لماذا يعجز لبنان عن وقف حرب الجنوب؟
معضلة حقيقية تواجه لبنان في الأمم المتحدة حيث تسود بين غالبية الدول المؤثرة في مجلس الأمن الدولي حالة من التشكيك بقدرته على الإلتزام بالإجراءات التي يتطلبها تنفيذ الصيغ التي يقترحها هو لإستيعاب الحرب الدائرة على أرضه بين إسرائيل وميليشيات إيران.
يقول سفير إحدى الدول ال 15 التي يتكون منها مجلس الأمن المؤلف من خمسة أعضاء دائمين وعشرة غير دائمين ينتخبون لمدة سنتين، إن رؤية لبنان تدور حول “صيغة متوازنة بين لبنان وإسرائيل لإحتواء الحرب.”
ويضيف السفير الذي تحدث شرط عدم الإدلاء بإسمه أو إسم الدولة التي يمثلها، إن الصيغة المتوازنة التي يطرحها لبنان “لا تعكس واقع الصراع الذي لا يشارك فيه لبنان الرسمي الذي نتباحث معه.”
وأوضح أن “دولة إسرائيل تقاتل تحت شعار إعادة مواطنيها إلى مستوطناتهم الشمالية ، وميليشيا حزب الله ومعها ميليشيا الأخوان المسلمين تقاتلان من لبنان لدعم حركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة وجميعهم من المحور الإيراني.
“أما المسؤول الرسمي اللبناني الذي نتحاور معه، أكان سفيراً أو وزيراً أو رئيس وزراء أو نائباً في البرلمان، فإنه لا يمثّل القوى المقاتلة، ولا تثق غالبية دول مجلس الأمن بقدرته على الإلتزام بتنفيذ الضمانات التي يتطلبها أي حل متوازن.”.
وسألت: لماذا لا تثق غالبية الدول التي تحدثت عنها بقدرة لبنان على التنفيذ؟؟؟
يقول السفير “أولا لأنه ليس طرفاً في الصراع بإستثناء إهتمامه الإنساني بما يصيب شعبه، ثانياً لأن تاريخ الدولة اللبنانية حافل بالفشل في تنفيذ ما تلتزم به في ما يتعلق بالصراعات مع إسرائيل.”
وقال إن لبنان “يريد إحياء إتفاق الهدنة مع إسرائيل” لعام 1949، والذي كان مطبقاً على جانبي الحدود بنفس العمق وبتحديد أعداد المقاتلين النظاميين حصراً والأسلحة المقبولة على جانبي الحدود.
ويذكر أنه في حرب الأيام الستة العام 1967 هزمت إسرائيل وإحتلت أراضي 3 دول طوق عربية هي مصر والأردن وسوريا، وبقي لبنان الدولة الوحيدة التي لم تحتل إسرائيل أي جزء من ترابه لأنه كان ملتزماً إتفاق الهدنة.
لكن عندما وقّع لبنان الرسمي إتفاق القاهرة في العام 1969 الذي منح فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ما سمي ب “نقاط عبور” لمهاجمة إسرائيل من جنوب لبنان خرق إتفاقية الهدنة وأسقطها من طرف واحد.
وكان قائد الجيش اللبناني إذذاك العماد إميل بستاني، وبموافقة رئيس الجمهورية شارل الحلو، قد وقع في 3 تشرين الثاني العام 1969 إتفاق القاهرة مع ياسر عرفات بوساطة الرئيس المصري جمال عبد الناصر في محاولة لضبط حركة الفدائيين الفلسطينيين الذي تدفقوا إلى لبنان من الأردن ولم يسمح لهم بالتواجد على الجانب السوري من الجبهة مع إسرائيل في مرتفعات الجولان.
وكان المجلس النيابي اللبناني برئاسة السيد حسين الحسيني قد ألغى، بأغلبية أعضائه، في أيار العام 1987 إتفاق القاهرة وأصدر رئيس الجمهورية أمين الجميل بعد شهر قانون الإلغاء الذي نشر في الجريدة الرسمية.
تاريخ لبنان في ما خص قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بصراعه مع إسرائيل، حافل بهفوات السقوط نتيجة عدم قدرة سلطات الدولة المتعاقبة على تنفيذ شروط تحملت مسؤولية التوقيع عليها من دون أن تكون طرفاً فيها بدءاً من العام 1978 وتمركز اليونيفل الأول في جنوب لبنان بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425.
سقوط القرار 425 بدأت تباشيره تلوح في بداية عقد الثمانينات نظراً لفشل السلطة اللبنانية في ضبط قوات ياسر عرفات الذي كان يفاخر بأن “عندي 3 آلاف مدفع في الجنوب لمحاربة إسرائيل.”
