دولة ومنظومة بين “خشوع” الجهل “وفسق” المعرفة
ما الفرق بين أن تكون مواطناً في دولة يديرها حاكم، أكان ملكاً أو سلطاناً أو أميراً أو رئيساً، وبين أن تكون كائناً ضمن مجموعة من المخلوقات منثورة عشوائياً على رقعة أرض اتّفق على تسميتها “وطن” لا رأس له بل تديره منظومة أو طغمة أو مجموعة متسلطة (كي لا أقول عصابة)، وتتنازع كائناته في ما بينها على حصصها مما تجود به طبيعتها التي لم يقتلها بعد يباس ولم يدركها على أبواب فصل الشتاء فأس حطاب باحث عما يدفئ أجساداً في زمن غاب فيه الدفء وهربت منه الأحلام؟الفرق هو أنّ “الدولة” تبحث لك عن مصلحتك فيما “المنظومة” تعتبرك حطاباً في مزرعتها يشعل مواقدها ويدفئ أحلامها ويحقق لها مصالحها.
في المملكة الأردنية الهاشمية، على سبيل المثال لا الحصر، لا يبحث المواطن في الصحف ونشرات الأخبار عن ثمن وقود التدفئة لأنّ جلالة الملك عبد الله الثاني وجّه الحكومة إلى تجميد الضريبة طيلة فصل الشتاء على وقود الكيروسين أو الكاز، الأكثر شعبية للتدفئة، لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، خصوصاً ذوي الدخل المحدود.
كما خفّضت الحكومة لفترة شهر أسعار المحروقات الأساسية، تحديداً البنزين والديزل (المازوت) إضافة إلى الكاز، بنسب تراوحت بين 2.1 بالمئة و8.7 بالمئة.
المواطن في دولة لا يسأل يومياً عن جدول أسعار الوقود ليعرف متى يملأ خزان سيارته أو متى يتأمن السعر الأنسب كي يشتري قاروة غاز منزلي لزوم الطهو أو التدفئة.
المواطن في دولة، على نقيض المخلوق في مزرعة لا يسأل عن ساعات التغذية “بكهرباء الدولة” يومياً، وإن كانت دولته في أصعب ظروفها تعتمد تقنيناً فإنّها تزوده ببرنامج التغذية ما يتيح له أن ينظم حياته ليستفيد من ساعات التغذية في تدبير شؤونه وتأمين احتياجاته كالغسيل والكنس الكهربائي والكوي ألخ، وهو أقل ما يمكن أن تقدمه أي دولة لسكانها في زمن القهر، لكن المنظومة لا تفكر حتى في احتياجات شاغلي مزرعتها، لأنها لا تعتبر راحتهم من مهامها، بل راحتها وربحها هما علة ومبرر وجودهم.
الكائن في مزرعة لا يسأل منظومته المدبّرة لماذا تبحث في صيغة لتقاسم “عبء تأمين الكهرباء مع كارتيل المولدات وكارتيل إستيراد المحروقات بحيث يؤمن كارتيل إستيراد المحروقات الوقود للمولدات، وتتولى المولدات الخاصة تأمين الكهرباء لمخلوقات المزرعة لقاء إقطاعية ضريبية تدفعها للمنظومة على أن يتولى كارتيل المولدات مهمة جباية الفواتير بحماية من قبضايات المنظومة”!
المخلوق البائس في مزرعة المنظومة منهمك في تأمين رزقه ودوائه ومدرسة أولاده ولا وقت عنده ليتدخل في ما لا شأن له فيه على مثال التوصل إلى كشف من قتل جندياً أممياً في بلدة العاقبية الجنوبية في جريمة موصوفة شاهدها الضرير الأعمى وسمع صوت رصاصها الأصم الأطرش…
الكائن في مزرعة المنظومة يصفّق لأي “توافق” على رئيس “لا يطعن المنظومة في ظهرها” بل يبذل جهده ليديم عليها نعمة الإفتخار بأدبيات وخشوع جهل أتباعها قياساً إلى وباء فجور الحقيقة وعري المعرفة وفسقها.
… ولكن ما تهابه المنظومة وأتباعها هو أن سفيرة أميركا في لبنان دوروثي شيا ستكون في استقبالهم في مجلس الأمن الدولي للبحث في جدوى التجديد لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) بعد انتهاء انتدابها في 31 آب المقبل بعد كشف حقيقة من ارتكب جريمة العاقبية التي وقعت في منتصف كانون الأول الماضي.
ربما، وهذا هو الأرجح، ما تسعى إليه منظومة الدفاع عن وحدة الفساد وسطوة الطغاة هو تأمين التوافق على رئيس لا يطعنها في ظهرها بل يتولى الدفاع عنها ليديم عليها وعليه وأتباعه فضيلة خشوع الجهل وكره فسق المعرفة وفجور الحقيقة.
محمد سلام - هنا لبنان