أتُهدِّدوننا؟ صامدون على قناعاتنا
كتب النائب فادي كرم:
برز في القرن التاسع عشر العديد من المفكّرين والباحثين والكتّاب في منطقة جبل لبنان والمحيط، أدركوا من حينها مدى عمق مشاكل المنطقة وخطورة التشققات في العلاقات بين شعوبها وفئاتها، والتي فاقمتها السلطات المختلفة التي مرّت عليها، والغزوات الكثيرة التي تتالت عليها، والمحاولات الدؤوبة لتغيير هوّيات شعوبها وخرائط دولها.
بحث هؤلاء المفكّرين في إمكانيات الدمج المجتمعي والفكري للشعوب المتواجدة في المنطقة، والممتدة خصوصاً بين فلسطين ولبنان والأردن وسوريا والعراق، وطرحوا العديد من النظريات والأفكار والحلول، منطلقين من مفاهيم تعمل على كيفية انصهار الثقافات المتعدّدة والألوان الطائفية والقبلية المتنوعة في قوميّة واحدة وفي وطنٍ واحد، ليُصبح التزام هذه الشعوب وانتماءاتها موحّدة، بهدف تجنّب غلبة إحدى هذه الثقافات على الباقين. وقد ذهب البعض من هؤلاء الباحثين إلى طرح إيديولوجيات علمانية لتخدم هذا الهدف، لكنها أدَّت في آخر المطاف إلى خلق زعامات مؤلّهة علت فوق الانتماءات المتوارثة منذ مئات السنين، وبدل أن تحلّ المسألة العميقة في وجدان الشعوب، فتحت الباب عريضاً لدخول مشاريع استعمارية وتوسّعية لاغية للتاريخ وللثقافات وللمجموعات وللتقاليد ولطبيعة العيش، فسقطت في فخ الاستغلال من بعض الأحزاب ورجالاتها الطامحة بفرض سلطات وأنظمة قمعية، ودفعت بالمنطقة وشعوبها إلى الدخول بأوضاع متفجّرة وصدامية بدل البدأ بخطوات صحيحة باتجاه خلق نظام مدني ديمقراطي يسمح للمواطنين بترجمة طموحاتهم وحرّياتهم.
أدى سقوط تلك النظريات أيضاً إلى تسلّل أفكار إيديولوجية مترفة، حسب الدعم والمال والسلاح والدور المطلوب، من الدول الإقليمية والعظمى. فما كان يوماً قضية شعب وحقوق فئات، كالقضية الفلسطينية مثلاً، تحوّل إلى مادة تجاذب بين هذه القوى الكبرى لفرض نفوذها وتأثيرها، وأضحى أصحاب الأرض والحقوق والتاريخ والإرث، مُهدّدين بهوّيتهم ووجودهم وقناعاتهم. وأحدث هذه المشاريع، التي تُعاني منها المنطقة حالياً، مشروع الثورة الإسلامية الإيرانية.
يتوجه ممثّلو مشروع نشر الثورة الإسلامية في نسختها الإيرانية في لبنان إلى باقي اللبنانيين، بالأمر والفرض، مُوجّهين التهديدات للفئات المتمسّكة بهوّية لبنان الثقافية، مستندين بذلك على الأمر اللاهي الذي يصلهم من الولي الفقيه الذي لا يُجادَل، والمُقيم في أروقة القيادة الثورية في طهران، والذي يُفتي من واقع ثقافته بنظريات دينية من معتقداته، والمُدعِّم لإرشاداته بالمال والسلاح والرجال والتدريب، للقيام بالقمع والاغتيالات بحق من لا يشاركهم الالتزام الطوعي للأوامر، ويجهد مُمثّلوه المحلّيون بتنفيذ الأوامر متظلّلين بالألوهية، معتبرين أن الزمن الحالي هو الزمن المناسب لنشر الثورة في المنطقة استعداداً لتصديرها إلى باقي زوايا العالم، ومستخدمين منطق القوة وليس القناعة والنقاش الحضاري.
فالتهديدات التي يعتمدها هؤلاء هي من شيم معتقداتهم، ولذلك فكل من يُعارضهم هو خائن وكافر، ولا يترددون بالقيام بما يلزم لإزالته، بالتعاون دوماً مع فرقاء وشخصيات مستعدة لبيع الشرف وخيانة التاريخ والإرث، بحثاً عن الدور والمركز والمواقع السلطوية. بالتهديد يتعاملون مع المعارضين، وبالكذب والنفاق والتضليل يُقدمون على الانقضاض عليهم. بالتهديد يُخضعون البعض، وبعدم الاعتراف بالآخر وبالرأي الآخر يُمهّدون لوضع اليد على السلطة.
أتُهدّدوننا؟ نتساءل ليس لاستكشاف النيّات، وليس لمعرفة المعروف، وليس لنيل الرد والتوضيحات، بل لإفهام من يُريد أن يفهم ولتوعية الضمير، علّ ذلك يُجنِّب البلاد ويلات النزاعات ويُقصِّر أمد المشاريع الفاشلة والوهمية، ولنؤكد لمن يملك حالياً مشروع الفرض والأمر الواقع أننا صامدون على قناعاتنا. أتُهدِّدوننا ؟؟؟ مهلاً مهلاً، إننا نُنذركم، والعبوها صح.