جعجع: سنمضي إلى طلب رفع كل الحصانات
كتب أحمد عياش في "النهار":
هل تتضافر كل الجهود من أجل الحفاظ على البقية الباقية من الرجاء في القضاء اللبناني، هذا إذا كان لا يزال ثمة رجاء، كي يستمر التحقيق الداخلي في انفجار مرفأ بيروت؟ ربما هناك فرصة قد يُكتب لها النجاح إذا ما تحقق مطلب رفع كل الحصانات، كي لا تبقى هناك شبهة “إنتقائية” أو شبهة “تسييس”، اللتان لم ينزل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بكل ثقله لمقارعتهما فحسب، بل هناك ثقل سياسي مهم قرر ان ينضم إلى إسقاط هاتين الشبهتين يمثله رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع.
في لقاء خاص مع مجموعة من الناشطين في معراب شاركت فيه “النهار”، فرض موضوع التحقيق القضائي في انفجار المرفأ نفسه أولوية لا تضاهيها أية أولوية أخرى. فهذا اللقاء انعقد مساء الثلثاء الماضي غداة الهجوم غير المسبوق الذي شنّه نصرالله على المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. كما جاء اللقاء في اليوم الذي جرى كفّ يد البيطار موقتا عن متابعة التحقيق مع عدد من النواب، فيما كان المجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون وحضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يردّ طلب المحقق العدلي بمثول المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا أمام التحقيق، فبدا هذا المجلس وكأنه يقف الموقف نفسه الذي وقفه نصرالله، كما وقفه النواب المستدعون إلى التحقيق على خلفية مسؤولياتهم الوزارية سابقا.
وتساءل الدكتور جعجع: “ما يدعو إلى الاستغراب هذا التسابق على رفض استدعاءات المحقق العدلي، وهو الذي لديه آلاف الأوراق المتعلقة بانفجار المرفأ؟ هل يعلم من يرفض تلبية طلب الاستدعاء ما هي هذه الأوراق وما تتضمنه؟ مثلا، ماذا سيكون موقف النائب الحالي والوزير السابق الذي طُلب إلى التحقيق، إذا ما قام القاضي بإخراج مستند صادر عن احد الأجهزة الأمنية وراح يقرأ ما ورد فيه، ما يؤكد ان هذا الوزير السابق عندما كان في سدة المسؤولية تسلّم تقريرا يؤكد ان مادة نيترات الامونيوم المكدّسة في العنبر الرقم 12 هي مواد خطرة ولا بد من معالجتها؟ كيف سيرد هذا الوزير السابق؟ هل سيقول مثلا انه أجاب بأن الامر ليس على هذا المستوى من الخطورة؟ أم سيقول ان وفيق صفا (رئيس وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله) طلب منه غضّ النظر عن هذه المواد لأن للحزب حاجة فيها؟”. واعرب جعجع عن اعتقاده أن “هذا التصعيد غير المسبوق من نصرالله ضد قاضي التحقيق ينطوي على قلق من ان يصل التحقيق إلى الحزب ومسؤوليته عن نيترات الامونيوم. وإلا فما معنى هذا التصعيد؟”.
وتسأل “النهار” رئيس حزب “القوات اللبنانية”: هناك موقف سنّي ظهر في مناسبات مختلفة يماثل الاعتراضات التي ساقها زعيم “حزب الله” ضد المحقق العدلي. فهل له موقف من ذلك التماثل، وبخاصة انه سبق لرئيس كتلة “المستقبل” الرئيس سعد الحريري ان دعا في وقت سابق إلى رفع كل الحصانات لإخراج التحقيق من دائرته الحالية التي تشمل حصراً مسؤولين من الطائفتين السنيّة والشيعية فقط؟ يجيب جعجع “ان القوات ماضية بدورها إلى طلب رفع كل الحصانات”.
ماذا يعني اليوم ان ينتظم في صف واحد كل من “القوات اللبنانية” و”المستقبل” و”حزب الله” للمطالبة برفع كل الحصانات التي تعني بالتحديد حصانة الرئيس الحالي للجمهورية ورئيس سابق هو ميشال سليمان، وهما سيكونان على قدم المساواة مثل رؤساء الحكومات السابقين الذين تعاقبوا على المسؤولية منذ وصول باخرة نيترات الامونيوم إلى مرفأ بيروت نهاية عام 2013 ولغاية انفجار هذه المواد في 4 آب 2020، وهؤلاء هم الرؤساء تمام سلام وسعد الحريري وحسان دياب، إضافة إلى كل الوزراء المعنيين الذين هم وزراء الدفاع والعدل أيضا، اضافة إلى وزراء المال والامن الداخلي والاشغال الذين يطاولهم التحقيق حاليا فقط؟
هل ستظهر مبادرة فعلية في هذا الاتجاه كي لا تبقى القضية في دائرة الاتهامات ونظريات المؤامرات التي لا نسقطها من الحسابات؟
وخلال اللقاء توسع البحث ليصل إلى موقع كل من المدير العام للجمارك بدري ضاهر ورئيس مجلس إدارة المرفأ حسن قريطم. وفي رأي جعجع ان كلاهما بحكم مسؤولياتهما يعلمان الخبر اليقين حول مسار شحنة نيترات الامونيوم منذ وصولها إلى مرفأ بيروت إلى حين انفجارها.
ربما أدرك جعجع ان حجم الهجمة المضادة للتحقيق العدلي بات كبيرا جدا. وأظهر امتعاضه من موقف المجلس الأعلى للدفاع الذي وقف في وجه هذا التحقيق من خلال عدم الموافقة على التحقيق مع المدير العام لأمن الدولة. وكان جعجع سأل: “أين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، والحكومة، ووزير العدل من كلام نصرالله وتهديداته؟”، مضيفاً: “من الطبيعي أن يحاول السيد حسن الدفاع عن حزبه بضرب صورة المحقق العدلي، لكن من غير المفهوم ألا يدافع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير العدل عن القضاء، لماذا لا يتخذون موقفاً واضحاً ومباشراً ويطلبون من نصرالله وقف تهديداته وتدخلاته في عمل المحقق العدلي، وأن ينتظر القرار الظني حتى يدلي بموقفه من التحقيقات؟”.
لا يبدو ان طلب جعجع من الرئيسين عون ونجيب ميقاتي ومعهما وزير العدل سيستجاب. لكن سيكون من المهم ان يتم الوصول إلى رفع الحصانات ليتبيّن مَن هو فعلا مع كشف حقيقة انفجار المرفأ ومَن هم المسؤولون عنه على كل المستويات.