الجواب النهائي للحكومة: وداعا للرياض وأهلا لطهران!
كتب أحمد عياش في "النهار":
ما قاله وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب حول الازمة بين لبنان والمملكة العربية السعودية ، يتفوّق في الشكل والمضمون على مواقف وزير الاعلام جورج قرداحي والتي كانت الشرارة لإندلاع تلك الازمة. وبدا في الحديث الذي ادلى به الوزير بو حبيب لوكالة رويترز بمثابة الجواب الفعلي لحكومة الرئيس ميقاتي على مطالبات الرياض بشأن معالجة الاضرار التي يلحقها نفوذ "حزب الله" بالعلاقات بين البلديّن. وفي مكان من هذا الحديث، يتبيّن بوضوح ان وزير الخارجية اللبناني تماهى تماما مع مقاربة نظيره الإيراني عندما زار بيروت في الأسبوع الأول من الشهر الماضي في شأن مقاربة وضع لبنان "المحاصر" على حد تعبيره.
ميزة ما صرّح به بو حبيب، انه كان الاكثر شمولية ووضوحا بمقاربة الازمة الناشبة والتي لم يسبق لها مثيلا في تاريخ لبنان منذ قيام لبنان عام 1920. وبدت مواقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي من المفترض ان يكون الناطق بإسم الحكومة التي ينتمي وزير الخارجية الى عضويتها، اقرب الى المجاملات التي تقدم ولا تؤخر في هذه الظروف الدقيقة. لا بل ان بو حبيب افاض في عرض التدهور في علاقات بيروت بالرياض عندما قال:""لم يكن هناك حوار (مع السعودية) حتى قبل المشكلة مع الوزير قرداحي (...) السفير السعودي هنا لم يتواصل معنا أبدا".واضاف "كان (السفير السعودي) هنا وكان يتواصل مع الكثير من السياسيين اللبنانيين لكنه لم يكن يتواصل معنا". وخلص الى القول:""نريد ان نعرف ما يريدون... نحن نفضل الحوار على الإملاء".
إذا، كشف بو حبيب ان لبنان وليس المملكة لديه مطالب عند الاخر. لكن ما لم يعترف به الوزير هو ان هناك ملفا متخما بالشكاوى تراكم منذ سنين والتي تطالب فيه السعودية السلطات في لبنان لوضع حد لهذا للاعتداءات مارسها "حزب الله" ولا يزال على المملكة سواء في تدخله في حرب اليمن او في طوفان المخدرات التي تعبر لبنان الى السعودية او في الحملة الاعلامية التي لا تتوقف بقيادة الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله.
كم بدت مفاجئة عبارة بو حبيب في هذه الحديث وهي:"إذا كانوا يريدون فقط رأس حزب الله على طبق من ذهب، لا يمكننا أن نعطيهم ذلك". وبدا وكأنه يستعير بصورة طبق الاصل قصة "سالومي" والتي عن "طريق رقصها المثير للغرائز قُطعت رأس يوحنا المعمدان!" ليت الوزير شرح اكثر أين ومتى طالبت الرياض ب"رأس" الحزب الذي أخضع ولا يزال تقريبا كل الرؤوس في هذا البلد؟
يسود إعتقاد ان حديث وزير الخارجية هو بتكليف من قصر بعبدا الذي إغتنم فرصة وجود الرئيس ميقاتي في غلاسكو لكي يسدد ضربة الى العلاقات اللبنانية-السعودية تجاوبا مع الحملة التي شنّها "حزب الله" بعد أزمة مواقف الوزير قرداحي.
في كتابه الذي يحمل عنوان "الضوء الأصفر السياسة الخارجية الأميركية تجاه لبنان،" عام 1991 يقول بو حبيب في ختام تجربته كسفير لبلاده في الولايات المتحدة:"لقد فجّر الجنرال( ميشال عون ) ما كان يدور في ذهن المواطن اللبناني ، من ان المليشيات والوجود الخارجي هما أساس المشكلة اللبنانية. ولقد عكس تلك القناعات الشعبية بطريقة دراماتيكية استعمل فيها احدث وسائل العلاقات العامة والاعلام. وبينما لم يلمس عون خطورة أهدافه، إعتقد كثيرون من الشعب ان الجنرال مدعوم من دولة كبرى- أو ربما الدولة الأكبر- وإلا لما تشجّع على القيام بحرب التحرير. وبعد ان تبيّنت لاحقا حقيقة المواقف السياسية، الإقليمية منها والدولية، كان الجنرال قد أصبح الزعيم المسيحي لا بل اللبناني، بدون منازع."
ها هو اليوم بو حبيب ، مثل الجنرال الذي صار رئيسا للجمهورية ، يتصرف على اساس نهاية مرحلة كان فيها الهدف هو محاربة المليشيات، وبدء مرحلة الالتحاق بهذه المليشيات التي صارت واحدة ، هي "حزب الله."
وكأن بوحبيب يتبنى "نبؤة" وردت في مقدمة كتابه المشار اليه عندما قال:" ان هذه الصفحات تعكس إستمرار تعلق اللبنانيين بنظام بلدهم الذي تنبأ تشارلز عيساوي، إستاذ الاقتصاد الشرق الاوسطي في جامعة برنستون ، بفشل تجربته، قال عيساوي:" إن إمتياز لبنان ونجاحه في مجاليّ الديموقراطية السياسية والاقتصاد الحر، حالا دون التسامح معه في منطقة ادارت ظهرها لكل من هذّين النظاميّن."
وإنفاذا لهذه "النبؤة" ، تصرّف وزير خارجية عند إجتماعه بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في السابع من تشرين الأول الماضي في بيروت وكأنه لا موقف لديه، مكتفيا في المؤتمر الصحافي المشترك بالقول ان الوزير الإيراني قام "بإطلاعنا سريعا عما تسعى اليه طهران إقليميا ونوويا،" وقال :" لن أزيد كثيرا على هذا واترك المجال لمعالي الوزير حتى يعطي اراءه!"
أما إللهيان فقال بوصفه فعليا صاحب الدار:"أعلن موقفا صريحا وحازما بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكما كانت، ستبقى دائما تقف بكل حزم وقوة الى جانب الجمهورية اللبنانية الشقيقة من اجل كسر الحصار الظالم الذي يتعرض له في مثل هذه المرحلة الحساسة من تاريخه ولن تبخل بأي أمر في مجال مساعدة لبنان ومؤازرته في حال طلب أي مساعدة تقدم في هذا الإطار".
ها هي الحكومة التي تحدث بإسمها بالامس وزير الخارجية . وكأن وزير الاعلام بوصفه مقدما لبرنامج "من سيربح المليون" قد سأل زميله بو حبيب:"هل هذا هو الجواب النهائي؟ فرد الأخير عبر رويترز:نعم هذا هو الجواب النهائي للرياض!