لبنان في الأجندة الإيرانية... هيمنة يقودها "حزب الله"!
ليست زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت، وحدها التي تؤكد إلتحاق لبنان بالمحور الإيراني، وفق ما تعكسه الحالة السياسية، حين تدافع السياسيون اللبنانيون للقائه وملاقاة بعضهم له في الطروحات المتعلقة بالشأن الاقتصادي وبناء معامل كهرباء وإعادة إعمار المرفأ، إنما أيضاً ما تؤكده الوقائع على الأرض واتخاذ لبنان جبهة في المواجهة مع الأميركيين انطلاقاً من تصعيد "حزب الله". لكن الأبرز في حركة عبد اللهيان كان لقاءاته مع أطراف قوى الممانعة أو "محور المقاومة" بما فيها قوى فلسطينية بينها "حماس"، وهي في السياسة تتجاوز الكلام الرسمي عن دعم لبنان الاقتصادي لتعيد الأمور إلى مربعها الأول عندما كان وزير الخارجية الإيراني نفسه مكلفاً متابعة شؤون "حزب الله" والقوى التي تدور في فلكه، في المواجهة مع الأميركيين في المنطقة.
بعد الزيارة الرسمية الإيرانية، لن يتأخر الوقت طويلاً ليفرض "حزب الله" أجندته في الداخل على المسار الحكومي، في كل الملفات الشائكة والأساسية. سينتقل الحزب إلى مرحلة جديدة وفرض واقع مختلف ... أقله ستكون الأشهر المقبلة فترة تهيئة للإمساك بكل مفاصل السلطة، وسيخوص معركة الانتخابات النيابية مع حليفه التيار العوني ورئيس الجمهورية ميشال عون لفرض أمر واقع جديد متسلحاً بقوته وبالدعم الإيراني اللامتناهي والذي تُرجم ببواخر المحروقات الإيرانية فضلاً عن المال والسلاح.
أعلن عبد اللهيان من أرض لبنان المنكوبة، انتصاره وشروطه، ووجه رسائل إلى الأميركيين باستمرار المواجهة، فلبنان بالنسبة إلى الإيرانيين خط أحمر وهو في طليعة الأذرع الإيرانية، فشد على أيدي حلفائه مهنئاً إياهم على انجازاتهم في مواجهة الأعداء، واعداً بالمساعدة على فك الحصار على لبنان، وهو حصار متوهّم، إذ إن إيران تتخذ من لبنان جبهة لقتال الأميركيين في المنطقة، فيما الصراع بين المحورين على أشده، حتى مع مفاوضات الملف النووي التي توقفت بعد انتخاب ابراهيم رئيسي، رئيساً لإيران. ومن التصعيد أعلن عبد اللهيان استعداد إيران لبدء استثماراتها في البلد المدمّر بعدما بانت الهيمنة عليه، وهو سجل نقطة لمصلحته طالما أن السيطرة تميل نحو إيران والتي باتت إلى حد كبير، ومن خلال "حزب الله" المتحكم الأول بمفاصل السياسات اللبنانية واستراتيجياتها.
بعد الدخول الإيراني المباشر على الخط اللبناني، بات المجتمع الدولي يصنّف أكثر وأكثر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بأنها حكومة ممانعة أو أقله حكومة يهيمن عليها "حزب الله" بالتحالف مع رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره، وهما ينسقان معاً بالفعل للاستحقاقات المقبلة للحكومة في التفاوض مع صندوق النقد وفي السياسة الخارجية وأيضاً في الانتخابات النيابية المقررة في 27 آذار (مارس) المقبل. الواقع لا يبتعد كثيراً عن هذه الصورة، فـ"حزب الله" يعتبر أنه انتصر في معركة ما يسميه "كسر الحصار" الأميركي على لبنان، وهو أمر أشار إليه عبد اللهيان، ويريد التقدم خطوات أكبر للإمساك بمفاصل الدولة كلها، ومن بينها إنهاء سيطرة الأميركيين على بعض أجهزة الدولة. لذا يريد الحزب أن تكون له كلمة الفصل في الملفات المالية والاقتصادية على الرغم من أن هذا الأمر يشكل نقطة خلافية مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي لا يزال مقيداً بالهيمنة القائمة على القرار الحكومي، وهو حاول النأي بنفسه عن المواقف التي أطلقها الوزير الإيراني في بيروت. كما يتطلع "حزب الله" إلى أن يكون مرجعية أولى في المفاوضات الدولية مع لبنان ويتجهز للانخراط في المشاريع وتحديد خريطة المفاوضات مع صندوق النقد، معتبراً أنه لا يجوز أن تُملى على لبنان شروط أميركية من هذا المدخل.
