الترسيم البحري: إسرائيل تُهدّد الشركات.. هل يرد لبنان بالمثل؟
كتب داود رمال: بعد عودته من باريس، أطلع وزير الطاقة وليد فياض كلاً من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي على نتائج زيارته الى باريس، أو بالأحرى على “غلته الباريسية الفارغة”، ناقلاً ما سمعه من شخصيات فرنسية معنية حول ملف التنقيب عن النفط والغاز في سواحل لبنان، ولا سيما حصيلة إجتماعه مع المسؤولين في شركة “توتال” الفرنسية، لجهة دعوتها إلى وجوب التزامها بالعقد الموقع مع الحكومة اللبنانية والذي يفرض عليها المباشرة بأسرع وقت ممكن في التنقيب الإستكشافي في البلوك رقم 9 في الساحل اللبناني الجنوبي. غير ان الجانب الفرنسي ابلغ فياض انه يربط العودة الى التنقيب عن النفط بترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل، ويعتبر انه طالما ليس هناك من استقرار امني على الحدود وطالما هناك مخاطر محتملة من الجانب الإسرائيلي، فان الفرنسيين ليسوا على استعداد للمباشرة بالحفر الإستكشافي لأي بئر في البلوك 9، إلا توفر الضمانات الأمنية المطلوبة. وفي ما يخص متابعة الحفر الاستكشافي في البلوك رقم 4، أبلغت الشركة الجانب اللبناني أنها لا ترغب بالتنقيب عن بئر ثانية في الأشهر القليلة المقبلة. والخلاصة ان اي شركة لن تستطيع التنقيب في اي بلوك في البحر اللبناني قبل التوصل الى اتفاق على ترسيم الخط البحري بين لبنان وإسرائيل.. وهو الامر الذي كانت قد ابلغته الولايات المتحدة الاميركية مؤخراً الى الدول المعنية بهذا الملف. ما يُعزز قرار “توتال”، انه بتاريخ 23 كانون الاول/ديسمبر 2021 ارسل رئيس بعثة إسرائيل في الأمم المتحدة جلعاد أردان رسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يبدي فيها إعتراض إسرائيل فيها على فتح لبنان دورة تراخيص هي الثانية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية (أعلن عنها الوزير وليد فياض بتاريخ 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2021). وحسب الرسالة الاسرائيلية، فإن دورة التراخيص الثانية تمتد الى المياه الاسرائيلية أي الى مساحة الـ 860 كلم مربع المتنازع عليها بين الجانبين، وجددت بالتالي تمسكها بمساحة الـ 860 كلم مربع ما بين الخط 1 والخط 23 وحذرت “الأطراف الثالثة”، أي شركات التنقيب عن النفط من القيام بأي أعمال استكشاف أو تنقيب لصالح لبنان في هذه المنطقة.
وفي ما يلي النص الحرفي للرسالة الإسرائيلية: “السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة… أود أن أنقل إليكم قلق حكومتي الجدّي بخصوص المناقصة الأخيرة التي أصدرتها حكومة لبنان لمنح تراخيص خارجية للعمل في المناطق البحرية حيث تؤكد إسرائيل على حقوقها السيادية أو الولاية وفقاً للقانون الدولي، كما سبق لإسرائيل وأكدت ذلك في رسائل سابقة مؤرخة في 2 شباط/فبراير 2017، و21 كانون الأول/ديسمبر 2017، و11 تموز/يوليو 2019، وآخرها في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2021. إن حكومة إسرائيل تُسجل اعتراضها الرسمي على أي نشاط لبناني غير توافقي يتم في المناطق البحرية الإسرائيلية ما لم توافق عليه إسرائيل بشكل رسمي وعلني. وتعترض إسرائيل على أي نشاط اقتصادي إستثماري غير مُصرح به يقوم به لبنان في هذه المنطقة، بما في ذلك، ومن جملة أمور أخرى، منح لبنان أي حقوق لأي طرف ثالث؛ أنشطة استكشافية؛ حفر؛ أو استكشاف الموارد الطبيعية في المناطق البحرية التي تؤكد فيها إسرائيل على حقوقها السيادية أو ولايتها. وترى إسرائيل أن الجهود يجب أن تتركز على الدفع بعجلة المفاوضات بين إسرائيل ولبنان لترسيم حدودهما