى استصدار قرار جديد عن مجلس الأمن وتدفع في هذا الاتجاه؟ وهذا يستتبع السؤال الثاني: هل هذا التوجه يحصل بتنسيق مع الحزب، الذي قال بوحبيب “سنحاول أن نقنعه به لأن هذه مسؤولية الدولة؟”
وإلى السؤال الثالث: هل تكمن مسؤولية الدولة فعلا في أن تقنع الحزب، أو أن تتخذ الموقف الذي ينسجم مع مصلحة اللبنانيين بمختلف مكوناتهم، وليس فقط مصلحة الحزب، كما بدا في كلام بوحبيب؟
ماذا أراد بوحبيب قوله بإعلانه أن الحزب ليس دولة ولا عضواً في الأمم المتحدة، بل لبنان؟ هو كلام بديهي لا يحتاج إلى إعلان من وزير الخارجية، ما لم تكن الحقيقة عكس ذلك. فهل صحيح أن الدولة هي التي تقول نعم أو لا إزاء أي قرار بوقف النار، وهي لا تملك عملياً قرار السلم والحرب، الأمر الذي تظهّر جلياً عندما قرر الحزب منفرداً فتح حرب الإسناد والمشاغلة على الحدود الجنوبية مع إسرائيل؟
وإذا لم يكن الحزب هو الدولة أو العضو “الفعلي” في الأمم المتحدة، فما الذي قصده بوحبيب بقوله إنه “معنا من هذه الناحية”، أي الدفع نحو قرار دولي جديد؟ وهل للبنان مصلحة في الدفع في هذا الاتجاه؟
لمصادر سياسية قراءة في المواقف المتكررة لوزير الخارجية، لا تخفي فيها الانزعاج في الأوساط الحكومية من تفرد بوحبيب في إطلاق مواقف لا تنسجم مع ما تعلنه الحكومة رسمياً، وإن يكن بعضها أو ربما غالبيتها لا يختلف عما يدور في الأروقة والكواليس الحكومية. وتكشف هذه المصادر أن رئيس الحكومة أو وزراء قد راجعوا أكثر من مرة بوحبيب متمنين عليه عدم التسرع في إطلاق مواقف قد تكون عفوية، لكنها تفسر على غير معناها، ما يفتح الباب واسعاً أمام استغلالها لاستهداف الحكومة ولا سيما في يتصل بتغطيتها “حزب الله” وأداءه. وتقول إنه لا يمكن لبنان الدفع نحو حلول ديبلوماسية أو سياسية ترتكز في شكل أساسي على القرار الدولي ١٧٠١ الذي انتزعه لبنان بعد عدوان تموز ويوفر له كل الدعم العربي والدولي لاستعادة سيادته على كامل أراضيه، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية عليه، في الوقت الذي تخرج فيه ديبلوماسيته إلى المطالبة بقرار جديد وتقول إن قرار السلم والحرب في يد الدولة، وهي القادرة على القبول أو الرفض أمام أي قرار جديد لا يعجبها، وقادرة كذلك على إقناع الحزب به، في حين يعلن رأس هذه الديبلوماسية قبل أيام أن وسطاء أبلغوا إليه أن إسرائيل لن تلتزم أي وقف للنار في لبنان بعد وقفه في غزة.
الواقع أن هذا الكلام كان نقله الموفد الاميركي آموس هوكشتاين خلال زيارته الاخيرة لبيروت ولكن بصيغة مختلفة، إذ كشف أن الإسرائيليين قد لا يلتزمون وقف النار، وليس بالضرورة أن ينسحب أي اتفاق في غزة على لبنان. وتضيف المصادر أن ليس من مصلحة لبنان استمرار جبهة الجنوب مشتعلة، كما ليس من مصلحته “الحركشة” لإسقاط القرار ١٧٠١، لأن الأمر سيصب في مصلحة الحزب وإسرائيل على السواء. فالجبهة المشتعلة تبقي مبرر السلاح، وتوفر لإسرائيل الذريعة لإبقاء لبنان في حالة الضعف والوهن والانهيار كما هو الوضع الآن، فيما هي تستغل الوقت الممنوح لها أميركياً من أجل الإمعان في ضرب كل مقومات الحزب وقدراته الهجومية والقتالية.
وتختم المصادر بالتأكيد أن بوحبيب يغرد خارج السرب الحكومي، ولا توجه للبحث في قرار دولي جديد، بل مزيد من الإصرار على تطبيق القرار القائم!
سابين عويس - النهار