يتقدم "الحزب" أيضاً بعد دخول صهاريج المازوت الإيرانية إلى لبنان، خطوات أخرى، مستنداً إلى معادلة أن إسرائيل لا تريد أن يدخل "حزب الله" في معادلة حرب البحار، وهو ما زاد من قوته وفق رئيس المجلس التنفيذي في "حزب الله" هاشم صفي الدين في لقاء مع التعبئة التربوية في الحزب، "فإسرائيل تعرف أن صواريخنا تطال إلى أبعد نقطة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي نستطيع أن نمنع أي سفينة من أن تدخل إلى عكا وحيفا وتل أبيب أو إلى أي مكان، فهل تستطيع إسرائيل أن تكمل بهذا الشكل في حال اعتدت على البواخر الإيرانية؟".
يعتبر "حزب الله" أن الأميركيين يؤثرون في لبنان أمنياً وسياسياً ومالياً واقتصادياً، وهم أقوياء في الدولة اللبنانية، ولديهم الكثير داخلها، ويقول صفي الدين "ولكن نحن حتى الآن لم نخض معركة إخراج الولايات المتحدة الأميركية من أجهزة الدولة، ولكن إذا جاء اليوم المناسب وخضنا هذه المعركة، سيشاهد اللبنانيون شيئاً آخر، فنحن لم نخض هذه المعركة، لأننا نعرف ما قدرة تحمل هذا البلد، فأميركا عدو لا تقل عداوة عن إسرائيل، وأحياناً أكثر عداوة منها، ولكن نحن نرى ونسمع ونقدر الموقف إن كان في إمكان اللبنانيين التحمل أم لا".
هذا الكلام الذي يستمد من الدعم الإيراني، يعني أن "حزب الله" سيتقدم خطوات في مجال السيطرة والهيمنة، ليس على الحكومة وحسب، إنما على الدولة ومؤسساتها. وفي الصراع مع المحور الآخر، يعتبر أنه صاحب الفضل الأول في تشكيل الحكومة، فدخول المحروقات الإيرانية ومواجهة الاميركيين فتحا الأبواب على التشكيل، لذا سيواصل سطوته مع حلفائه على البلد ليصبح بيد "نهج المقاومة". وهو سيخوض الانتخابات على قاعدة مواجهة الحصار الأميركي ومقارعة الاستكبار، بالتناغم مع التيار العوني الذي يقول أنه يخوض معركته ضد الطبقة السياسية ومكافحة الفساد.
وفي معركته التي يقول إنه كسر فيها الحصار الأميركي يريد تحقيق الانتصارات لنهجه، من خلال إحكام سيطرته الكاملة، ليس على الأمن والسياسة الخارجية فحسب، بل حتى التدخل في القضاء والاقتصاد والسياسة المالية، إضافة إلى مفاوضات ترسيم الحدود. ومن خلال كلام صفي الدين الواضح في السياسة والأمن، لا يتوانى "الحزب عن التلويح باستخدام منطق القوة، في كل الملفات، حتى في التدخل إقليمياً، إذ إن المعركة الإقليمية بالنسبة إليه هي التي أعطته القوة بحسب صفي الدين، وصولاً إلى تطهير الإدارة اللبنانية من النفوذ الأميركي.
يساعد الحزب في ذلك، تغطية رئيس الجمهورية ميشال عون لسياساته وتدخلاته الإقليمية، فيما يترك للرئيس اللبناني ولتياره فرض وقائع في المسار الحكومي تتعلق بالصلاحيات، خصوصاً تلك المنوطة برئاسة الحكومة، فتسير هذه الثنائية على كل استحقاقات المرحلة المقبلة.
لا يغيب المشهد الإيراني عن تقدم "حزب الله"، فبات لبنان وكأنه في مصير واحد مع إيران، فأي إنقاذ وأي مواجهة يأخذان البلد ويرهنان مصيره للخارج...
النهار العربي - ابراهيم حيدر