الانفصال على بعد خطوة واحدة بين "الحزب" و"التيار"
من التفاهم الى سوء التفاهم فاحتمال الانفصال، هكذا تدرّجت العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، وسط ترقّب لما ستؤول إليه مستقبلاً، ليس فقط من قواعد الطرفين وإنما ايضاً من القوى السياسية الأخرى، ذلك أنّ استمرار التحالف او إنهاءه سيكون له أثره على مجمل التوازنات الداخلية.
مَن يراقب المنحى الذي تتخذه العلاقة بين الحزب والتيار منذ مدة يتكوّن لديه انطباع بأنها آيلة الى الانهيار الحتمي، من دون أن يملك طرفاها، حتى الآن، القدرة على لجم وتيرة تدهورها، بينما لا يزال بعض «الرومانسيين» على الضفتين يأملون في نجاتها.
على أرض الواقع، يوحي سلوك «حزب الله» و«التيار الحر» أخيراً بانتفاء الحماسة لإعادة إحياء تفاهم مار مخايل في الظرف الحالي، ووجود نوع من التسليم بالأمر الواقع.
ولم تنجح لا الزيارة الوجدانية لوفد من الحزب إلى العماد ميشال عون في الرابية ولا جلسة المصارحة بين ممثلي الحزب والنائب جبران باسيل في ميرنا الشالوحي، بوَقف الاهتراء والتفسّخ في جدران التفاهم المتداعية، والتي لم تعد تتحمّل على الارجح مزيداً من الهزات.
وتؤشّر طريقة تعامل الطرفين مع الخطر الذي يهدّد تحالفهما إلى أنهما قررا ان يتركا للوقت ان يأخذ مداه ويفعل فعله، فإمّا يحمل معه ما يعيد إنعاش التفاهم، وإمّا يتكفل بإنهائه شيئا فشيئا.
وصار واضحاً ان الاستحقاق الرئاسي سيكون عاملا حاسما في تحديد المصير النهائي للتحالف المترنّح، فهو قد يشكل الضربة القاضية التي من شأنها ان تلقيه أرضاً اذا ذهب الافتراق حول الاسم الى حده الأقصى، وقد ينقلب من تهديد كما هي الحال راهناً الى فرصة لتجديد خلايا العلاقة اذا استطاع الجانبان ابتكار اتفاق على مقاربة مشتركة للانتخابات الرئاسية، وهذه الفرضية تعترضها صعوبات كبيرة، إذ لا حل وسطاً في حسابات كل منهما بين ان تكون مع سليمان فرنجية او ضده.
ولئن كان يوجد داخل التيار والحزب مَن طفح كيله بعد رفقة الـ 17 عاماً وبات يعتبر التحالف عبئاً ثقيلاً يجب التخلص منه، الا ان هناك اتجاهاً آخر في صفوف الفريقين لا يزال يربطه نوع من «الحنين» الى حقبة التفاهم، ويدعو الى الإبقاء عليه والاستمرار في الدفاع عن حقه في الحياة السياسية، من دون إغفال ضرورة تطويره وتكييفه مع تحديات المرحلة الحالية.
وينبّه المتمسّكون «القلائل» بالتفاهم على الضفتين الى ان التخلي عنه سيولّد «فراغاً» سياسياً ووطنياً لن يكون من السهل تعبئته، بمعزل عن الحسابات الظرفية والانفعالات الطارئة التي قد تدفع البعض الى ردود فِعل حادّة.
والمصرّون على حماية التفاهم، بأي ثمن، يلفتون الى انه وأبعد من أي تكتيكات سياسية، يُسجّل له الآتي:
– نجح في تذويب خط التماس النفسي بين المكونين المسيحي والشيعي المتجاورين جغرافياً في أماكن كثيرة.
– تمكّن من إزالة هواجس سياسية واجتماعية متبادلة وصولاً الى تحقيق التفاعل بين بيئتين مغايرتين ثقافياً وطائفياً، فيما كانت تبرز حينها اتجاهات متصاعدة في لبنان والمنطقة نحو التطرف وإلغاء الآخر.
– إستطاع تصحيح الخلل البنيوي في التوازن الداخلي على مستوى النظام والسلطة بعدما كانت فئة لبنانية تشكو من الغبن والتهميش، والتيار سيفتقد بغياب التفاهم شريكاً وازناً لن يكون من السهل تعويضه استراتيجياً، حتى ولو وقعَ خلاف معه في هذه المرحلة حول عدد من الملفات.
– أمكَنه استقطاب شريحة من المسيحيين نحو الانخراط العملي وليس النظري فقط في ثقافة المقاومة ضد اسرائيل. وبالتالي، أصبح لهذه المقاومة عمق مسيحي تحتاج اليه لا كغطاء لحمايتها وإنما كحاضن حيوي في مواجهة محاولات محاصرتها.
– شكّل إحدى ضمانات السلم الاهلي في أكثر من اختبار جدي بالذخيرة الحية خضع له الاستقرار الداخلي الهش.
– حوّل زعيماً مسيحياً كالعماد ميشال عون رمزاً محبوباً لدى حيّز واسع من الوسط الشيعي، وأعطى قائداً شيعياً كالسيّد حسن نصرالله بُعداً وطنياً حيث صارت صوره تُرفع في منازل مسيحيين، ولهذه الرمزية هنا وهناك دلالات عابرة للاصطفافات التقليدية.
– أزعَج قوى إقليمية ودولية لم تُخف اعتراضها عليه بسبب تهديده لمصالحها وهي ستكون أكثر المسرورين بشطبه من المعادلة.
إزاء كل هذه الحيثيّات، يأمل المتحمسون لبقاء التفاهم في إنقاذه قبل فوات الأوان، علماً انّ صوتهم بات الأضعف في مرحلة توسّع أزمة الثقة وارتفاع منسوب الخطاب المتوتر عبر المنبر أو مواقع التواصل الاجتماعي.
عماد مرمل - الجمهورية