من الرئيس "التوافقي" إلى الرئيس "التفاهمي"
كتب أديب أبي عقل
المركزية- لم يعد خافيا على أحد كما لم يعد سرا أن كل شيء داخل دائرة الجمود والتجميد، لمصلحة تقدّم الملف الرئاسي الذي فتح على مصراعيه، وبدأت المواقف المحلية ترسل "الإشارات" و"المقاسات" المطلوبة للبدلة الرئاسية إلى "المطابخ" الاقليمية والدولية. وبدأت هذه الأخيرة بهدوء وعلى مهل غربلة الأسماء المطروحة و"غير المطروحة"، تمهيدا لاختيار الشخصية التي تناسب مقاساتها هذه البدلة، وتاليا الشروع في تحضير الاخراج اللازم والملائم لاجراء الاستحقاق ضمن المهلة الدستورية وإطلاق ورشة الإصلاح والنهوض مع الساكن الجديد في بعبدا.
وما يشير إلى ذلك بوضوح، هو "المواصفات الرئاسية التي وضعها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ولاقاها استعداد حزب الله على لسان الأمين العام فيه السيد حسن نصرالله عندما أعلن جهوزية الحزب للتشاور في موضوع الاستحقاق، وصولا إلى "الصورة" التي أعطاها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالاشارة إلى وجوب البحث عن "الياس سركيس جديد".
وتحت عنوان "الياس سركيس جديد"، وجنبلاط يتقدم على جميع السياسيين في حسن التقاط الاشارة والشيفرات وفك رموزها، يبدو واضحا أن الشعارات والتسميات التي كانت تطلق في الاستحقاقات المماثلة السابقة هي التي إلى تراجع أو سقوط، وأن الرئيس العتيد سيكون مرشح تفاهم candidat d’entente . وهو العنوان الذي يبدو أن الاختيار سيندرج تحته بعد تأمين مستلزمات السير فيه لدى دوائر صنع الرئيس في الداخل والخارج.
ذلك أن حركة اللقاءات ، التي تحصل بعيدا من الأضواء والمواقف المعلنة بين أفرقاء لبنانيين كحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي، وبين الديبلوماسيين المعنيين، من أميركيين وأوروبيين، تكشف من خلال ما يتسرّب من معلومات عن أجوائها أن الاتجاه والتوجه واضحان نحو "بروفيل" رئاسي ضروري للبنان للمرحلة المقبلة مشابه لـ "بروفيل" الرؤساء فؤاد شهاب، الياس سركيس وميشال سليمان.
فالمعلومات المتوافرة عن لقاء ديبلوماسي غربي مع أحد برلمانيي حزب الله، أن الأخير وردا على أسئلة الديبلوماسي الغربي لم يكن بعيدا من مواصفات رئيس "غير عدو" للمقاومة، على اتصال مع جميع الأفرقاء السياسيين، ويتمتع بالحد الأدنى من العلاقات السياسية والشخصية مع المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي. وكذلك الحال بالنسبة إلى لقاء حصل بين جنبلاط وحزب الله ( على رغم نفي "التقدمي ذلك، وتأكيده حصول اتصالات) تم في خلاله ترجيح هذه النظرية وأهمية العمل بموجبها. وهذا يعني، في التفسير السياسي، أن المطلوب رئيس "غير فاقع" في شخصه أولا، وبعيد من الانتماءات إلى محاور تستفز مشاعر جزء من اللبنانيين، والعكس بالعكس، وفقا للمحور الذي تنتمي إليه هذه الشخصية.
وتشير معلومات المتابعين والعاملين على خط هذا الملف إلى أن "المواصفات" الرئاسية المطلوبة، وصلت إلى العواصم الكبرى المعنية بالوضع في لبنان، وستتم مواءمتها مع تطورات الأوضاع التي ستشهد تحضيرا لمرحلة جيوسياسية جديدة للمنطقة انطلاقا من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة والاجتماعات الثنائية والموسعة التي عقدها مع قادتها، وما يتوقع أن ينتج عنها من "خريطة طريق" للمرحلة المقبلة، يكون أساسها التفاهم السعودي- الايراني سياسيا، بعد اجتماعات أمنية حصلت على مدى أكثر من عام في سلطنة عمان وفي إحدى العواصم الأوروبية وصولا إلى اليابان.
وهذا التفاهم الجديد في حال حصوله -وهذا هو المرجح – قد يفتح الساحة اللبنانية أمام مرحلة جديدة من العمل السياسي الانقاذي، تبدأ بانتخاب رئيس تفاهمي للجمهورية، وإطلاق عمل المؤسسات الدستورية، وتاليا مؤسسات الدولة، وإعادة لبنان إلى تألقه الاقليمي وموقعه المحترم على الخريطة الدولية.
من هنا تبدو الشعارات الأخرى، التي ثبت أنها شعبوية أكثر مما هي واقعية، عديمة الجدوى، فضلا عن أنها تجافي الدستور. فالنظام اللبناني ليس رئاسيا. وتاليا، أي شعارات تستند إلى "القوة التمثيلية" هي في المجلس النيابي، وهذا حق. لأن ممارسة السلطة في بعبدا هي غيرها في مجلس النواب وفي السراي الحكومي لأنها تتطلب الحكمة والدراية والروية والهدوء، كما كانت على عهود شهاب وسركيس وسليمان، حيث ساد الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي، وكان لبنان واضحا في اعتماد سياسة الابتعاد من المحاور والنأي بنفسه عن مشكلات الآخرين استنادا إلى البيان الوزاري الأول لحكومة الاستقلال، حيث لا شرق ولا غرب ومع العرب إذا اتفقوا على الحياد إذا اختلفوا. وهذه هي السياسة التي يجب العودة إلى اعتمادها مع الخارج القريب والبعيد. أما في الداخل، فالمطلوب الركون إلى الحكمة والروية في التعاطي مع القضايا والملفات المطروحة واعتماد الحوار الايجابي البنّاء الذي يبدو أن التقاطعات والتفاهمات الاقليمية والدولية ستفرضه من خلال تشكيل المظلة الواقية للبنان في المرحلة المقبلة.