البحرية، بهدف التوصل إلى حلٍ مُتفق عليه، بما يوفر الإستقرار والمَنْفَعة الاقتصادية لكلا الجانبين. لذلك، تشعر إسرائيل بأنها مُلزمة بتقديم اعتراضها الرسمي على الأنشطة اللبنانية الأخيرة. وتدعو إسرائيل الحكومة اللبنانية إلى سحب هذا الترخيص والمناقصة، والامتناع عن أي نشاط من شأنه تشجيع أي أنشطة غير توافقية في المناطق البحرية الإسرائيلية. وتُجدد إسرائيل دعوتها إلى جميع الأطراف الثالثة المعنية بضرورة إحترام موقف إسرائيل والامتناع عن المشاركة أو ترويج أو تسهيل أي عمل من شأنه أن يمس بحقوق إسرائيل، وكذلك الامتناع عن أي مشاركة في أي أنشطة اقتصادية غير مُتفق عليها في المناطق البحرية الإسرائيلية. فمثل هذه الأنشطة تُهدد بتعريض الأطراف الثالثة المعنية لمسؤولية كبيرة. وكما سبق وأوضحت إسرائيل في رسالتها السابقة، المؤرخة في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، لا تزال إسرائيل ملتزمة بالتوصل إلى حل تفاوضي ودّي بشأن مسألة ترسيم حدودنا البحرية المشتركة، وتتوقع من لبنان أن يُظهر المستوى ذاته من الإلتزام. إن البعثة الدائمة لإسرائيل ستكون مُمتنة لو تم نشر هذه الرسالة على موقع المحيطات وقانون البحار التابع للأمم المتحدة تحت قسم البلدان في قاعدة البيانات الخاصة بالفضاء البحري: ترسيم المناطق البحرية[1]. بالإضافة إلى ذلك، تطلب البعثة الدائمة لإسرائيل إدراج هذه المعلومات في النشرة المقبلة لقانون البحار”. في ضوء ما تتضمنه الرسالة الاسرائيلية لا بد من إعادة التذكير بالنقاط الآتية:
أولاً؛ بتاريخ 1 تشرين الأول/اكتوبر 2020، أعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري عن التوصل إلى اتفاق ـ إطار، وقال إن ملف ترسيم الحدود البحرية والتفاوض غير المباشر مع العدو الإسرائيلي أصبح بعهدة رئيس الجمهورية، وهذا الأمر يلتقي مع ما نصت عليه المادة 52 من الدستور بأن التفاوض على المعاهدات الخارجية في صلب صلاحية ومسؤولية رئيس البلاد.
ثانياً؛ على لبنان أن يبدأ التفاوض من الحد الاقصى وفقاً للقانون الدولي كما فعلت وتفعل جميع الدول التي سبقتنا في حل نزاعاتها البحرية، وبالتالي يجب بدء التفاوض من الخط 29 وفقاً لبيان رئاسة الجمهورية بتاريخ 13 تشرين الأول/أكتوبر 2020، أي قبل يوم من بدء مفاوضات الناقورة التي إنطلقت قبل سنة وثلاثة أشهر. وكان من الأفضل تعديل المرسوم 6433 لكي يتم أخذ الموقف اللبناني على محمل الجد، إسرائيلياً ودولياً.
ثالثاً؛ جرت محاولات عديدة لتعديل المرسوم 6433 كان أولها بتاريخ 21 تموز/يوليو 2020 من خلال محاولة طرح الموضوع على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء في التاريخ المذكور، أي قبل انفجار مرفأ بيروت باسبوعين، أما المرة الثانية فمن خلال توقيع المرسوم بصورة استثنائية من كل من وزير الأشغال السابق ميشال نجار، ووزيرة الدفاع السابقة زينة عكر وطلب الموافقة الاستثنائية من قبل رئيس الحكومة حسان دياب، إلا أن هاتين المحاولتين باءتا بالفشل.
رابعاً؛ حاول الإسرائيليون بالتنسيق مع الأميركيين جر الوفد اللبناني للتفاوض على مساحة الـ 860 كلم مربع، إلا أن تمسك الوفد المفاوض بالخط 29 بوصفه الخط القانوني وفقاً لقانون البحار حال دون ذلك، وهذا ما أكده لاحقاً قرار محكمة العدل الدولية بشأن النزاع البحري بين كينيا والصومال الذي صدر بتاريخ 12 تشرين الاول/أكتوبر 2021 والذي أكد على عدم احتساب تـأثير الجزر الصغيرة التي تغير اتجاه الحدود البحرية بشكل غير تناسبي، وهذا ما يطالب به لبنان بخصوص عدم احتساب تأثير جزيرة تخيليت وبالتالي اعتماد الخط 29 للحدود البحرية الجنوبية.
