عون – ميقاتي: لا حافز للتنازلات
كتب عماد مرمل في "الجمهورية":
أين أصبح ملف تشكيل الحكومة؟ وهل صار هناك تسليم من الجميع بأنّه طوي إلى ما بعد إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية؟
يقارب الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي ملف تأليف الحكومة بأعصاب باردة، من دون أن يحاول اجتراح الصيغة تلو الأخرى، للتفاهم مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وكأنّه ينفّذ قراراً ضمنياً بإبقاء الأمور ضمن المراوحة وتقطيع الوقت حتى الدخول رسمياً في مهلة الانتخابات الرئاسية التي تبدأ في مطلع ايلول المقبل، موحياً بأنّ توازنات القوى في آخر العهد باتت لا تسمح لكل من عون ورئيس «التيار الوطني الحر» بفرض إيقاعهما عليه.
وعون من ناحيته لا يقبل بأن يتمّ التعاطي معه على أساس انّ العهد انتهى عملياً ولم يعد يملك ترف التفاوض من موقع القوة، وبالتالي هو يرفض تدفيعه في الأسابيع الاخيرة من ولايته ثمناً سياسياً للتأليف، إمتنع عن تسديده لأي من الرؤساء المكلّفين خلال خمس سنوات وتسعة أشهر.
بالنسبة إلى ميقاتي «مش حرزانة» ان يخوض في مساومات مكلفة مع عون المغادر، تخرج عن إطار ما هو مقتنع به. وبالنسبة إلى رئيس الجمهورية «مش حرزانة» ان يقدّم تنازلات ويوافق على لي ذراعه التي يتباهى بأنّها لا توقّع صكوك الاستسلام.
والمفارقة انّ الرئيس المكلّف يعتبر، وخلافاً للانطباع الشائع لدى كثيرين، انّه قدّم تشكيلة جدّية لعون وليست للمناورة، آخذاً في الحسبان مزاج الكتل النيابية من أجل ضمان حصول حكومته على الثقة، مع إبداء الاستعداد للانفتاح على مناقشة اعتراضات رئيس الجمهورية، «ولكن ما حصل انّ عون لم يدع ميقاتي للبحث في التعديلات الممكنة على التشكيلة»، وفق ما يرويه «النجباء».
وعون من جهته يفترض انّه يجب اولاً أن يُدخل الرئيس المكلّف تعديلات جدّية على الرسم البياني لمشروع حكومته قبل عقد لقاء جديد بينهما، لأنّ الصيغة المقترحة لا تصلح ان تكون اساساً او منطلقاً لأي اجتماع، خصوصاً انّها تنطوي في رأيه على استهداف مباشر وواضح له، عبر حصر معظم التبديلات المقترحة من قِبل ميقاتي في الحقائب التي تعود إلى وزراء محسوبين على رئيس الجمهورية أو قريبين منه.
بالنسبة إلى ميقاتي الأمر لا يتعلق باستهداف عون، وإنما هو اقترح تعديلات على أسماء وزراء يتولّون ملفات إشكالية ومتعثرة مثل الطاقة، «وبالتالي تحتاج الى تفعيل وضخ دم جديد في عروقها، حتى تتماشى مع تصور ميقاتي لمعالجة الأزمات».
ويؤكّد العارفون، انّ ميقاتي ليس مقفلاً على مناقشة الأسماء الجديدة، وهو يظن انّ بمقدوره التفاهم مع عون حول اسماء يمكن ان تشكّل تقاطعات وان تكون مقبولة من كليهما، في حال أبدى قصر بعبدا شيئاً من المرونة.
ويوضح المطلعون، انّ محاولات خجولة جرت في اوقات متفرقة لتحريك المياه الراكدة في بركة التشكيل، ولكن لم تنجح، لانّه يبدو أنّ الاستحقاق الرئاسي بات الأكثر استقطاباً لاهتمام القوى السياسية التي باتت تحبذ ان تضع ثقلها في هذا الاستحقاق.
وينفي القريبون من ميقاتي تعمّده عن سابق تصور وتصميم عدم تشكيل الحكومة، ربطاً بتقدير يفيد انّ الواقع الحالي يناسبه، كونه يجمع بين التكليف والتصريف، «إذ أفضل له بألف مرة ان يترأس حكومة كاملة المواصفات من ان يكون مترئساً لحكومة تصريف أعمال مقيّدة الصلاحيات».
ويجزم المحيطون بميقاتي، انّه مستعد لأخذ المبادرة مجدداً وبذل أقصى المستطاع، إذا وجد انّ رئيس الجمهورية جاهز لملاقاته، ذلك انّ يداً واحدة لا تصفق. وحتى الآن لا يزال ميقاتي ينتظر رداً رسمياً على تشكيلته ليبنى على الشيء مقتضاه.
ومع انّ السجال العنيف الذي اندلع اخيراً على جبهة ميقاتي – «التيار الوطني الحر» تجاوز الخط الأحمر وتخلّله ضرب تحت الزنار، الّا انّ المطلعين على موقف الرئيس المكلّف يؤكّدون انّه يميّز بين عون والتيار، «كون الأول هو رئيس الجمهورية والعلاقة معه بقيت إيجابية ومستندة إلى الاحترام المتبادل على رغم تسجيل بعض التباينات من حين إلى آخر، علماً انّ المتضرر الأساسي من هذا الهجوم هو عون بالدرجة الأولى، لأنّ مثل هذه الحملات لا تساعد في إيجاد بيئة ملائمة لتشكيل حكومة أصيلة يختم بها رئيس الجمهورية ولايته».
ويرجح المحيطون بالرئيس المكلّف، انّ عون، مثله مثل ميقاتي، صاحب مصلحة في تشكيل حكومة جديدة لاستكمال معالجة الأزمات المتراكمة ولملء أي فراغ رئاسي محتمل، «غير أنّ عدم تفاعله مع تشكيلة ميقات، وانكفاءه عن أي بحث، يدفعان إلى طرح علامات استفهام حول دوافعه».
وامام أزمة الثقة المستفحلة ومحاكمة النيات المتبادلة، يبدي أحد مناصري ميقاتي تخوفه من ان يكون الرئيس نبيه بري محقاً في اشارته الى انّ ولادة الحكومة باتت تتطلب معجزة.