دعوة إلى صناعة الأفكار
كتب البروفيسور إيلي الزير مقالا بعنوان "دعوة الى صناعة الافكار":
في لبنان هناك تخمة بالشعارات وبالمغامرات. فكل شعار يستولد مغامرة، وكل مغامرة تصنع انتكاساً، وكل انتكاسة تزيد في جروحنا جروحاً.
السياسيون في وطننا لا يجيدون سوى استنساخ الشعارات، وكأنهم يبنون مواقفهم على كتابات موجودة على الطرقات، وعلى جدران المنازل القديمة وشوارع الأحياء الشعبية. ما هو غائب عنّا هو ولادة الأفكار. نحن نعاني قلة الأفكار.
بداية الخلاص ونهايته هي أن تتحوّل أهواءنا من التعلّق بالشعارات إلى الغرام بالأفكار. ليس هناك من سبيل للتقدّم والتطور ومعالجة الأزمات إلا باستيلاد الأفكار، المبنية على الوقائع والحقائق والأرقام. نحن بحاجة إلى أفكار تحاكي المستقبل، لا إلى شعارات تحاكي الماضي والصراعات.
كلنّا طوائف وأحزاب وتيارات إمتهنّ الشعبوية، وكأننا نعيش تظاهرة مستمرة في الشوارع والساحات. فيما الوطن لا يُبنى في تظاهرة ولا يستعيد عافيته بحمل اليافطات. الوطن يُبنى بالأفكار بصناعتها وترجمتها إلى خطط والعمل بهذه الخطط ليل نهار.
نحن بحاجة إلى الأفكار في مدارسنا وجامعتنا، ومصانعنا ومعاهدنا وندواتنا ومعابدنا، بحاجة إليها كأفكار مستنيرة تفتح لنا آفاقاً جديدة. هكذا فعل أجدادنا عندما خاضوا غمار البحر بسفنهم التي صنعوها من خشب الأرز، وهكذا فعل رجال الاستقلال وهم في معتقلهم بقلعة راشيا، وهكذا فعل رجالنا الكبار بعد ذلك. اشتروا الذهب وبنوا القطاع المصرفي والملاعب الرياضية. أسّسوا الجامعات والمستشفيات والمعامل حتى بات فخرنا بمنتج كُتب عليه "صُنع في لبنان".
إن نهضتنا وبداية الاصلاح تكون بإعلان الطلاق مع كل الشعارات، والذهاب مباشرة إلى صناعة الأفكار في كل المجالات، وفي كل الأزمنة وفي كل المؤتمرات. هذا ما نحتاح إليه كي نستعيد دولتنا. الدولة في الأصل هي فكرة والفكرة لا يصنعها إلا الكبار.