آية الله السيّد الدكتور إبراهيم رئيسي.. عصر العطش
كتب أحمد المسلماني في "أساس ميديا":
لم تقُم الثورة الإيرانية بتدليل شخص كما قامت بتدليل إبراهيم رئيسي. فلقد حصل هذا الرجل على كلّ شيء تقريباً، ومن دون عناء يُذكر. وهو اليوم رئيس الجمهورية، وقريباً سيكون المرشد الأعلى.. بعد عقود من إدارة السلطة والثورة والمذهب.
الحظّ المبكِّر: وُلد إبراهيم رئيسي في مدينة «مشهد» عام 1960، ومن دون أن يفعل الكثير أصبح مساعد النائب العامّ، وهو في الخامسة والعشرين من عمره. هكذا بينما كان زملاؤه يبحثون عن عمل، كان الشابّ الصاعد يُشارك في دوائر السلطة العليا في البلاد.
لم يمكث الشابّ المحظوظ كثيراً، حتّى أصبح «المدّعي العام» في إيران، وهو في التاسعة والعشرين من عمره. كان الراعي الأوّل لذلك الحظّ آية الله علي خامنئي رئيس الجمهورية ثمّ المرشد الأعلى. فمنذ درسَ إبراهيم رئيسي على يده بعضاً من الفقه والأصول، أغدقَ عليه خامنئي من كلّ شيء.
في عام 2004 أصبح إبراهيم رئيسي نائباً لرئيس السلطة القضائية، وفي عام 2017 ترشّح لرئاسة الجمهورية أمام الرئيس حسن روحاني. خسر رئيسي الانتخابات أمام روحاني، فكافأه المرشد الأعلى بتعيينه رئيساً للسلطة القضائية، وهكذا كانت خسارته السلطة التنفيذية عبر صناديق الاقتراع سبباً في رئاسته السلطة الأخرى، في سياق عجيب ونادر في النظم السياسية.
في عام 2021، واصلَ الحظُّ دوره الكبير. فقد قام المرشد الأعلى بتنظيف الساحة السياسية من جميع المنافسين لرئيسي في انتخابات رئاسة الجمهورية في إيران، ولم يعد هناك من يمكنه الفوز على رئيسي. وحسب أحمدي نجاد الرئيس السابق والمرشّح المستبعَد، فقد تمّت هندسة الانتخابات لأجل فوز رئيسي!
آية الله الدكتور السيّد: قبل 120 يوماً أصبح إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران، ووقف مدير مكتب المرشد الأعلى نيابة عنه ليقول في حفل التنصيب: «بناءً على خيار الشعب، فإنّني أُنصِّب الرجل الحكيم إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية».
لا يكتفي إبراهيم رئيسي بوصفه «الرجل الحكيم»، فقد كانت هناك ألقاب أخرى قد أُضيفت إلى جانب «الحكمة» لأجل صناعة الأسطورة.
قبل سنوات التقيتُ الكاتب الإيراني أمير طاهري في المملكة المغربية، وقال لي: إذا أردت ألّا تُتعب نفسك في تفاصيل السلطة في إيران، فعليك أن تركّز على شخص واحد هو المرشد الأعلى، فمن «زلزال» المرشد تأتي كلّ «التوابع».
عادَ أمير طاهري ليكتب أخيراً عن المرشد المحتمل، وقال إنّ إبراهيم رئيسي جمع لنفسه جميع الألقاب الكبرى. فقد ارتدى العمامة السوداء، وحصل على آية الله، ولقّب نفسه بـ»الدكتور». تدلّ «العمامة البيضاء» على أنّ مَن يرتديها هو من عامّة الناس، مثل هاشمي رافسنجاني، وحسن روحاني، أمّا «العمامة السوداء» فهي تدلّ على أنّ صاحبها من نسل بني هاشم، وأنّه ينتسب إلى السيّدة فاطمة وبيت النبوّة، وقد ارتدى المرشد الأعلى علي خامنئي العمامة السوداء، كما ارتداها الرئيس الأسبق محمد خاتمي، ويرتديها اليوم من جديد الرئيس إبراهيم رئيسي. ويُخاطَب مَن يرتدي العمامة السوداء باسم «السيّد» باعتباره منتسباً إلى آل البيت.
إنّ «السيّد» إبراهيم رئيسي هو أوّل رئيس يصل إلى السلطة وهو بدرجة «آية الله»، وهي رتبة دينية عليا في المذهب الشيعي. والرتبة الوسطى هي «حجّة الإسلام». وقد حصل على رتبة «آية الله» كلٌّ من علي خامنئي وهاشمي رافسنجاني. وحسب «طاهري» فإنّ رافسنجاني كان مقاول بناء، أعطى نفسه رتبة «حجّة الإسلام»، ثمّ حصل بعد الرئاسة على رتبة «آية الله» مع أنّ هذه الرتب تتطلّب عشرات السنين من الدراسة الدينية.
