بوحبيب: الخط 29 لا يفيد… "بدنا ناكُل عنب"
كتب عماد مرمل في "الجمهورية":
إذا كان انفجار مرفأ بيروت قد أدى إلى تصدّع مبنى وزارة الخارجية في الأشرفية، فإنّ الانهيار المالي أفضى الى تصدّع قدراتها. أما في السياسة، فإنّ وزير الخارجية عبدالله بوحبيب يتأبط ملفات شائكة، تبدأ من العلاقة المتداعية مع دول الخليج ولا تنتهي عند الحدود البحرية التي يجاهر الرجل بأنها يجب أن ترتكز على الخط 23 لا 29.
الشعار المرفوع في وزارة الخارجية حالياً هو «شد الأحزمة» بعدما ولّت ايام البحبوحة ومظاهرها، وحلّت مكانها مرحلة التقشف القاسي.
ولعل وضع إحدى الموظفات في مكتب الوزير يختصر واقع الحال. يطلب منها بو حبيب ان تبوح بحقيقة راتبها أمامنا، فتصارحنا بمرارة: انا هنا منذ سنوات طويلة وراتبي هو مليون ونصف مليون ليرة باتت تساوي اقل من خمسين دولاراً بعدما كانت تعادل الف دولار.
ويقول بوحبيب لـ«الجمهورية» ان المطلوب ان نتحمل هذا الواقع ما بين سنتين وثلاث سنوات، تبدأ من تاريخ توقيع الاتفاق المفترض مع صندوق النقد الدولي.
ومن معالم المعاناة المادية في «الخارجية» ان الوزارة اضطرت الى الاستعانة ببعض المتبرعين وفاعلي الخير لتأمين احتياجات ملحّة لها، إذ بادر احد رجال الأعمال من أصدقاء بوحببب الى تقديم 8 آلاف دولار من أجل شراء قرطاسية للوزارة، فيما تبرع احد المغتربين بمبلغ 5 آلاف دولار لمدها بحاجتها من المازوت، وقدم اتحاد المصارف العربية 33 الف دولار لشراء محابر.
ويوضح بوحببب انه تقرر، إزاء الشح المالي الحاد، تخفيض الموازنة السنوية لـ»الخارجية» بالعملة الصعبة من 92 مليون دولار الى 72 مليون حتى الآن، ومن المحتمل تقليصها اكثر لاحقاً.
اما أبواب التخفيض في النفقات فقد شملت، وفق بوحبيب، الآتي:
– تخفيض رواتب السفراء في الخارج على قاعدة مؤشر الغلاء في العواصم المعتمدين لديها.
– تقليص نفقات التمثيل (الولائم، الدعوات..) من مليوني دولار الى 140 الف دولار.
– التوقف عن منح تذاكر سفر مجانية كان يحصل عليها الدبلوماسيون وعائلاتهم مرة واحدة كل عامين او ثلاثة تبعاً للدولة المنتدبين اليها.
– تخفيض كلفة ايجارات المقرات الدبلوماسية بنسبة 6 ملايين دولار.
– الطلب من السفراء الانتقال من أماكن سكنهم الحالية الى شقق متواضعة، ولكن على أن تليق في الوقت نفسه بكرامة السفير ولبنان.
– إقفال سفارات وقنصليات يمكن الاستغناء عنها.
– تخفيض عدد الموظفين المحليين في الخارج (المقيمون في الدولة علماً ان معظمهم من أصحاب الاصول اللبنانية) وعدم تعيين بديل عن كل متقاعد ومستقيل، مع التشجيع على الاستقالة المرفقة بدفع تعويضات.
– تخفيف عدد الملحقين الاقتصاديين عبر استبدال توزيعهم على عدد كبير من الدول بتعيين ملحقين اقليميين (آسيا، أميركا الشمالية، أوروبا الغربية، اروربا الشرقية…).
وفي المقابل، تمّت زيادة الرسوم القنصلية من 13 مليون دولار الى 20 مليون، على الأقل.
