المطار على أبواب الكارثة: رصاصٌ ودولاراتٌ وتسيُّب
كتب عماد الشدياق في اساس ميديا:
انقطع التيار الكهربائي في مطار رفيق الحريري الدولي قبل أيام، فساد الهرج والمرج لأنّ المولّد لم يعمل، لكن لم يُعرف إن كان ذلك بسبب عطلٍ فنّيّ بالمولّد أو نتيجة نقصٍ في المازوت. ثمّ بعد ذلك بنحو 10 أو 15 دقيقة أُعيد وصل التيار الكهربائي، وعاد المطار إلى العمل.
حادثة كهذه كان من الممكن أن تؤدّي إلى وقوع كارثة، نتيجة توقّف معدّات المراقبة عن العمل أو بسبب انطفاء الإنارة على المدارج، أو في أضعف الإيمان نتيجة الذعر الذي قد يصيب المسافرين أو المنتظرين في حرم المطار الذي انطفأت باحاته بالكامل فصارت الناس في الداخل وعند المداخل الرئيسية تتلمّس طريقها بنور الهواتف الذكية أو بشرارات القدّاحات، لكن في لبنان "المسلّم الله".
يعمل المطار كلّه اليوم وفق المثل الشعبي القائل "سايرة والربّ راعيها"، وذلك لثلاثة أسباب:
1- النقص الحادّ في عدد المراقبين الجوّيّين (يعزو بعض المطّلعين سبب سقوط طائرتيْ التدريب في الأشهر الماضية إلى هذا النقص)، ورئيس الجمهورية يمتنع عن توقيع مرسوم مراقبين جويين بسبب الخلل الطائفي على حد تعبيره. وهكذا يصبح للطائرات طوائف أيضاً.
2- أعداد العناصر الأمنيّة القليلة. إذ يتغيّب بعضهم بسبب الأزمة أو لفراره من الخدمة، أو لعدم قدرته على دفع تكاليف المواصلات، خصوصاً أنّ العدد الأكبر منهم يأتي من خارج العاصمة.
3- حال القرف التي تتملّك الموظّفين الذين يعملون "بلا نفس" مثل كلّ الموظفين في لبنان اليوم.
بمعنى آخر، يمكن اختصار مشهد المطار بجملة بسيطة واحدة: "مستقبل المطار وحركة الطيران في لبنان Not secure Not safe، وهما في خطر شديد ولا أحد يعلم في أيّ لحظة ستقع الكارثة".
تفجير المطار بحفنة دولارات؟
ذلك كلّه سببه الأزمة الاقتصادية وشحّ الموارد، اللذان يولّدان حالَ الفوضى هذه، ناهيك عن حال العَوَز التي يرزح تحتها الموظّفون، ولا مبالغة في القول إنّ تدبير أيّ "عمل إرهابي" من أيّ صاحب نيّة أو أيّ جهة، سيكون أمراً سهلاً جدّاً وبحفنة قليلة من الدولارات!
فرجال الأمن في المطار جوعى. وتكشف مصادر خاصة من داخل المطار لـ"أساس" أنّ رجال الأمن المولجين بحماية المطار وحركة الملاحة الجوية، بات يُسمح لهم أخيراً بالدخول إلى الطائرات من أجل الحصول على ما تبقّى من الحصص والوجبات المخصّصة للمسافرين من الرحلات العائدة إلى بيروت. لكنّ هذه العناصر تدخل الطائرات باللباس المدني من أجل إبعاد الشبهات أو تفادياً لأيّ توثيق أو تصوير.
مدير المطار رفيق الحريري الدولي فادي الحسن نفى هذا الأمر، وقال إنّه "مستحيل حدوثه". وأضاف: "إذا حصل، فهذه ليست قاعدة جارية ومتكرّرة".
وتكشف المصادر أنّ هذا الإذن صدر من إدارة "طيران الشرق الأوسط"، وذلك من باب العطف على العسكريين، الذين تكاد رواتبهم لا تكفيهم لشراء الوقود لزوم الوصول إلى مكان العمل. بل أكثر من ذلك، يتناقل عدد من العاملين في المطار معلومات عن تكفّل إدارة "طيران الشرق الأوسط" أيضاً بدفع مبالغ بالدولار "الفريش" (بين 100 و200 دولار أميركي) لكلّ رجل أمن ولبعض العاملين في مديرية الطيران المدني. خصوصاً لِمن تبقّى من المراقبين الجوّيين. وذلك من أجل تحفيزهم على الالتزام بدوامات عملهم وعدم التغيّب. ويُقال أيضاً إنّه كان لدى إدارة "طيران الشرق الأوسط" توجّه لمنح كلّ عسكري حصّة مقطوعة من المحروقات، لكنّها تراجعت عن هذا القرار خوفاً من غضب موظّفيها، الذين لا ينوبهم من الحظ إلاّ الفتات، وبالليرة اللبنانية.
لعلّ إدارة "طيران الشرق الأوسط" تقوم بذلك من أجل تسيير العمل ومن باب حسن النيّة، لكنّها تعلم أنّ هذا الأمر من مسؤولية الدولة وليس من مسؤوليّاتها، لأنّ ذلك يُعدّ خرقاً لسلامة المطار وأمنه، ولمعايير الطيران الدولية المطبّقة في دول العالم كلّه (كيف لشركة خاصّة أن تدفع مكافآت لموظّفين رسميين؟).