Continue reading at الترسيم البحري: إسرائيل تُهدّد الشركات.. هل يرد لبنان بالمثل؟ | 180Post
خامساً؛ هناك خياران أمام الإسرائيليين: الاول، الإنسحاب من المفاوضات بموازاة الطلب من الوسيط الاميركي المضي بالضغط على لبنان من أجل عدم تعديل المرسوم 6433، ومن ثم اتباع سياسة المماطلة إلى حين فرض أمر واقع ببدء الانتاج من حقل كاريش عند وصول سفينة الانتاج المتوقع في آذار/مارس 2022. أما الثاني فهو الجلوس الى طاولة المفاوضات والتوقف عن سياسة المماطلة، إلا أن الجميع أصبح يعلم أن هذا لن يتم من دون تعديل المرسوم 6433 وايداع الخط 29 في الامم المتحدة والذي يعرقل قانوناً عمل شركة “انرجين” في حقل كاريش، ودون ذلك ليس هناك مصلحة للعدو للعودة الى طاولة المفاوضات كونه حاصل رسميا من قبل لبنان على كامل المنطقة الواقعة بين الخط 23 والخط 29. إضافة الى ذلك يكون قد أبقى المنطقة المتنازع عليها بين الخط 1 والخط 23 أي في المياه اللبنانية، وبلغت الوقاحة لدية في رسالته الاخيرة بتهديد شركات النفط (مصطلح “الأطراف الثالثة”) التي قد تنوي التعاقد مع لبنان في البلوكات الجنوبية. سادساً؛ بسبب تلكؤ السلطة السياسية في لبنان وبدلا من سعيها إلى فرض وقف العمل في حقل كاريش، يريد الاسرائيلي إبقاء النزاع في المياه اللبنانية وايقاف عمل شركة “توتال” في البلوك 9 على الرغم من أن خطه الحدودي الرقم واحد ليس له أي أساس قانوني أو تقني بعكس الخط 29 الذي الذي تم رسمه وفقا للقانون الدولي وبشكل عادل ومنصف وفقا لاتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار. في ضوء ذلك كله، يسأل المتمسكون بتعديل المرسوم 6433، هل هناك حل آخر؟ يأتي جوابهم كالآتي: “نعم، ولا يحتاج الأمر إلى المويد من الإنتظار إلى حين توفر النصاب الوطني والميثاقي والدستوري لجلسات مجلس الوزراء المتوقفة حالياً. الحل وقبل فوات الاوان هو بالايعاز الى مندوبة لبنان الدائمة في الامم المتحدة السفيرة امل مدللي، توجيه رسالة رداً على الرسالة الاسرائيلية الاخيرة تؤكد فيها أن لبنان يعتبر المنطقة الواقعة بين الخط 1 والخط 29 هي منطقة متنازع عليها، وهذا ما أبلغه لبنان رسمياً للجانب الاسرائيلي والوسيط الاميركي خلال جلسات الناقورة برعاية الامم المتحدة، على أن تتضمن رسالتها تحذيراً لأي شركة دولية من القيام بأي أعمال استكشاف، تنقيب، تطوير، أو استخراج للغاز والنفط في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل قبل التوصل الى حل عادل ومنصف وفقاً للقانون الدولي. هذه الرسالة ووفقا للسوابق لا تتطلب إنعقاد مجلس الوزراء ولا أحد يستطيع منعنا من إتخاذ موقف تاريخي وضروري جداً لمصلحة الشعب اللبناني، وبالتالي يكفي أن يعطي رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة توجيهاته الى وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، للقيام بواجباته كون رئيس البلاد بالاتفاق مع رئيس الحكومة هو السلطة المسؤولة عن ملف التفاوض وفقا للدستور”. ويضيف أصحاب وجهة النظر المذكورة أنه في حال أقدم لبنان على توجيه مثل هذه الرسالة رداً على الرسالة الاسرائيلية الاخيرة (راجع نصها أعلاه)، “سوف يعود الموفد الاميركي السفير عاموس هوكشتاين مسرعاً الى لبنان حاملاً معه طرحا جدياً قابلاً للحل، بدلاً من أن يأتي بتوقيته هو مستمعاً الى خلافات اللبنانيين ومشفقاً على وضعهم الاقتصادي ومنتظراً منهم التنازل المجاني لصالح اسرائيل، وإلا المماطلة وابقاء النزاع داخل بلوكات النفط اللبنانية ومتابعة العمل واستخراج النفط والغاز من قبل الاسرائيليين في حقل كاريش، والذي حينها لن يوقفه الا صاروخ ينطلق ليضرب لاول مرة منصة غاز في البحر الأبيض المتوسط، فمن سيتحمل التبعات في هذه الحالة”؟
المصدر - موقع 180