التشكيلات الدبلوماسية
أما بقاء عدد من السفراء في مراكز عملهم خارح لبنان وبالتالي استمرارهم في تقاضي رواتبهم على الرغم من ان المدة القانونية لانتدابهم قد انتهت، فهو أمر يُعيده بوحبيب الى التأخير الاضطراري في إنجاز التشكيلات الدبلوماسية نتيجة عدم اكتمال التوافق السياسي عليها حتى الآن، مؤكداً انه يتفهّم ان هذا الوضع نافر «وأنا أسعى الى تذليل العقبات التي تعترض معالجته، علماً انّ البت في هذا الملف لا يتوقف عليّ وحدي، بل يتطلب تفاهم المرجعيات الرئاسية».
المطالب الخليجية
وأبعد من هموم الوزارة، نسأل بوحبيب عما اذا كانت هناك مؤشرات لرد خليجي قريب على الموقف اللبناني من الورقة الخليجية التي سُلّمت الى بيروت، فيوضح ان اجتماعا لمجلس التعاون الخليجي سيعقد في اواخر الشهر الحالي، ومن المتوقع ان يكون الشأن اللبناني حاضرا فيه، مشيرا الى ان الكويتيين كانوا مرتاحين جدا للرد اللبناني الذي سلّمتهم إيّاه «ووزير الخارجية هو شخص متفهم ومتعاون».
ولئن كان بوحبيب قد تفادى الكشف عن تفاصيل الجواب اللبناني، الا انه رسم إطارا له عبر التشديد على أن تطبيق القرارات الدولية (في اشارة الى القرار 1559 الذي تلحظه الورقة الخليجية) إنما يحتاج الى آلية تتجاوز قدرة لبنان، ويستدعي مساعدة وتعاوناً على المستويين الاقليمي والدولي، محذرا من ان مطالبتنا بما يفوق طاقتنا هي دعوة الى حرب أهلية نرفضها.
الحدود البحرية
ولدى سؤاله: اين وزير الخارجية من الخلاف الداخلي حول مسار ترسيم الحدود البحرية مع كيان الاحتلال الاسرائيلي والذي يتجاذبه خطان: 23 و 29؟
يؤكد بوحبيب انه من المقتنعين بأن خط 23 هو الذي يحقق مصلحة لبنان، متسائلاً: هل نريد أن نخوض معارك شعبوية ام بدنا ناكُل العنب؟
ويلفت الى انّ المرسوم المتعلق بالخط 23 صدر قبل 11 سنة، حاملاً توقيعي رئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان ورئيس الحكومة الذي وللمصادفة هو نفسه اليوم، أي نجيب ميقاتي، وبالتالي الحكم استمرارية والدولة يجب أن تحترم توقيعها.
ويلفت الى ان الوفد المفاوض كان قد أبلغ اليه انّ طرح الخط 29 هو للتفاوض. ويضيف بوحبيب: انا اعارض إدراج هذا الخط كتابياً في مرسوم يُرفع الى الأمم المتحدة، لأنه لا يجوز وضع تواقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء المختصّين على مرسوم تفاوضي، مشيرا الى انّ التمسك بالخط 29 لن يؤدي إلى نتيجة، وجلسات التفاوض غير المباشر التي عقدت في الناقورة هي دليل على ذلك.
ويُبدي ارتياحه للاقتراحات التي حملها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت، معتبرا انها ايجابية ويمكن البناء عليها.
ويشير بوحبيب الى ان تلك الاقتراحات لم تكن مكتوبة، «وقد طلب رئيس الجمهورية ميشال عون من الموفد الأميركي أن يودعنا إيّاها مكتوبة حتى نرد عليها رسمياً». ويشدد على التمسك باستعادة كامل مساحة الـ860 كلم2 بحرية المتنازع عليها، «ونحن اعترضنا على خط هوف الذي يعطينا 55 بالمئة من تلك المساحة».
ويكشف انه تواصل مع مسؤولين في «حزب الله» قبل زيارة هوكشتاين الأولى إلى لبنان في تشرين الثاني الماضي «وسمعتُ منهم ان ملف الحدود البحرية هو شأن الحكومة، والحزب لا يعترف بوجود حدود مع إسرائيل. لذا، فإنه لن يدعم ولن يعارض اي قرار تتخده الحكومة في هذا الصدد».
ويؤكد بوحبيب رفضه التام للحقول المشتركة ولتوزيع الأرباح بشكل مشترك «ولكل ما يُشتَمّ منه تطبيع مع إسرائيل».
وينبّه الى انّ الوقت ثمين ولا يجوز الاستمرار في تضييعه، خصوصاً ان قيمة الغاز قد تتراجع في المستقبل.