ديفيد هيل: "أخطر الفترات أمام إسرائيل ولبنان"
كتب ديفيد هيل في "this is Beirut" مقالا تحت عنوان: "أخطر الفترات أمام إسرائيل ولبنان" جاء فيه:
"يرتبط تراجع خطر نشوب حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل بشرط أو بتوقيت وقف إطلاق النار أو نهاية المعارك بين إسرائيل وحماس. ولكن ليت الأمور بهذه البساطة!
صحيح أنّ قادة حزب الله يؤكدون على مواصلتهم القتال الذي انضموا إليه في 8 أكتوبر 2023، طالما أنّ الحرب في غزة مستمرة. وذلك يؤشر إلى نتيجة طبيعية: فقد يضعون حداً للمعارك بمجرد توقف حماس. ولكن مع التصعيد الأخير بين حزب الله وإسرائيل، من الصحيح أيضاً أنّ أياً من الطرفين لم يبدِ في الوقت الحالي اهتمامه بخروج الحرب عن السيطرة. فإسرائيل لا تريد حرباً على جبهتين، ويكفيها ما تتعامل معه بالفعل. وعلى الرغم من أنّ إيران تعبر بشفافية أقل عن اهتماماتها، قد يعرض توسيع حزب الله لنطاق المعارك ضد إسرائيل، أسلحة طهران القيمة في الجنوب اللبناني، للخطر. هذا مع الإشارة إلى أنّ هذه الأسلحة تمثل رادعاً احتياطياً للهجمات الحركية ضد منشآتها النووية.
أما عن مرحلة ما بعد الحرب في غزة، فعدم اليقين لا بتعلق بإيران بقدر ما يتعلق بإسرائيل. وحتى بعد انتهاء الحرب مع حماس، فالوضع في غزة سيشكل تحدياً أمنياً وسياسياً ودبلوماسياً كبيراً لإسرائيل. كما أنّ الإسرائيليين لن يتسامحوا لفترة أطول مع الوضع الراهن في الشمال. وبالنسبة لمعظم الإسرائيليين، فقد أفقد 7 أكتوبر استراتيجيات الأمن القومي السابقة، والتي تنطوي على التعايش الفعلي مع الجماعات الملتزمة بإبادتهم على حدودهم، مصداقيتها.
ويركز الخطاب الإسرائيلي على كيفية قلب الطاولة واستعادة الردع وتقديم الضمانات للإسرائيليين بأن شبح العنف لن يطاردهم "مجدداً". وحذر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 12 حزيران من احتمال القيام بـ"تحرك قوي للغاية"، قائلاً إنّ "الأمن سيستعاد في الشمال بطريقة أو بأخرى". ربما يحاول تجنب التفاف زملائه في الحكومة اليمينية، على غرار وزير المالية سموتريتش الذي يطالب بغزو بري، من حوله. أضف إلى ذلك أنّ الجدل القائم في إسرائيل حول ما يجب القيام به لاستعادة الأمن على الحدود الشمالية جدي، وإن كان يستعيد ما قيل في السابق. ولا بد لذكريات حرب 2006 أن تضفي بعض الواقع إلى العواقب المحتملة لحرب شاملة مع حزب الله، فضلاً عن إدراك حقيقة أن الجانبين نجحا بتطوير مستوى معين من القوة وهذا كفيل بجعل الحرب أكثر فتكاً وضرراً من حرب 2006. مع ذلك، بغياب البدائل القابلة للتطبيق لمعالجة المأزق الأمني الذي تواجهه إسرائيل في لبنان، وانضمام حزب الله بلا مبرر إلى حرب حماس، تبقى الخيارات العسكرية مفتوحة في إسرائيل.
وهنا يأتي الدور الضروري للولايات المتحدة في تجنب حرب شاملة إن أمكن. ولا تكمن نقطة انطلاق الدبلوماسية الناجحة في الصيغ الجديدة، بل في العودة إلى الالتزامات التي تم التعهد بها في نهاية حرب 2006، والتي لم تطبق وإلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701. فعلى الرغم من توفر المكونات اللازمة لاستعادة الاستقرار، كانت تفتقر لآليات التنفيذ أو لاستعداد حزب الله وأسياده الإيرانيين للخضوع إليها. علاوة على ذلك، يبدو أنّ الراعي الرئيسي للقرار 1701 –أي الولايات المتحدة- فقد الاهتمام به بمجرد التوصل إلى وقف إطلاق النار. إنّ العودة إلى مسار تطبيق القرار 1701 أمر أساسي، مع انسحاب أولي لحزب الله إلى نهر الليطاني. وبطبيعة الحال، لن يحدث ذلك من فراغ.
العدو الاستراتيجي موجود في طهران، وليس في بئر حسن. والتقارير الأخيرة حول التواصل الدبلوماسي المباشر بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين قد تقدم مؤشرات في الاتجاه الصحيح، لكن هذا يعتمد على ما يقال. ولن يكون هناك أي أمل بإعادة تقييم حقيقية في طهران تؤثر على سلوك حزب الله ما لم يختبر القادة الإيرانيون - وليس الوكلاء العرب الذين يمكن الاستغناء عنهم حصراً- وطأة الألم. وفي هذا السياق، يبقى تطبيق العقوبات ومنع صادرات الأسلحة والضغط العسكري على الأصول الإيرانية خارج إيران من جملة الأمور الأساسية. وفي حال أدى مثل هذا الضغط لتغيير الحسابات الإستراتيجية لإيران، سيوفر القرار الأممي رقم 1701 إطارًا للتحسين التدريجي لأمن كل من الإسرائيليين واللبنانيين المقيمين على طول الحدود. أما إن لم تمارس أي ضغوط على إيران، فلن يحدث أي قدر من الدبلوماسية الخلاقة أو من الصيغ الجديدة التي يتبناها الدبلوماسيون الأميركيون أو الفرنسيون أو العرب، أي فرق. كما سيتطلب النجاح الوقت والمثابرة والتركيز على مصدر المشكلة.
علينا أن نتعلم من دروس الماضي، ومنها، إدراك أن الإصلاحات قصيرة المدى لا تعدو كونها أكثر من مجرد حلول مؤقتة. أما الخلافات التي يتم التغاضي عنها فتعود لتطفو إلى السطح بطريقة انتقامية. وهذا يعني أن العودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل السابع من أكتوبر في جنوب لبنان، يضمن ببساطة حرباً أخرى في المستقبل، ويحكم على المواطنين اللبنانيين والإسرائيليين الأبرياء بحياة يومية يخيم عليها شبح الصراع. وعلى أية حال، لن يدعم المزاج الإسرائيلي الحالي العودة إلى سياسة التهاون. أما الدرس الثاني، فيتعلق بالدور الدبلوماسي الذي تلعبه الولايات المتحدة والذي لا غنى عنه، لكنه يتطلب الضغط والمثابرة. ويمكنه برهنة أنّ تحقيق الأمن والاستقرار من خلال الدبلوماسية، بديل عن الحرب الشاملة.. ولكن كل ذلك حصراً في سياق استعادة الردع ضد إيران ووكلائها. ذلك لأنّ دورات العنف لن تنتهي البتة طالما أنّ إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما يركزون في لبنان على الوكيل وليس على راعي الصراع (أي على حزب الله حصراً وليس على إيران)."