واشنطن والعودة إلى استراتيجية التهديد
لم تستطع عملية النصيرات التي نفذها الجيش الإسرائيلي نهاية الأسبوع المنصرم بالتعاون مع وحدة من جهاز الشاباك ومجموعة يمام من الشرطة الإسرائيلية من اختطاف المشهد في غزة بالرغم من تحرير أربعة رهائن كانوا في قبضة حركة حماس. أخفق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إقناع مجلس الحرب المصغر والجمهور الإسرائيلي بأن تحرير الرهائن بالقوة هو الطريق الأمثل لإنهاء الحرب في غزة وإخضاع حركة حماس.
لقد أدت العملية الى مقتل ثلاثة من الرهائن أحدهم يحمل الجنسية الأميركية وضابط من القوة المهاجمة، مما يؤشر الى المخاطر المرتفعة في اعتماد هذا النوذج من العمليات. من جهة أخرى لم تؤدِ العملية الى عودة «بيني غانتس» عن استقالته من مجلس الحرب بل استقال معه «غادي إيزنكوت» كما استقال من منصبه قائد فرقة غزة «آفي روزنفيلد» على خلفية فشله في حماية مستوطنات غلاف غزة. من جهة أخرى أخفق نتنياهو في إقناع الدول الراعية للمفاوضات وفي مقدمتها الولايات المتحدة بجدوى خياره الميداني الذي دفع بحركة حماس الى مزيد من التصلب بدلاً من إرغامها على تخفيض سقف شروطها.
لم تؤتِ عملية النصيرات الثمار التي أرادتها تل أبيب بالرغم من الجهد الإستعلامي الذي قدمته لها واشنطن وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز». لقد نقلت الصحيفة المذكورة عن مسؤولين أميركيين «أن أفضل طريقة لإقناع إسرائيل بإنهاء الحرب هي في استعادة رهائنها واعتقال أو قتل كبار قادة حماس» وهذا يعني أن واشنطن لم يقتصر دورها على المساهمة الإستخبارية بل ربما كانت المحفزة على اتّخاذ القرار بإطلاق العملية بهدف الإستثمار في نتائجها لاحقاً. أولى النتائج المباشرة المترتبة على العملية التي سقط خلالها 274 شهيداً فلسطينياً كانت سقوط التسوية المقترحة من الرئيس جو بايدن وتوقف الوساطات وعودة وزير الخارجية أنتوني بلينكن الى المنطقة للبحث عن تفاهمات تعيد إطلاق المفاوضات أو تضبط تداعيات الفراغ الذي أحدثته العملية .
فهل أرادت الولايات المتحدة من خلال دفع إسرائيل لتنفيذ عملية النصيرات إفشال المفاوضات لصالح المعاهدة الأمنية المرتقبة بين واشنطن والرياض؟ وهل تراهن واشنطن بأن هذه المعاهدة يمكن أن تشكل الإطار الشامل لكل الإتفاقيات والتفاهمات الأمنية في المنطقة بما في ذلك احتواء الصراع في غزة بفعل الوزن الإقليمي للمملكة العربية السعودية؟
بالعودة الى ما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال» في التاسع من الشهر الجاري نقلاً عن مسؤولين أميركيين وسعوديين، فأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على وشك وضع اللمسات النهائية على معاهدة مع السعودية تلتزم واشنطن بموجبها بالمساعدة في الدفاع عن المملكة في إطار صفقة تهدف إلى الدفع بعلاقات دبلوماسية بين الرياض وإسرائيل. ويأتي الإلتزام المذكور ضمن حزمة أوسع تتضمن إبرام إتّفاق نووي مدني بين واشنطن والرياض، واتّخاذ خطوات نحو إقامة دولة فلسطينية وإنهاء الحرب في غزة، حيث فشلت جهود وقف إطلاق النار المستمرة منذ شهور في إحلال السلام.
وفي هذا السياق، أشار «جاك سوليفان» مستشار الأمن القومي الأميركي في حديث صحفي خلال الشهر المنصرم إلى ارتباط أمن إسرائيل بتكاملها الإقليمي وعلاقاتها الطبيعية مع الدول العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية:«يجب ألا نفوت فرصة تاريخية لتحقيق رؤية إسرائيل آمنة، محاطة بشركاء إقليميين أقوياء، وتشكيل جبهة قوية لردع العدوان ودعم الإستقرار الإقليمي. نحن نتابع هذه الرؤية كل يوم».
تتطلب الموافقة على هذه المعاهدة، التي ستسمّى اتّفاقية التحالف الإستراتيجي وفقاً للصحيفة المذكورة تصويت مجلس الشيوخ الأميركي لصالحها بأغلبية الثلثين، وهو أمر سيكون من الصعب تحقيقه ما لم ينص الإتّفاق على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة. وهذا يعني أن وضع هذه الإتّفاقية موضع التنفيذ سيبقى مرتبطاً بمباشرة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل دون أي إلتزام زمني بإقامة دولة فلسطينية بل باتّخاذ خطوات نحو ذلك. فما هي المخاطر المرتقبة والملحة التي تستشعرها المملكة والتي تدفع بها لتوقيع هذه الإتّفاقية؟
تشعر المملكة أنه بالرغم من الإتّفاق الذي وقّعته مع إيران في شهر آذار/مارس 2023 برعاية الصين والذي أدى إلى فك الإشتباك في اليمن واستعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين فإن التصعيد المتزايد للحوثيين في البحر الأحمر الذي تتنصل إيران من أي علاقة مباشرة به قابل للتحوُّل الى تهديد للمملكة العربية السعودية دون أن تسعى إيران الى ضبطه تحت عنوان ترك حرية القرار للفصائل المكوّنة لمحور المقاومة كما يحصل في لبنان وسوريا. هذا وتدرك الرياض أن استمرار التحالف الدولي البحري الذي تقوده الولايات المتحدة في التعامل مع الحوثيين تحت عنوان حماية حرية الملاحة دون تسديد أي ضربة قاسمة لهم يحمل في طياته نيّة أميركية مبيتة لاستخدامهم في إتّجاهات متعددة لا سيما نحو الرياض.
يبدو أن واشنطن التي أدركت بعد السابع من أكتوبر أن إسرائيل عاجزة عن الدفاع عن نفسها ماضية في استخدام استراتيجية التهديد لوضع المملكة أمام خيارين: إما التوقيع على الإتفاقية الأمنية لضمان أمن إسرائيل أو إستعادة المشهد مع الحوثيين ومواجهة الخطر الإيراني من جديد؟
العميد الركن خالد حماده - اللواء