هل جاء دور القضاء؟!
كتب أديب أبي عقل
المركزية- لم يعد خافيا التدمير الممنهج للقطاعات التي تشكّل البنى التحتية للدولة بغية اسقاطها، وتالياً إحكام القبضة والسيطرة على قرارها وتحديد بوصلة توجهاتها، وإلحاقها بالمحاور الخارجية التي يعمل بعض الداخل على مستوى المسؤولية، وبعض القوى الفاعلة وفق أجندة هذه المحاور.
فبعد إسقاط القرار السياسي على مستوى الحكم، والقرار التنفيذي المتمثل بمجلس الوزراء مجتمعاً، والقطاعات الاقتصادية بدءاً من الحملة المبرمجة ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وما تلى ذلك من قرارات مصرفية، في موازاة مع حملة مدروسة للضغط الاقتصادي والمعيشي على اللبنانيين، عبر تهريب الدولار في والتلاعب "المدروس" بسعر صرفه، بالتوازي مع تهريب المحروقات والخبز واحتكار الأدوية والمواد الغذائية، يبدو أن ساعة إسقاط السلطة القضائية دقّت، والقرار اتُّخذ والتنفيذ يجري في وضح النهار.
ذلك ان الالتفاف الوقح على المحقق العدلي في جريمة مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، بـ"تعليق" تحقيقاته ومتابعة ادّعاءاته على من اتهمهم بمسؤولية التفجير كل من موقعه، أخذ طريقه إلى التنفيذ، وأرغم المحقق العدلي على ايقاف سلسلة من الاستجوابات في انتظار البتّ بالدعوى المرفوعة ضده.
وأهمية تعليق التحقيقات، في انتظار بتّ الموضوع قضائياً، تكمن في أن اتخاذ القرار قد يستغرق فترة زمنية تتجاوز المدة الفاصلة عن بدء الدورة العادية لمجلس النواب، ليعود الرؤساء والوزراء والنواب المدعى عليهم، إلى التلطي مجدداً خلف الحصانات والمحاكمة امام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، في خطوة تترجم التوجّه إلى التعمية على الحقائق وإخفاء المسؤوليات، نظراً إلى حجم الجريمة التي أودت بأكثر من مئتي ضحية بريئة وألوف الجرحى ودمّرت ثلث العاصمة.
فجريمة من هذا النوع وبهذا الحجم، لا تتطلّب تذاكياً وتشاطراً من المدعى عليهم، مقدار ما تفرض عليهم من الباب الإنساني على الأقل، واحتراماً لأرواح الضحايا ولأهل العاصمة ولبيروت نفسها، ان يبادروا من تلقاء أنفسهم، إلى افادة المحقق العدلي بما يملكون من معطيات تنير الطريق إلى كشف الحقيقة والملابسات.
الا ان مخطط التدمير الممنهج المتّبع، فرض من مواقع أصحابه التوجه الرافض للطريقة المتّبعة، وما حصل من مواقف ومن ثم خطوات في الأيام الاخيرة، كشف بما لا يقبل الشك، ما يخطط له منفّذو الأجندات الخارجية. وذلك من دون أن يجرؤ مسؤول واحد على رفع الصوت اعتراضاً على تهديد المحقق العدلي، حتى من أهل البيت أنفسهم، لأنهم لو اعترضوا على عدم توقيع التشكيلات القضائية، لكانوا وضعوا اللبنة الاولى في مدماك تحصين القضاء وتحييده عن التدخلات السياسية السافرة، كما اخيراً، وجعله الحجر الأساس لبناء دولة القانون والمؤسسات، الحامية والضامنة الوحيدة لحقوق ابنائها.
المطلوب من مسؤولين يسكتون عن ممارسات مماثلة وتصرفات مماثلة، الرحيل فوراً عن مواقع مسؤوليتهم.
المطلوب من دولة لا يحترم مسؤولوها شهداء وضحايا ابنائها، ان تلفظهم فوراً إلى مزبلة التاريخ.
المطلوب من دولة لا يستطيع المسؤولون فيها محاسبة الفاسدين وناهبي المال العام، ان تبعدهم لتنزع عنها صفة الدولة الفاشلة.
المطلوب من دولة لا يستطيع حكامها رسم حدودها البرية والبحرية والسيطرة عليها، ان ترذلهم كي لا تُصنَّفَ دولة فاشلة وفاقدة الاحترام الدولي.
المطلوب من دولة اصحاب السلطة فيها "عناتر" على الشاشات، ولا يتجرؤون على ولا يستطيعون منع التهريب واعتقال المهرّب المعروف شخصياً وبالحماية له، ان تزجّ بهؤلاء خلف القضبان، كي تعود محترمة من المجموعات الدولية.
المطلوب من شعب "يتشدق" عليه سياسيوه وقادته بالشعارات الفارغة، ان يغضب منهم ويثور عليهم ثورة لا تتوقف حتى إسقاطهم كما أسقطوا الدولة.
المطلوب العمل على قيام تضامن كامل متكامل بين القوى التي تتوق إلى التغيير، ان تتوحّد في الانتخابات النيابية المقبلة لإسقاط هذه المنظومة، كي تعود الثقة الخارجية من الأشقاء والأصدقاء، لتبدأ رحلة إعادة إعمار ما دمّره هؤلاء، وإعادة تصويب البوصلة الوطنية على الثوابت الوطنية، لتنهض المؤسسات والقطاعات من الوضع المزري، وينطلق اللبنانيون نحو تحقيق حلمهم بقيام دولة الحرية والحق والعدالة المنتظرة.