مدير المطار أكّد هذه المعلومات لـ"أساس"، وأضاف عليها، أنّ هذا الدفع "مؤقّت ويحصل بعلم رئيس الحكومة والوزراء المعنيين فيها، وهو بمثابة مساعدة اجتماعية" خارج البيانات الرسمية.
لكن مهلاً، ولمَ الذهاب بعيداً في الحديث عن المعايير الدولية وعن فرضيّات الإرهاب؟ تكفي الإشارة إلى موقع مطار رفيق الحريري الدولي، الذي تنطبق عليه مقولة طارق بن زياد: "البحر من أمامكم والعدوّ من ورائكم!".
إطلاق نار على الطائرات
فمن جهة البحر، هناك مطمر نفايات الـ"كوستا برافا"، الذي يمتدّ من نهاية منطقة الأوزاعي بموازاة المدرج الغربي وصولاً إلى خلدة. على امتداد هذا الخطّ تتجمّع طيور النورس وتبني أعشاشاً، فتهدّد حركة هبوط وإقلاع الطائرات في كلّ ساعة.
أمّا من الخلف حيث العدوّ (عدوّ الأمن والسلامة العامّة) فالمطار محاط على شكل حرف "U" بأبنية عشوائية تعود عقاريّاً لضاحية بيروت الجنوبية، وتحديداً إلى الأحياء السكنية التي تعتبر معقل عصابات المخدّرات والسرقات والممنوعات المتفلّتة في الشويفات وحيّ السلّم. تلك العصابات التي حوّلت المناطق الآمنة والمأهولة بالسكان إلى حقول دائمة للرماية وعند كلّ مناسبة، حزينة كانت أو سعيدة. وهذا كلّه يجري تحت عيون "حزب الله". وذلك نتيجة حرصه الشديد على مشاعر بيئته الحاضنة وحذره من الاحتكاك مع أبنائها تحت أيّ ظرف من الظروف... فكيف إذا كانت الانتخابات النيابية قريبة؟
وكشفت مصادر شديدة الاطّلاع في المطار لـ"أساس" أنّ الأسبوع الفائت شهد حادثتين كارثيّتين تمثّلتا بإطلاق نار على طائرتين مدنيّتين خلال هبوطهما:
1- الأولى تعود لواحدة من الخطوط الجوية الخليجية، أصابت رصاصة طائشة أحد إطاراتها. وقد لاحظ القبطان خللاً في الإطارات، فأبلغ فرق الصيانة التي أصلحت العطل وتكتّمت على الأمر.
2- أمّا الحادثة الثانية فكانت مع طائرة تعود لإحدى الخطوط الجوية الأوروبية، أصابت رصاصة طائشة قمرة القيادة، فخضعت بدورها لأعمال الصيانة لمدة يومين ثمّ غادرت لبنان
3- وبعض المصادر تتحدّث عن طائرة ثالثة تعرّضت للأمر نفسه أيضاً، لكن من دون تفاصيل إضافية.
الحسن، وردّاً على هذه المعلومات، قال لـ"أساس" إنّه لا يملك معلوماتٍ موثّقة حول حادثة إطلاق النار"، لكنّه لم ينفِ وقوعها.
يطرح تزامُن هاتين الحادثتين في أسبوع سؤالاً خطيراً: ماذا إن كانت تلك الأحداث مقصودة وليست نتيجة رصاص عشوائي؟
لا يملك أحد الإجابة حتى اللحظة، لكن في كلتا الحالتين فالأمر ينذر بخطر شديد لا بدّ من تداركه سريعاً وبأيّ طريقة.
ويُضاف إلى هذا كلّه أزمة "السكانر" وحزام نقل أمتعة المسافرين اللذين لا ينفكّان يتعرّضان للأعطال، ولا أموال من أجل إجراء أعمال الصيانة اللازمة لهما. ناهيك عن النقص الحادّ في عدد العمّال المنوط بهم نقل الأمتعة من الحزام إلى الطائرات أو العكس. يؤخّر هذا الأمر المسافرين عن مواعيد رحلاتهم، وخصوصاً مسافري الترانزيت الذين يتذمّرون في كلّ سفرة تنقلهم من وإلى بيروت. وسط هذه الحال تُضطرّ إدارة المطار إلى وقف العمل إلى حين إصلاح العطل، فينتظر المسافرون لساعات في بعض المرّات.
ماذا يقول اتحاد النقل الجوي؟
بحسب مصادر "أساس"، تصل أخبار هذه الفوضى كلّها تباعاً إلى أعلى السلطات الملاحية في الخارج، ومن بين هذه السلطات اتحاد النقل الجوي الدولي (IATA) وغيره من الجهات الدولية المدنية والعسكرية (اليونيفيل).
وقد كان جواب الجهات "الأجنبية": "نعلم بهذه المخاطر، ونعلم بحجم الفوضى السائدة في المطار هذه الأيام، لكن لا يمكننا مقاطعته في هذا التوقيت الحرج، لأنّه المطار الوحيد في هذا البلد. فنحن الدول الأجنبية لنا رعايا ومصالح فيه، وخصوصاً مع الجيش اللبناني، والقوات الغربية العاملة في إطار اليونيفيل بأمسّ الحاجة إلى هذا المطار الآن".
فإلى متى سيبقى وقوع الكارثة مؤجّلاً؟
الله أعلم.