أليس لبنان بوابة لصدّ التمدد الصيني؟
كتبت منى فياض في "شفاف":
انهيار لبنان المتمادي تحت أبصار العالم ورفض المسؤولين اتخاذ تدابير ممكنة تنهي هذه الحالة منذ أعوام، يوحي بوجود استعصائين أسياسيين أمام الانقاذ:
الأول هو فيتو حزب الله على أي خطة جرى طرحها لوقف التدهور. تحت ذرائع شتى: السيادة والقوانين!! وحفظ حقوق المودعين ودعم السلع لصالح المواطنين ومنع التضخم… هذا التجميد للوضع حقق كل “مخاوفهم” المزعومة. فنجحوا بإيصال لبنان إلى قاع الفقر وقضوا على كل مقومات لبنان. الاستنتاج، أن الإفلاس التام للدولة والإفقار غير المسبوق للبنانيين كان مقصودا.
فإفقار الشعب يمهّد لوضع اليد عليه. يلهيه بالبحث عن لقمة العيش، ويسهّل شراءه بصندوقة إعاشة وغالون مازوت أو بنزين، تم تهريبها وبيعها بأسلوب تجاري بعد دعايات تطبيل وتزمير بكسر الحصار الأميركي!!
وكأن اميركا هي التي سرقت أموال اللبنانيين وهرّبت مئة شاحنة مازوت يومياً إلى سوريا، كي تعوّم إيران لبنان بما يقدّر ب 2% من حاجته!!
الاستعصاء الثاني تمارسه القوى السياسية التقليدية المتواطئة مع حزب الله، والتي قدمت له جميع وسائل التمكين للسيطرة على الحكومة والبرلمان. هذه الفئة ستتضرر، خصوصاً بعد الثورة، من أي إصلاح جدي لأنه سيسهّل محاسبتها ومحاكمتها ولو بعد حين.
هناك استعصاء ثالث ضمني، يمنع قبول بعض شروط صندوق النقد الدولي، كخفض عديد القطاع العام مثلاً. وهم جيش الموظفين الحكوميين المكوّن ممن “دحشتهم” المنظومة الحاكمة في دوائر الدولة دون الخضوع لشروط التوظيف أو رقابتها. هؤلاء سيشكلون حصان طروادة في أي تحرك إو انتخابات.
أمام كل ذلك تهدد مرجعيات أوروبية بفرض عقوبات على منظومة الحكم اللبنانية، لكنها تمتنع عن تنفيذها. فيما تستمر بتغطيتهم وتتعامل معهم كأمر واقع!!
يتفق الجميع، بما فيهم المجتمع الدولي، أن المطلوب تغيير السلطة من جذورها. والسبيل الوحيد الممكن والمقبول، خارج استخدام العنف والحرب الأهلية التي يهددنا بها الحزب، إجراء انتخابات نيابية.
لكن الانتخابات، في ظل هذه المنظومة المتسلطة على البلاد والعباد، دون تأمين بض الشروط المحددة وعلى رأسها الرقابة الدولية المشددة، لن تجدي نفعاً خصوصاً أن القضاء يبرهن يومياً عن عجزه وتقاعسه عن حماية القوانين وتنفيذها وحفظ حقوق المواطنين.
وإذا كانت اليد المتسلطة على القضاء خفية سابقاً، فإنها حرصت مؤخراً على كشف وجهها بوقاحة موصوفة. فلقد طلب المسؤول الأمني لحزب الله من صحافية نقل تهديده إلى القاضي البيطار المولج بتحقيقات انفجار المرفأ ليُرهِب ويُعلِم القاصي، والداني بجبروته، وتحكمه بلبنان وقضائه.
وسرعان ملحق به وزراء سابقون لطلب كفّ يد القاضي.
إذا المطلوب من السلطة إجراء انتخابات “تغيّر فيها السلطة نفسها” طوعاً؟
علّق الوزير السابق شارل رزق: “بعد ما جرى مع القاضي بيطار سقطت الحاجة لتنظيم الانتخابات فالنتيجة معروفة سلفاً”. وسبقه نائب الحزب محمد رعد ونعيم قاسم بتسفيه نتيجة الانتخابات وعدم قدرتها على التغيير.
يبدو أن الحزب يتحسب لهذه الانتخابات مهما كانت نتيجتها.
لذا لا يمكن صرف هذه التصريحات إلا في مجال البروباغندا للتأثير النفسي على المواطنين وتيئيسهم. يترافق ذلك بأقلام اعتادت الكذب الأصفر، تبشرنا أن الحزب ومنظومته وضعوا اليد على لبنان نهائياً بمساعدة فرنسية نشطة وبغض نظر و”خضوع” أميركي سمح لإيران إدخال نفطها ضاربة بعرض الحائط قانون العقوبات.