ردت إسرائيل على تفلت فصائل م.ت.ف. من أي ضوابط فأغارت طائراتها الحربية في 10 و 17 تموز العام 1981 على بيروت وبلدة الناعمة جنوبي العاصمة مستهدفة مواقع حركتي فتح والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وهي تنظيم ماركسي تابع للإتحاد السوفياتي بقيادة نايف حواتمة.
كانت إسرائيل في حينها بقيادة رئيس حكومة حزب الليكود مناحيم بيغن تتمتع بدعم أميركي قوي ضد م.ت.ف. التي تعتبر واشنطن أنها صارت ألعوبة بيد الإتحاد السوفياتي، ويعتقد أن تلك الغارات أوحت بها إدارة الرئيس الجمهوري رونالد ريغان لتكون رسالة موجهة إلى موسكو تحديداً .
كما أبلغت واشنطن رئيس الوزراء اللبناني الراحل شفيق الوزان بأنها ستكون مستعدة لدعم حرب على الفلسطينيين إذا صعّدت موسكو دعمها لهم في لبنان وكان عنوان الرسالة الأميركية: “لن نسمح بقيام كوبا ثانية في البحر الأبيض المتوسط.”
كوبا الثانية التي حذرت منها أميركا توضحت معالمها في بيروت، وتحديداً في منطقة الطريق الجديدة، شارع السبيل، عندما أًعلن عن تأسيس مكتب للجيش السري الأرمني لتحرير أرمينياArmenian Secret Army For The Liberation of Armenia (ASALA) من أحد مكاتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة الدكتور جورج حبش، وهي تنظيم على صلة بالمخابرات السوفياتية.
تأسس ASALA في بيروت خلال الحرب الأهلية وكانت قمة ظهوره في بداية الثمانينات عبر مؤتمرات صحافية عقدها قائده المعروف بإسمه الحركي هاغوب هاغوبيان في الطريق الجديدة وكان آخرها وأبرزها مؤتمر صحافي خصص لمراسلي الإعلام الأميركي حصراً في مكتب بدهاليز مدينة صيدا القديمة قرب منجرة لصناعة زوارق الصيد لم نتمكن من مغادرته من دون دليل.
قال هاغوبيان الذي إرتدى قناعاً غطى كامل وجهه وتسلح برشيش قصير عيار 9 ملم إن هدف جيشه هو تحرير أرمينيا من تركيا.
كان واضحاَ أن الهدف هو إزعاج أميركا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي تنتمي إليه تركيا وتعتبر إحدى أقوى أعضائه.
وكانت أميركا قدأبلغت رئيس حكومة لبنان شفيق الوزان أنها لن تسمح بتحوبل لبنان إلى قاعدة للمخابرات السوفياتية، وهو ما نفذته عندما نسقت الغزو الإسرائيلي مع وزير الدفاع آريل شارون الذي إحتل بيروت.
وقبل إحتلال بيروت المحاصرة إسرائيلياً صدر بيان عن مصدر مجهول يعلن مقتل هاغوبيان في غارة على حي السبيل بالطريق الجديدة، لكن هاغوبيان إغتيل في 28 نيسان 1988 في أثينا عاصمة اليونان .
كان القرار 425 بمثابة الساقط عملياً منذ صدور القرار 1559 في 2 أيلول العام 2004 الذي دعا إلى “الاحترام التام لسيادة لبنان وسلامته الإقليمية ووحدته واستقلاله السياسي تحت سلطة حكومة لبنان وحدها دون منازع في جميع أنحاء لبنان.”
وطالب القرار “جميع القوات الأجنبية المتبقية بالانسحاب من لبنان.. ويدعو إلى حل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها، و يؤيد بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية…” وهو ما لم يحصل حتى الآن على الرغم من صدور القرار الأممي 1701 في العام 2006 ، والذي لم يطبق أيضاً لعدم قدرة، كي لا يقال لعدم رغبة، المنظومات السياسية المتعاقبة على فرض سلطتها على المتنازعين على أرضها.
فإلى أين يتجه لبنان حالياً؟
السفير الذي رسم خارطة فشل لبنان في تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بصراعه مع إسرائيل إختصر الوضع الحالي بقوله: “لبنان الآن في أسوأ حالاته، لا يوجد توافق على أي تسوية سياسية أو عسكرية أو أمنية على الرغم من كثرة الزائرين والوسطاء.”
لكنه أشار إلى ما اعتبر أنه قرار سوري ملفت يخفّض بنسبة 50 بالمائة رسوم الترانزيت على عبور الشاحنات من لبنان إلى العراق وبالعكس، عبر معبر البوكمال السوري “ما يعكس رغبة في إبقاء الطريق البري مفتوجاً من إيران بإتجاه لبنان بعد تدمير مصانع الصواريخ والمسيرات الإيرانية في مصياف بسوريا التي كانت تزود حزب الله اللبناني بما يمكنه في القتال.”
وسأل: “هل تريد إيران إحياء خط تعزيز ترسانة حزب الله؟”
محمد سلام - هنا لبنان