ثمّ كان اللقب الثالث لـ»السيّد – آية الله»، وهو لقب «الدكتور». والدكتور رئيسي في ذلك هو مثل الدكتور حسن روحاني، وإن كانت المعارضة تقول إنّ حسن روحاني حاصل على بكالوريوس نسيج، وإنّ حصول إبراهيم رئيسي على الدكتوراه في الفقه، هو حصول سياسي لا أكاديمي.
وهكذا أصبح إبراهيم رئيسي «آية الله» و»السيّد» و»الدكتور» و»الرئيس».. معاً!
لجنة الموت: ثمّة مرحلة مهمّة في سيرة رئيسي المحظوظ. فقد عيّنه المرشد الأعلى في منصب «رئيس مؤسسة الإمام الرضا»، وهي ليست مؤسسة دينية فحسب، بل هي مؤسسة مالية كبرى، تدير مليارات الدولارات، وتعادل ميزانيّتها ميزانية دولة إفريقية.
وحسب موقع «بي بي سي» فإنّ المؤسسة تمتلك نصف أراضي مدينة مشهد، ثاني كبرى المدن الإيرانية، وتمتلك شركات نفط وغاز بالغة الثراء، وهو ما يجعلها أغنى المنظّمات في العالم الإسلامي.
تقول المعارضة الإيرانية إنّ ذلك كلّه لم يكن من دون مقابل، فقد قدّم إبراهيم رئيسي الكثير من الدماء مقابل الكثير من السلطة، وإنّ الأمر لم يكن نتاج حظّ وفير، بل نتاج عمل ثوري غير قانوني، تسبّب في قتل آلاف الأبرياء.
تشير المعارضة إلى ما سُمّي «لجنة الموت» التي ضمّت أربعة من القضاة، كان رئيسي واحداً منهم. وهي اللجنة التي تتّهمها المعارضة بإعدام الآلاف من المعتقلين عام 1988. وتقدِّر منظمة العفو الدولية عدد الإعدامات السياسية التي قامت بها «لجنة الموت» بأكثر من خمسة آلاف شخص.
لا يتحدّث الإعلام الإيراني عن ذلك الملفّ، ولم يقدّم أنصار رئيسي تفنيداً مقنعاً لهذه التقديرات. وعلى الرغم من جنوح المعارضة المتطرّفة إلى الوصول بالرقم إلى 30 ألفاً ممّن تمّ إعدامهم، فإنّ الرقم الذي قدّمته منظمة العفو لم يجد ردّاً من جانب حلفاء رئيسي حتى اليوم.
عصر العطش: في عام 2017، قال إبراهيم رئيسي إنّ الحكومة الإيرانية فاسدة، وإنّه سوف يقوم بإصلاحها. وفي عام 2021، قال الإيرانيون إنّ حكومة رئيسي فاسدة، ويجب إصلاحها!
وعدَ رئيسي إيران في انتخابات 2021 بالازدهار والرخاء، حتى لو لم تتمّ الاتفاقات الدولية، وكان والد زوجته الذي يعمل خطيباً للجمعة في مشهد يقول إنّ مقاطعة الانتخابات، التي جرى تخطيطها من أجل رئيسي، هي بمنزلة ترك الإسلام. وقال حَمَا رئيسي: «الذين يقولون إنّنا لن نشارك في الانتخابات ليسوا مسلمين».
واليوم، وبعد أشهر من نجاح رئيسي، تتخبّط إيران في العقوبات والجائحة، وفي الفساد والعطش. وفي كلّ يوم تقريباً يتظاهر الإيرانيون، من أجل الحصول على المياه، وذلك بعدما جفّت أنهار، وتشقّقت أراضٍ، وأصبحت السدود ترتفع فوق العدم.
لكنّ أخطر ما يواجه إيران ليس ذلك كلّه، على خطورته، بل هو فقدان الأمل لدى الأجيال الجديدة، وفقدان الجاذبيّة للدولة الإيرانية لدى العالم.
في خريف 2021، قال مساعد وزير الداخلية الإيراني للشؤون الاقتصادية إنّ «قرار الحكومة بمنح إقامة لمدة 5 سنوات للأجانب الذين يستثمرون بمبلغ ربع مليون دولار لم ينجح، لقد فشلنا في اجتذاب مستثمر أجنبي واحد».
هنا تكمن أكبر تحدّيات إيران: عدم اقتناع الشعب في الداخل، وعدم اقتناع المجتمع الدولي في الخارج.
لم تعُد إيران تقدّم للعالم سوى منتجات فوضوية، وصادرات ثورية، وفيما تشتعل في البلاد «حروب العمائم»، وتجتمع العمائم على أنّ عدوّ إيران ينتظر في الخارج، فإنّ حقائق الأشياء قد تكون غير ذلك، إذْ يبدو أنّ أكبر أعداء إيران.. هي إيران نفسها.