يكثر الحديث بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، عن انسحاب آخر من الشرق الاوسط. وأن الإدارة الأميركية الجديدة لا تعير لبنان انتباهاً.
طبعاً لبنان بلد صغير جدا على الخريطة العالمية، لكن هناك شكاً في أن الادارة الاميركية تهمله كما يزعمون. انه ليس من اولوياتها بالطبع، لكن مسارعتها بتحريك خط الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، بتأثير ودعم لافت من الملك الاردني، لا ينم عن “إهمال” الوضع اللبناني. والأرجح انه غض نظر مؤقت لصالح توظيف بعيد الأمد.
وإذا كانت الجهود والضغوط جادة وتم تأمين الغاز والكهرباء وتعطيل تسويف المنظومة لهذا الحل، يكون خطوة أولى تساعد على التخفيف من الأزمة، بالخروج من دوامة النفط. خصوصاً مع مواكبة ضغط شعبي يبدو أنه يتصاعد مجدداً. وفي هذا السياق يصبح أيضاً غض النظر عن شاحنات النفط الإيراني التجارية والمستغلة انتخابياً، نوع من هدنة (نذكر بأنها ترافقت مع عقوبات جديدة ملفتة بتعاون قطري) كي لا يستغل استخدام العقوبات للنفخ في بروباغندا الحزب: “ألم نقل لكم الحصار الأميركي يحرم الشعب اللبناني من كرم إيران وحزبها!!”.
وستخبرنا الأيام إذا كانت هذه الخطوات هي من ضمن استراتيجية أميركية مؤيدة لإيران فتعيد تأهيل حكم الأسد وتبطل العقوبات بحق النظام السوري وتتركه للنفوذ الإيراني كي تتفرغ لمواجهة الصين فقط في عقر دارها. أم أنها خطوات تكتيكية بانتظار بلورة موقفها من إيران النووية وانفلاشها في المنطقة.
وإذا كان مفهوماً أن أوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً، لم تفطن بعد إلى جدية الخطر الذي تمثله الصين عليها، كبلد متطور تكنولوجياً ومحكوم “إلى الأبد” من سلطة مستبدة توتاليتارية لا تعير القيم الإنسانية أي اهتمام، ومستعدة حتى لتخليق أجنة متفوقون بواسطة التلاعب بالجينات والشرائح الالكترونية. فستخدم جميع التقنيات الحديثة المتاحة للمراقبة والقمع بهدف السيطرة على العالم. فإذا كانت أوروبا غافلة عن خطر كل ذلك على مستقبل البشرية؛ نجد ان أميركا تعي الخطر وتجابهه.
عاينّا مؤخراً، ان فرنسا تهتم بحفظ مصالحها ومصالح شركاتها النفطية ومصانعها الحربية الثقيلة، فتبرم عقد الـ 27 مليار دولار لشركة توتال في العراق، تحت رقابة إيران. كما ترغب بالعودة للاتفاقية النووية مجدداً لتلزيمات دسمة عند تجديد البنى التحتية في إيران. كل ذلك جعلها تقبل بالتراجع عن الشروط، المنقوصة، التي كانت وضعتها أمام تشكيل حكومة تحت رعاية حزب الله.
السؤال المطروح الآن: هل أن فرنسا ستقبل على نفسها تحمل مسؤولية التخلي عن لبنان التاريخي الديموقراطي الليبرالي، لبيعه لإيران، كما تزعم بروباغندا منظومة هذه الأخيرة؟
وهل الولايات المتحدة ستترك لبنان تحت الرعاية الفرنسية دون شروط؟ كتعويض عن خسارتها صفقة الغواصات مع أستراليا؟ كما تروج نفس الأبواق الممانعجية؟
السؤال عندها: هل الاكتفاء بمواجهة الصين في الشرق الأقصى هو وحده الدواء الناجع للحد من تمددها في العالم؟ وهل يعني الانسحاب من أفغانستان ترك الساحة لإيران وأذرعها تعيث فساداً في المنطقة وتسهّل استعادة فتح طريق الحرير (لا يغيب عن بالنا صفقة الـ 400 مليار دولار للخمس وعشرين سنة القادمة مع الصين) أمام الصين عبر العراق وسوريا ولبنان؟ هل يعقل أن يترك مرفأ طرابلس للصين؟ بعد أن اشترت مئات الكيلومترات في البقاع على الحدود اللبنانية السورية لتهيئة بنى تحتية لسيطرتها القادمة على سوريا ولبنان؟؟ ولمن ستُتْرك إعادة إعمار مرفأ بيروت؟
كلها أسئلة برسم من يظن أن لبنان ليس إحدى البوابات الأساسية أمام طريق الحرير، تاريخياً، عبر حلب وغيرها من المدن العربية وصولاً الى بيروت.
لا أظن أن من الحكمة التخلي عن مواجهة الصين ابتداء من بوابات الشرق الاوسط وصولاً الى الشرق الاقصى.