الأخضر الابراهيمي: هذان هما بطلا اتفاق الطائف وهذا ما اقترحته على عون والحص
في وقت يدور الجدل في لبنان حول اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الاهلية فيه ويحيي السفير السعودي لدى بيروت وليد بن عبد الله بخاري ذكراه الثلاثين في مهرجان كبير في قصر الأونيسكو السبت المقبل، التقى "النهار العربي" في مقابلة خاصة وزير الخارجية الجزائري السابق الأخضر الابراهيمي الذي عمل ووزير الخارجية السعودي الراحل الامير سعود الفيصل ورئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري المبعوث الخاص للجنة الثلاثية برئاسة الملك فهد بن عبد العزيز وملك المغرب الحسن الثاني والرئيس الجزائري الراحل شاذلي بن جديد.
أصر الابراهيمي على عدم الخوض في الوضع الحالي في لبنان كما رفض التعليق على النقص في تطبيق الطائف، لكنه أعاد الى الذاكرة بعض المحطات من مهمته خلال هذه االاتفاقية مع حرصه على التذكير بأنه يتكلم عن التاريخ فقط. فالدبلوماسي العريق الذي عمل مع الملوك والرؤساء وكانت تربطه صداقة برئيس تحرير "النهار" الراحل الكبير غسان تويني خص "النهار" و"النهار العربي" بمقابلة أرادها "حول تاريخ اتفاق الطائف".
وقال الابراهيمي إن اللجنة الثلاثية السعودية- الجزائرية- المغربية كان هدفها مساعدة لبنان على الخروج من الحلقة القاتلة التي كان يدور فيها، وقد نسي الناس ان تلك المرحلة جاءت بعد فشل اللبنانيين للمرة الاولى في ان ينتخبوا رئيساً، فلمدة 15 سنة من الحرب الاهلية بقي فقط، ولو بالاسم، رئيس لبناني والليرة للجميع، أي انه لم يقترح احد ان تنشأ عملة خاصة لشرق بيروت او لغربها. كذلك الحال بالنسبة الى الصحافة، اذ ان الصحف آنذاك تستحق التهنئة لانها كانت مصرة على أن الصحيفة التي تطبع في الشرقية يجب أن تذهب الى الغربية والعكس.
وأضاف: "عندما فشل اللبنانيون في انتخاب رئيس رأى العرب انه ينبغي التحرك وعمل شيء من أجل انتخاب رئيس عام 1988 عندما انتهى عهد الرئيس أمين الجميل ولم يتم انتخاب رئيس. ثم في المرحلة الأولى كانت لجنة سباعية برئاسة الشيخ صباح الأحمد الصباح. وقرار الجامعة العربية آنذاك تعييني مبعوثاً لم يكن من أجل ايجاد حل بل جاء بعد قرار إرسال قوة عربية الى لبنان. فقد ذهبت مع ضابط كويتي لنحضر لوصول قوة عربية، لكن ما أن وصلنا رأينا انها فكرة سيئة، فالقوة ستأتي ولن تفعل شيئاً بل بالعكس ستخلق مشاكل من خطف ضباط الى اعتداءات وتحرشات، فحاولنا مع الشيخ صباح ولم نتقدم، عندها رأى الشيخ صباح أن لجنة من وزراء الخارجية غير فاعلة، وينبغي رفع مستوى اللجنة الى القيادات. تم تشكيل اللجنة العربية الثلاثية العليا من الملك فهد بن عبد العزيز وملك المغرب الحسن الثاني والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد واحتفظوا بي مبعوثاً لهم. وبعدما تخلوا عن القرار الأول بارسال قوة عربية بدأنا نبحث عن حل. الميليشيات اللبنانية كانت تتابع عمل اللجنة العربية وأدركت أن أياً منها لا يمكنها الحصول على أهدافها، بالتالي وافقت على البحث عن حل. أما النظام السوري وقتئذ فكان يشعر بخيبة أمل كبيرة لأنه للمرة الاولى تشكلت لجنة للبنان تغيب عنها سوريا. ولكن طبعاً كانت القيادات الثلاث وأنا أيضاً، مدركين انه لا يمكن أن يحصل شيء من دون سوريا. فكنا على صلة وثيقة بالرئيس حافظ الأسد طيلة الوقت. فهذه الخلفية لا بد من ان تذكر وتحضر في الذهن. ثم هناك كلام كثير من الناس وجدل حول ما فعله اتفاق الطائف أو ما لم يفعله. اتفاق الطائف هو بالفعل بداية تكلم اللبنانيين عن إنهاء الحرب الاهلية. فقد كانت هناك محاولات عديدة: مؤتمرات جنيف ولوزان والكويت واتفاقات في بيروت. ولكن في الطائف وضعت وثيقة يستعملها اللبنانيون أساساً لاعادة بناء بلدهم. الهدف الرئيسي كان أن تنتهي الحرب ثم أن ينتخب رئيس".
