مهمة الحريري تزداد صعوبة: كيف يسوّق خارجيا لحكومة معظم مكوّناتها "مصنّف"؟
غداة "معاقبة" باسيل.. الرئاسة تطالب واشنطن بالادلة..و"التيار" يصعّد: افتراء وانتقام
لبنان من البلدان المهددة بشدة بالجوع الحاد..كورونا يتمدد ودائرة المطالبين بالاقفال تتسع
المركزية- بدا "لبنان الرسمي" اليوم يحاول امتصاصَ مفاعيل العاصفة الاميركية التي هبّت عليه امس، ولملمةَ الاضرار الكبيرة التي خلّفتها في واجهته. فإدراج رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على لائحة العقوبات الاميركية- اليد اليمنى لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لا بل "رئيس الظل" في البلاد، كما يحلو لكثيرين توصيفه- هذا الادراج ليس إجراء بسيطا، يُهضم بسهولة، بل يفترض – طبعا اذا كنا في دولة لا تريد الخروج من المنظومة الدولية العالمية – ان تعقبه "جردة حساب" واسعة، يراجع خلالها العهد نفسه وقراراته، فتكون اولى نتائجها الاسراع في تشكيل حكومة "بتبيّض الوجّ" كما يقال في العامية، تعيد الى حد ما، تلميع صورة لبنان الرسمي، أمام عيون العالم. غير ان الامور لا تبدو ذاهبة في هذا الاتجاه. فاللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية الى الرئيس المكلف سعد الحريري عصر امس، لم يتمكّن من تذليل العقد التي لا تزال تعترض ولادة الحكومة، وأبرزها متعلّق – رغم العقوبات - باعتماد المداورة في حقيبة الطاقة. وتبقى معرفة ما اذا كان الاتصال الذي حصل بين عون ونظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون مساء- حيث حث الاليزيه بيروت على الاسراع في تأليف حكومة قادرة على نيل ثقة المجتمع الدولي فيلاقيَها بالمساعدات الملحة- سيفعل فعله، في بلد حذّرت منظمة الأغذية العالمية (الفاو) اليوم، من انه بات من البلدان المهددة بشدة بالجوع الحاد.
تصعيد ام تسهيل؟: اذا قرّر الفريق الرئاسي، في اعقاب "الضربة" الاميركية التي مني بها، التحديَ ورفعَ السقف سياسيا وحكوميا، فإن الحكومة العتيدة، ومعها اللبنانيون الفقراء الجائعون، سيكونون ابرز الضحايا. فأي طريق سيسلك؟ التصعيد، مدعوما من حزب الله "الوفيّ"، بقوة، هذه المرة؟ ام التليين، في رسالة حسن نية وربط نزاع مع واشنطن والخارج؟ الساعات المقبلة ستحمل الجواب، وستبدأ معالمه بالظهور مع المؤتمر الصحافي الذي يعقده ظهر غد، النائب باسيل، ويفصّل فيه، وفق المعلومات، اسباب وخلفيات إدراجه على لائحة العقوبات، حيث يتجه وفق مقربين منه، نحو كشف معطيات "لا يعرفها كثيرون"... ومع ان هذه الاجواء لا توحي بمرونة آتية، تشيراوساط دبلوماسية عبر "المركزية" الى ان العقوبات قد تسرّع في التشكيل، لأن المعطيات الدولية تفيد بضغط اضافي سيمارس على القادة اللبنانيين، ايا كانت هويتهم وانتماؤهم السياسي، على شكل "عقوبات" مماثلة، اذا ما استمرّ التسويف والمماطلة.
لا يحسد!: في الغضون، تقول مصادر سياسية مطلعة لـ"المركزية"، ان مهمة الرئيس الحريري باتت شديدة التعقيد وهو في موقع لا يحسد عليه. فهو يقف امام تحدّ اشتدّ قساوة: تشكيل حكومة وحفظ ماء وجهه، لكن ليس اي حكومة! ذلك ان حضور حزب الله والتيار الوطني الحر فيها، وإن بصورة مموّهة (خاصة اذا ما أُعطيا حقائب حسّاسة ووازنة، كالطاقة والاشغال والاتصالات...) سيجعل الحريري عاجزا عن التسويق لها في الخارج بعد ان باتا مصنّفين فاسدين وارهابيين. فكيف سيُخرج نفسه من هذا المأزق؟ وهل يراهن على دعم فرنسي، يسهّل قبول المجتمع الدولي بأي حكومة يؤلّفها، شرط ان تلتزم فعليا وعمليا، باصلاحات حقيقية؟
مطالبة بمستندات: في الاثناء، وفي انتظار معرفة ما اذا كانت بعبدا ستفصل بين قرار واشنطن التصعيدي وملف التأليف، بدت لافتة مسارعة رئيس الجمهورية الى التحرك اميركيا مستفسرا اسباب "معاقبة" باسيل، بعد اقل من 24 ساعة على صدور العقوبات. فقد طلب من وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبه، إجراء الاتصالات اللازمة مع السفارة الاميركية في بيروت والسفارة اللبنانية في واشنطن، للحصول على الادلة والمستندات التي دفعت بوزارة الخزانة الاميركية الى توجيه اتهامات وفرض عقوبات في حق رئيس التيار الوطني الحر الوزير السابق النائب جبران باسيل"، مشددا على "تسليم هذه الاثباتات الى القضاء اللبناني لكي يتخذ الاجراءات القانونية اللازمة بذلك"، لافتا الى أنه "سيتابع هذه القضية مباشرة وصولا الى إجراء المحاكمات اللازمة في حال توافر أي معطيات حول هذه الاتهامات".