وعن سبب رفض العماد ميشال عون آنذاك الاتفاق، قال: "هذا السؤال يوجه إليه، أنا التزمت أنني لن أتكلم عن التطورات الحالية، ولكن بالنسبة إلى الوقائع، لقد ذهبت إلى بيروت بعدما تم الاتفاق مع النواب للقول لرئيس الحكومة سليم الحص والعماد ميشال عون إن الملك فهد بن عبد العزيز يقيم احتفالاً في جدة وتمنيت عليهما أن يحضرا الاحتفال على أن يجلس أحدهما على يمين الملك فهد والآخر إلى يساره. سليم الحص أعرب طبعاً عن استعداده والعماد عون قال لي خليني افكر وكنت التقيته ليلاً، فقلت له موعد الاحتفال قريب. كلمني في الصباح وقال أنا لن أحضر فطلبت من سليم الحص ألا يحضر لأنه لا يصح أن يكون رئيس الوزراء ممثلاً والجانب الآخر غير ممثل. فلم يذهب الحص. بعد ذلك بسنوات كان لجيزيل خوري برنامج استضافتني فيه واستضافت العماد عون باتصال هاتفي من باريس. وكان العماد عون يقول ان اتفاق الطائف كان سيئاً فذكرته بما قلت له عندما ذهبت إليه حول حضوره مع سليم الحص احتفال الملك فهد، وقلت له افرض لو كنت ذهبت مع الحص ومعي ثم عدنا من جدة لننظم انتخاب الرئيس رينيه معوض في بيروت ثم انت تصطحب الرئيس الى بعبدا، لم يرد وانتهى البرنامج على هذا السؤال".
وتابع الابراهيمي: "على أي حال بدأت انتخابات الرئيس في الطائف من الأيام الأولى وقلت للجميع إن الطائف لا يطمح إلى ان يكون حلاً كاملاً نهائياً أبدياً بل يمثل خطوة مهمة جداً لانهاء الحرب وإعادة بناء الدولة اللبنانية. فالقرارات التي تم تبنيها لا يمكن معارضتها. من يختلف على موضوع نزع أسلحة الميليشيات. اذا أردنا ان نتكلم عن انهاء الحرب فهذا طبيعي. ثانياً بعض الناس يتكلمون الآن كأن اتفاق الطائف اخترع الطائفية في لبنان في حين انه العكس تماماً. فالطائفية كانت موجودة في لبنان منذ على الأقل 1943 والطائف يدعو الى التخلص من الطائفية تدريجياً".
اما البطلان الحقيقيان في الطائف فكانا، بحسب قول الابراهيمي، الأمير سعود الفيصل والرئيس رفيق الحريري. "ذهب الأمير سعود إلى دمشق ثلاث مرات عندما تعقدت الأمور، كان يأخذ منهم استفسارات وردود. والنظام السوري كان يقول إنه في اتفاقية الطائف لم يكن هناك حديث عن انسحاب من لبنان في حين أن الاتفاق ينص على أن السوريين يبدأون بالانسحاب الى خط ضهر البيدر خارج بيروت. فالطائف وضع لانهاء الحرب وللبنانيين أن يبنوا بلدهم. والامر الآخر أن رأي القيادات في اللجنة الثلاثية أن يواصلوا اهتمامهم ومساعدتهم لمواكبة تنفيذ الطائف. ورغم ان اللجنة الثلاثية كانت عربية محضة الا أننا منذ اليوم الأول رأينا انه لا بد من ان يكون المجتمع الدولي على صلة باللجنة، بالتالي اتصلنا بالأمم المتحدة وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وروسيا وبالصين والفاتيكان، التقيت قداسة البابا مرتين وتورانو الذي كان مسوؤلا عن المنطقة".
من كتب نص الوثيقة؟ أجاب: "كان هناك مشروع لدى اللجنة الثلاثية، ثم الحريري كان له دور والنواب عملوا عليه أيضاً واتفقوا على انتخاب رينيه معوض في الطائف".
يروي الابراهيمي أنه "بعد اغتيال الرئيس معوض تم انتخاب الرئيس الياس الهراوي والاخوة في دمشق دعوه الى دمشق وعملوا معه سلسلة اتفاقات لم تكن متمشية مئة في المئة مع اتفاق الطائف، ولكني لم ارها، نقل ذلك الي".
وختم الابراهيمي حديث الذاكرة عن اتفاق الطائف بقوله: "مع الأسف الشديد كان هناك مؤتمر الدول الإسلامية في آخر تموز في القاهرة بحضور رئيس الحكومة سليم الحص والأمير سعود الفيصل ووزير خارجية الجزائر سيد أحمد غزالي وممثل عن المغرب في غياب الوزير الفيلالي وانا وعقدنا اجتماعاً مع رئيس الحكومة سليم الحص ووزير خارجية لبنان وأعلنا انه سيعقد مؤتمر لجمع أموال لاعادة اعمار لبنان في شهر أيلول (سبتمبر) وذهبت الى الامير سعود لأعد معه لهذا المؤتمر ورأيته منهمكاً باتصالات مكثفة فنظر الي وقال يبدو أنك لم تعلم ان العراق احتل الكويت. هذا الحدث أعاد صدارة لبنان بالنسبة الى العالم العربي الى الوراء حينئذ".
النهار العربي - رنده تقي الدين