انتقاما من قائد: اما في المواقف، فنبرةٌ عالية طبعت رد الوطني الحرّ، الاول، على خطوة واشنطن. اذ أعلنت الهيئة السياسية في التيار في بيان بعيد اجتماعها الاسبوعي، "رفضها التام للعقوبات الأميركية على رئيس التيار"، معتبرة اياها "إفتراءً واضحًا وإستخدامًا لقانون أميركي للإنتقام من قائد سياسي بسبب رفضه الإنصياع لما يخالف مبادئه وقناعاته وخياراته الوطنية"، مؤكدة "تضامنها الكامل مع رئيس التيار بما يمثل ومن يمثل". وأسفت الهيئة "لقيام الإدارة الأميركية على عتبة إنتهاء الولاية الرئاسية، بإستخدام هيبة بلادها ونفوذها وقوتها لكسر إرادة لبنانية حرّة، بما يتناقض مع قيم الحرية والديمقراطية التي طالما جمعت الأميركيين باللبنانيين، وتحديدا في البيئة الحاضنة التي إنّبثق منها التيار الوطني الحر". ودعت "الإدارة الأميركية الى العودة عن قرارها الظالم، وتحضّها على إبراز أي أدلة او مستندات او معلومات في حوزتها تبرر قرارها. وهي، بالتأكيد، بما تملك من قدرات وتتحكم بالنظام المصرفي العالمي، قادرة على إبراز ما لديها من وثائق، في حال توفرها، بدل الإكتفاء بإنشائيات وبأجهزة الاستخبارات لديها اوتلك التي تستعين بها وعموميات وكلام مستهلك، اعتدنا سماعه من بعض ابواقها في لبنان. واذ اكدت ان "صداقتنا مع الشعب الأميركي، تحتّم على مسؤوليه إحترام سيادة اللبنانيين على أرضهم ودعمهم في مشروع بناء الدولة، والذي يحتل التيار ورئيسه موقع الريادة فيه، بما يؤدي الى تكريس خيار لبنان القوي والمستقر الذي يشكل عنصر سلام وإستقرار في الشرق الأوسط"، اشارت الى ان "التيار سوف يظلّ متمسّكاً بمبادئه، حراً في قراراته، سيّداً على ارضه، لا يأخذ التعليمات من أحد لا داخلياً ولا خارجياً، يختار الوحدة الوطنية على إرضاء الخارج ويقف الى جانب اي لبناني في مواجهة أي اعتداء عليه ، ويضحّي بكل ما لديه من اجل حريّة وسيادة واستقلال لبنان ومن أجل بناء الدولة فيه، وما حصل من عقوبات جائرة على رئيسه هو تضحية جديدة يقدّمها التيار من ذاته لمصلحة لبنان وامنه واستقراره".
مجاعة في لبنان: ووسط هذه الاجواء الملبدة، صفارةُ انذار معبرة قوية وخطيرة، أطلقتها الامم المتحدة، إن دلت على شيء، فعلى حاجة لبنان المنهار على الصعد كافة، معيشيا وماليا وصحيا وتربويا، الى حكومة انقاذية اليوم قبل الغد. فقد حذّرت منظمة الأغذية والزراعة، وبرنامج الأغذية العالمي في تقرير من وجود 16 بلداً مهدداً بشدة جراء زيادة مستويات الجوع الحاد، من بينها لبنان فنزويلا وهايتي وإثيوبيا والصومال والكاميرون وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي والنيجر وسيراليون وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وزيمبابوي والسودان وسوريا وأفغانستان. وأملت أن يشجع هذا التقرير العمل "على الفور لمنع حدوث أزمة كبرى (أو سلسلة من الأزمات) بعد ثلاثة إلى ستة أشهر". كما أكّد معدو التقرير أن تطور الوضع في هذه البلدان مرهون بشكل خاص بالوصول إلى المساعدات الإنسانية والتمويل المستمر للمساعدات الإنسانية. من جهته، قال مسؤول الطوارئ في المنظمة دومينيك بورجون، في بيان "هذا التقرير هو دعوة واضحة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة". وأضاف: "نشعر بقلق بالغ إزاء التأثير المشترك للعديد من الأزمات التي تقوض قدرة الناس على إنتاج الغذاء والحصول عليه، وتجعلهم أكثر عرضة للجوع الشديد. يتعين علينا الوصول إلى هؤلاء السكان حتى يتمكنوا من الحصول على الغذاء، وأن يملكوا الوسائل لإنتاجه وأن يحسنوا سبل عيشهم لتفادي حدوث السيناريو الأكثر تشاؤماً".
نحو الاقفال؟ صحيا، عدّاد كورونا يحلق ولا معالجات رسمية، فيما تتسع دائرة المعنيين بالوباء صحيا واستشفائيا، المطالبين بالاقفال العام، فهل تصح المعطيات التي تشير الى ان الدولة ستتجه نحو هذا الخيار الاسبوع الطالع؟ وكانت نقابة الصيادلة انضمت اليوم الى وزير الصحة ولجنة الصحة النيابية (...)، في الدعوة الى الاقفال العام. واشارت في بيان الى ان "الدولة في حال عدم القدرة على فرض "القيود" على المواطنين، مطالبة بإلإقفال الكامل على الأقل لمدة 15 يوماً لايقاف ازدياد عدّاد كورونا المتصاعد من جهة، والسماح للقطاع الصحي بكل فروعه لالتقاط انفاسه والاستعداد لمواجهة الاعظم".